هيئة علماء المسلمين: إنهاء عمل “يونامي” يكشف فشل المسار السياسي ويستوجب مراجعة شاملة لتجربة الوصاية الدولية على العراق
في بيان نقدي لاذع: الهيئة تؤكد أن "يونامي" أخفقت في الانحياز للعراقيين وساهمت في تجميل نظام المحاصصة والفساد
عمّان – الرافدين
وصفت هيئة علماء المسلمين في العراق إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بعد أكثر من اثنين وعشرين عامًا، بأنه «استحقاق سياسي وأخلاقي مؤجَّل»، مؤكدة أن هذه اللحظة تفرض مراجعة جادّة وصريحة لتجربة البعثة ودورها الفعلي في العراق منذ عام 2003، بعيدًا عن المجاملات الدبلوماسية أو الخلاصات الشكلية.
وقالت الهيئة في بيان لها إن خطاب غوتيريش خلال زيارته إلى بغداد لم يكن عابرًا أو محايدًا، بل حمل رسائل سياسية واضحة، أبرزها الغياب التام لأي إشادة بالأداء الحكومي أو بالمسار الديمقراطي أو بما يُسوَّق له من إصلاحات، مشيرة إلى أن شكره الوحيد اقتصر على تسمية شارع باسم الأمم المتحدة، في دلالة اعتبرتها الهيئة «صمتًا مدروسًا يعكس تآكل الثقة الدولية بنظام سياسي أخفق في بناء الاستقرار وفشل في إنتاج دولة».
ورأت الهيئة أن تجنّب الأمين العام منح الحكومة العراقية أي شرعية خطابية أو غطاء سياسي يأتي انسجامًا مع سجلها المثقل بالفساد البنيوي، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، والعجز المزمن عن الإصلاح الحقيقي، لافتة إلى أن تركيزه على المعاناة الإنسانية والسلم المجتمعي والاستقرار الإقليمي، مع إغفال متعمّد للإشادة بالعملية السياسية، يكشف إدراكًا أمميًا متزايدًا بأن هذا المسار لم يعد قابلًا للتسويق بوصفه نموذجًا ناجحًا أو حتى قابلًا للترميم.
وبيّنت الهيئة أن هذا التحول في لهجة الخطاب الأممي يعكس انتقالًا واضحًا من دعم النظام السياسي إلى مخاطبة المجتمع العراقي مباشرة، محمّلًا رسائل تحذير صريحة للقوى الحاكمة مفادها أن الشرعية الدولية ليست تفويضًا مفتوحًا، ولا يمكن فصلها عن معايير السيادة والتمثيل الحقيقي والإجماع الأخلاقي، وهي معايير بات النظام القائم عاجزًا عن تلبيتها، حتى وإن استمر التعامل معه كواقع مفروض.
وفي تقييمها لأداء بعثة (يونامي)، شددت الهيئة على أن البعثة أخفقت في أداء دورها المهني والأخلاقي المفترض، وانحرفت في كثير من مراحل عملها نحو تغطية إخفاقات العملية السياسية، والمساهمة في تجميل نظام محاصصة طائفية وإثنية قائم على الفساد وسوء الإدارة، الأمر الذي عطّل قيام الدولة، وعمّق الانقسام المجتمعي، وبدّد ثروات البلاد، وكرّس ارتهان القرار الوطني.
وأضاف البيان أن تقارير البعثة، رغم تضمن بعضها إشارات محدودة إلى الانتهاكات الحكومية وخطر الميليشيات والسلاح المنفلت، بقيت حبيسة اللغة الدبلوماسية الرمادية، ولم ترتقِ إلى مستوى الإدانة الصريحة أو المواقف العملية الرادعة، كما عجزت (يونامي) عن اتخاذ موقف حازم من جرائم التهجير القسري والتغيير الديمغرافي التي طالت محافظات ومناطق عراقية واسعة، وما تزال آثارها الإنسانية والأمنية قائمة حتى اليوم.
وأكدت هيئة علماء المسلمين أن إنهاء عمل (يونامي) لا يجوز أن يكون طيًّا لصفحة مثقلة بالإخفاقات دون محاسبة أو مراجعة، بل يجب أن يكون مدخلًا لإعادة قراءة هذه التجربة بجرأة ومسؤولية، وإنصاف ضحايا العنف السياسي والطائفي، مشددة على أن مستقبل العراق «لا تصنعه بعثات دولية مهادِنة ولا تقارير دبلوماسية توازن بين الجلاد والضحية»، بل تصنعه إرادة وطنية حرّة، ومشروع سياسي جامع، ودولة سيادة حقيقية تنهي حقبة الوصاية والفشل والانقسام.




