أخبار الرافدين
طلعت رميح

من الرقص على رؤوس الثعابين إلى تقسيم اليمن!

كان الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، دقيقًا حين شبَّه حكم اليمن بالرقص على رؤوس الثعابين. وإذ كان وصفه متعلقًا بممارسة السياسة الداخلية، المشابهة لتعقيدات تضاريس الجغرافيا الطبيعية لليمن، فما يلفت النظر أن كل الأحداث التي شاركت فيها الأطراف الخارجية في اليمن سارت على المنوال نفسه، حتى وصلت الآن إلى لحظة إنفاذ القرار الاستراتيجي المتخذ بتقسيم اليمن.لقد ذهب علي عبد الله صالح ضحية الرقص على رؤوس الثعابين، إذ قُتل الرجل بأيدي الحوثيين، الذين أوصلهم للسيطرة على صنعاء، إذ هو من أعطى الأوامر للحرس الجمهوري للقتال إلى جانبهم، نكايةً بالأطراف العربية التي سعت لإسقاط حكمه خلال أحداث عام 2011.
وإذ أفلت طارق صالح من المذبحة التي نفذها الحوثيون ضد عمه علي صالح، وأعاد لملمة قطاع من الحرس الجمهوري، وتحرك على الساحل اليمني على البحر الأحمر، امتدادًا من باب المندب وصولًا إلى ميناء الحديدة، واقترب من توجيه الضربة القاضية للميليشيات بالسيطرة على الميناء ـ وهو المنفذ الرئيسي للحوثيين للتواصل مع إيران، ومن يسيطر عليه يصبح طريقه مفتوحًا للسيطرة على صنعاء ـ فقد كانت المفاجأة أن تحرك المندوب الأممي ـ أو المندوب السامي البريطاني ـ ومن خلفه الولايات المتحدة وبريطانيا، ومنع طارق صالح من إكمال المهمة، وهو على بعد مئات الأمتار من الميناء.
وهكذا تواصلت ألاعيب السياسة الخارجية وفق ذات قاعدة الرقص على رؤوس الثعابين، حتى أصبح المشهد سرياليًا، كما يقال.
آخر تلك الأحداث الغريبة ما حدث في محافظتي المهرة وحضرموت، إذ تحركت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي والحراك الجنوبي، المدعومتين إماراتيًا، واحتلت المحافظتين، وكلاهما ـ وبشكل خاص حضرموت ـ تتمركز فيهما قوات الشرعية اليمنية المدعومة من السعودية التي تقود تحالف دعم الشرعية، الذي تتغطى به الإمارات في نشاطها ودورها السياسي والعسكري في اليمن.
انتهينا الآن إلى مشهد سريالي. لقد أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا طالبت فيه القوات الجنوبية (المدعومة إماراتيًا) بالعودة إلى المناطق التي انطلقت منها، وأعلنت أن ما جرى لم يحدث بشأنه تشاور. وبات الوضع مفتوحًا على احتمالات صراع إماراتي سعودي!
وكما هو معلوم، فحضرموت تحوي خزانًا نفطيًا كبيرًا، وكذا خزانًا للمياه الجوفية، وتدور الأحاديث منذ فترة طويلة حول السيطرة على حضرموت والمهرة وجزيرة سقطرى، لتشكيل كيان انفصالي مدعوم بوجود قوات أمريكية وبريطانية على الأرض في حضرموت.
وقبلها كنا أمام مشهد سريالي آخر.
قبل نهاية حكم أوباما، كان وزير خارجيته جون كيري في منطقة الخليج، فأطلق خلال حضوره ندوة حوار رسمي أخطر التصريحات الكاشفة لأبعاد الموقف الأمريكي الساعي لتقسيم اليمن، إذ تحدث عن منح الحوثيين حكمًا أو استقلالًا ذاتيًا في مواجهة مطالب تحالف دعم الشرعية ـ وقتالها ـ لأجل إنهاء الظاهرة الحوثية والعودة بالبلاد إلى وحدتها. وقد شكلت تلك التصريحات إعلانًا أمريكيًا برفض إعادة توحيد اليمن.
وهكذا جرى حل لغز الهجمات المجهولة التي كانت تتعرض لها قوات الشرعية اليمنية ـ خلال رئاسة عبد ربه منصور هادي ـ كلما تحركت باتجاه استعادة العاصمة اليمنية صنعاء. وقيل وقتها إن جهة مجهولة كانت تقصف القوات المتقدمة حين تصل للمناطق السهلية المفتوحة التي تستطيع القوات النظامية الحركة السريعة فيها للسيطرة على صنعاء. ووقتها كان لافتًا أن بعض المنظمات والهيئات الغربية كانت تصدر بيانات تقف ضد السيطرة على صنعاء بالقوة بسبب المباني الأثرية في صنعاء.
والغريب هنا أن الحوثيين، الذين كاد جون كيري أن يقول إنهم تحت الحماية الأمريكية، وأن لا حل عسكريًا على حساب وجودهم ودورهم وسيطرتهم، هم من اشتبكوا مع القوات الأمريكية بعد أن قاموا بقصف سفن البحرية الأمريكية خلال أعمال المساندة التي قام بها الحوثيون لقطاع غزة. ولم ينتهِ الأمر إلا باتفاق بينهم والأمريكيين ـ عبر قرار إيراني بطبيعة الحال ـ كان ملخصه وقف تبادل الهجمات مع استمرارها على الكيان الصهيوني.
وهكذا انتقلت عدوى الرقص على رؤوس الثعابين إلى القوى الدولية التي تدخلت في اليمن.
لكن البادي الآن أن الأمور ذاهبة إلى نهاية لعبة الرقص على رؤوس الثعابين، وأن فكرة التقسيم في طريقها للاكتمال. فإذ يجري الصمت على ما تحتله جماعة الحوثي من أراضٍ، منها العاصمة صنعاء، ولم تعد تُجرى أعمال قتالية ضد الجماعة، لا من الخارج ولا من جيش الشرعية اليمنية لإنهاء سيطرتهم، فقد انتقل الدور لإحداث التقسيم عبر الجنوب. فإن كان الحوثيون قد سيطروا على مناطق تمتد من صعدة وحتى مشارف محافظة تعز، وسيطرت جماعة طارق صالح على غرب اليمن، فالآن يجري فصل الجنوب ليبقى قطاع آخر تحت سيطرة الحكم الشرعي، ملاصقًا للحدود مع المملكة العربية السعودية.
ويبدو أن اليمن سيكون أول الدول العربية التي يُجرى تقسيمها فعليًا، أو أن اليمن سيسبق ليبيا والسودان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى