وثائق سرية للبنتاغون تكشف انتهاكات شنيعة في قصف مدنيين عراقيين
نيويورك تايمز تفند الوعود بحرب تنفّذها طائرات مسيّرة ذات قدرات رصد فائقة وقنابل دقيقة التوجيه، وتكشف عن معلومات استخباراتية مغلوطة، وسقوط قتلى بين صفوف المدنيين العراقيين من دون مساءلة.
لندن- الرافدين
كشفت وثائق سريّة لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” عن انتهاكات وإخفاقات متكررة في شنّ غارات جوية مُميتة من قبل الجيش الأمريكي ضد المدنيين في العراق وسوريا وأفغانستان.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير مطول نشرته باللغة العربية في موقعها الإلكتروني “قُطِعت الوعود بحربٍ تنفّذها طائرات مسيّرة ذات قدرات رصد فائقة وقنابل دقيقة التوجيه، لكنّ الوثائق تكشف عن معلومات استخباراتية مغلوطة، وعمليات استهداف خاطئة، وسنوات من سقوط القتلى بين صفوف المدنيين وأقلّ القليل من المساءلة”.
وأُخذَت وقائع الانتهاكات بحق المدنيين من أرشيف سرّي بوزارة الدفاع الأمريكية عن الحرب الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ عام 2014.
وتكشف مجموعة الوثائق التي حصلت عليها نيويورك تايمز والتي تضم تقييمات سريّة أجراها الجيش الأمريكي لأكثر من 1300 تقرير حول سقوط ضحايا مدنيين، عن أن الحرب الجوية اشتملت على أخطاء جسيمة في المعلومات الاستخباراتية، وعمليات استهداف متسرعة وغير دقيقة في كثير من الأحيان، وآلاف القتلى من المدنيين من بينهم العديد من الأطفال، فيما يُعتبر تناقضًا صارخًا مع الصورة التي روّجت لها الحكومة الأمريكية عن الحرب التي تشنّها باستخدام الطائرات المسيّرة ذات قدرات الرصد الفائقة والقنابل دقيقة التوجيه.
وتسرد الصحيفة أمثلة لأسر عراقية في الموصل والرمادي قضت بأكملها في القصف الأمريكي.
وفي مطلع عام 2017 في العراق، قصفت طائرة حربية أمريكية سيارةً داكنة اللون، كان يُعتقد أنها سيارة ملغمة، بعد أن توقفت في تقاطع طرق في حي وادي حَجَر غرب الموصل. والحقيقة أن السيارة لم تكن تحمل قنبلةً، بل كان بها رجلٌ يُدعى ماجد محمود أحمد وزوجته وطفلاهما حيث كانوا يلوذون بالفرار من منطقة قتال قريبة. قُتل الأربعة وثلاثة مدنيين آخرين.

وفي نوفمبر عام 2015، قصفت القوات الأمريكية أحد المباني في مدينة الرمادي بعد أن رصدت شخصًا يجرّ “جسمًا ثقيلًا مجهول الهوية” إلى “موقع قتال دفاعي” تابع لتنظيم داعش.
وكشفت مراجعة الجيش للغارة لاحقًا أن هذا الجسم كان في حقيقة الأمر “شخص ضئيل البنية” ولقى طفلٌ حتفه في الغارة.
وكشفت الوثائق أسماء أفراد من أسر عراقية في الموصل راحوا ضحية القصف الأمريكي وهم في منازلهم، من بينهم أسرة قُصيّ سعد الذي فقد زوجته وابنته عائشة وابنه عبد الرحمن البالغ من العمر أربع سنوات.
ولم تُستخرج جثامين الضحايا إلا بعد شهرين. فعندما لم تقدّم الحكومة العراقية أي مساعدة، تكفّلت الأسرة بمصاريف الحفر في موقع الغارة. وشاهد سعد جثامين زوجته وطفليه وهي تُستخرج من بين الأنقاض. كان رأس عائشة مفقودًا وجسدها الصغير محاطًا بذراعي أمها.
ودُفن الثلاثة في مكان قريب من منزلهم الذي تركه قصي سعد كما كان في حياتهم. قال شقيقه إنه أحيانًا يبيت ليالٍ كاملة في المقبرة حزنًا على أفراد أسرته.
وقبيل الساعة الثالثة صباحًا من يوم التاسع عشر من تموز عام 2016، قصفت قوات العمليات الخاصة الأمريكية ما كانت تعتقد أنها ثلاث “مناطق استعداد” تابعة لتنظيم داعش في ضواحي قرية التوخار شمال سوريا.
وأفادت القوات بأن الغارة أسفرت عن مقتل 85 مقاتلًا، لكن الحقيقة أنها قصفت منازل بعيدة عن جبهة القتال كان يحتمي بداخلها بعض المزارعين وعائلاتهم وعدد من سكان القرية من القصف وإطلاق النيران ليلًا. وقد قُتل أكثر من 120 شخصًا من سكان القرية في تلك الليلة

ولم يُعترف بارتكاب أخطاء في أي من تلك الإخفاقات للقوات الأمريكية التي أودت بحياة المدنيين.
وتكشف الوثائق أيضًا أنه على الرغم من منظومة الإجراءات والقوانين المعتمدة لدى البنتاغون بشأن التحقيق في وقائع الضحايا المدنيين، فقد حلّ التعتيم والإفلات من العقاب محلّ تعهدات الشفافية والمساءلة.
ولم تُنشر نتائج التحقيقات إلا في عدد قليل من الحالات، ولم تتضمن أية وثيقة إقرارًا بوقوع خطأ أو توثيقًا لاتخاذ إجراء تأديبي.
وصُرفت تعويضات لأقل من عشرة حالات، على الرغم من إصابة الكثير من الناجين بإعاقات تتطلب رعاية طبية باهظة. أما الجهود الموثّقة لتحديد الأسباب الرئيسة لهذه الإخفاقات أو الدروس المستفادة منها فلم يرد ذكرها إلا قليلًا.
وفي بعض الأحيان، كانت بعض الروايات الصادمة تخرق جدار الصمت. فقد كشف تحقيق أجرته نيويورك تايمز أن غارةً بطائرة مسيّرة على كابول في آب تسببت بمقتل 10 أشخاص من عائلة أفغانية واحدة، خلافًا لتصريح مسؤولين أمريكيين بأنها دمّرت سيارة ملغمة.
ومؤخرًا أفادت الصحيفة بأن عشرات المدنيين قُتلوا في عملية قصف في سوريا عام 2019 أخفاها الجيش عن الرأي العام. نُفّذت هذه الغارة بأمرٍ من خلية سريّة اسمها “تالون أنفيل” وهي معروفةٌ بحسب أشخاص عملوا معها، بتجاوز الإجراءات الموضوعة لحماية المدنيين مرارًا وتكرارًا.
ونفّذت “تالون أنفيل” قدرًا كبيرًا من العمليات في الحرب الجوية ضد تنظيم داعش في سوريا.
وتنشر وزارة الدفاع الأمريكية ملخصات دورية موجزة عن حوادث الضحايا المدنيين، ومؤخرًا أمرت بفتح تحقيق جديد رفيع المستوى بشأن الغارة الجوية على سوريا عام 2019. لكن في الحالات القليلة التي يُعترف فيها علنًا بارتكاب أخطاء، تُوصف الواقعة غالبًا بأنها استثنائيةٌ ومؤسفةٌ ولا مفرّ من وقوعها.
وتذرع النقيب بيل اوربان، المتحدث الرسمي باسم القيادة المركزية الأمريكية بحدوث الأخطاء حتى مع استخدام أفضل التكنولوجيا في العالم، سواءٌ بسبب المعلومات المنقوصة أو التفسير الخاطئ للمعلومات المتاحة.
وقال اوربان ردًا على أسئلة نيويورك تايمز “نسعى جاهدين لتفادي مثل هذه الأضرار. نحقّق في كلّ واقعة ذات مصداقية، ونشعر بالأسى تجاه أي خسارة في أرواح الأبرياء”.
لكن الوثائق السريّة تكشف أن المدنيين قد أصبحوا ضمن الخسائر الجانبية المعتادة لطريقة حرب بلغت منها الأخطاء مبلغًا.
وأضاف المتحدث الأمريكي أن “وقوع خطأ غير متعمَّد، في غارةٍ نُفِّذت وفق أفضل المعلومات المتاحة وتماشيًا مع متطلبات المهمة وأسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين، ليس، في حد ذاته، سببًا لاتخاذ إجراءات تأديبية كما هو منصوص عليه في قانون النزاعات المسلحة”.