الحلبوسي والخنجر توافق هش على خدمة أحزاب إيران في العراق
رئيس البرلمان الحالي وزعيم تحالف السيادة موجودان في مواقعهم لسد الفراغ على الخارطة السياسية التي يستند إليها نظام المحاصصة الطائفية.
بغداد- الرافدين
يدفع الإطار التنسيقي باتجاه شق التحالف الثلاثي المشكل من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، في محاولة لمنع تشكيل حكومة أغلبية وطنية يدعو لها زعيم التيار مقتدى الصدر.
ويسعى التحالف الثلاثي إلى تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية، إلا أنه يصطدم مع الإطار التنسيقي الذي يضم الميليشيات الولائية وأحزاب إيران في العراق.
وشكل تحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر، بعد اتفاق هش بين رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي الذي يمتلك 37 نائبًا ضمن تحالف تقدم، ورجل الأعمال خميس الخنجر الذي جمع 34 نائبًا، قبل أن ينشق عنه 12 نائبًا في تحالف عزم برئاسة مثنى السامرائي.
وأعاد اللقاء الذي جرى مساء الخميس بين مثنى السامرائي ومحمود المشهداني من تحالف “عزم”، مع رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، التساؤلات بشأن التوافق الهش بين القوى التي تزعم امتلاكها لتحالفاتٍ قوية.
وأكد مصدر سياسي عراقي أن نوابًا في تحالف السيادة على علاقة وثيقة مع ميليشيات الإطار التنسيقي، لذلك يرى المالكي بأنهم يمثلون المساحة الرخوة التي يمكن التأثير عليهم وضمهم إلى الإطار، وبالتالي تفكيك التحالف الثلاثي. مثلما استقطب الإطار نواب تحالف عزم الذين قاطعوا جلستي التصويت لرئيس الجمهورية.
ويوجد داخل تحالف عزم ما يمكن تسميتهم بالصقور الرافضين التوافق مع الحلبوسي، مثل مثنى السامرائي ورئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني ووزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي وأحمد الجبوري الطامحين إلى مواقع سياسية.
واستبعد المصدر في تصريح لقناة “الرافدين” وجود فكرة “تحالف” تعبر عن معنى الكلمة بين كل الأحزاب التي تدير العملية السياسية الحالية، مشددًا على أن هناك اتفاقًا على تقاسم ثروات الدولة، وكلما “اختلف اللصوص انكشفت السرقة” وهذا ما سيحصل في اتفاق الحلبوسي والخنجر في ظل الهوة الواسعة بين الطرفين التي تغذيها توجهات وارتباطات كل منهما.
ويرتبط الخنجر بتحالف مع ميليشيات مدعومة من إيران من بينها ميليشيا بدر برئاسة هادي العامري وحزب الدعوة برئاسة نوري المالكي، فيما يحظى الحلبوسي بدعم التيار الصدري برئاسة مقتدى الصدر ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.
وبعد القضاء على معظم أنصار تنظيم داعش في العراق سجل الخنجر تحولًا راديكاليًا في مواقفه السياسية، إذ انتقل من الخصومة العلنية الحادة مع إيران إلى ساحة حلفاء طهران الموثوقين.
أما الحلبوسي فيندفع في التحالفات التي تنفذ أجندة إيران في العراق، فهو يستمر في نفس التنازلات التي قدّمها منذ تقلده منصب محافظ الأنبار عام 2014 ثم عضوًا في البرلمان إلى أن تم اختياره، بدعم من الأحزاب الموالية لإيران، رئيسًا للبرلمان في الدورة السابقة عام 2018 ثم التجديد له في الدورة الحالية كمفاجأة كشفت عن طموحه السياسي وفق التقسيم الطائفي القائم على المحاصصة.
وتقول أوساط عراقية إن الخلاف بين السياسيين الذين يزعمون تمثيل سنة العراق، لا يعود إلى اختلاف في المشاريع والأفكار، وإن سببه الرئيسي هو بحث كل طرف عن زيادة مكاسبه في الساحة وسط تبادل الاتهامات بالتنسيق والتحالف مع الميليشيات الموالية لإيران التي لا زالت تسيطر على مناطق في غرب وشمال العراق.
ولا يدور الخلاف حول برامج سياسية أو خدمية لصالح المدن المدمرة من الرمادي إلى الموصل، التي يُفترض أن الحلبوسي والخنجر يمثلان تلك المدن، بقدر ما يتعلق بالتنافس على زعامة محافظات غرب العراق.
ويدرك أبناء مدن وسط وغرب العراق، سواءًا منهم المقيمون في مناطقهم أو النازحين، أن الحلبوسي والخنجر تم تعيينهما بناء على رغبة الأحزاب الحاكمة باعتبارهما واجهتين.
وحين تعلق الأمر بالخصومة الكامنة بين الحلبوسي والخنجر، فإنها لا تعود إلى اختلاف في البرامج السياسية أو مستويات التمثيل الطائفي. ذلك لأن الجميع، من غير استثناء موجودون في مواقعهم لسد فراغ على الخارطة السياسية التي يستند إليها نظام المحاصصة الطائفية.
وكتب الصحفي كرم نعمة في بروفايل تحليلي عن شخصية الحلبوسي “تحليل تجربة الحلبوسي المرتبطة بعمره تساعدنا على فهم أنه يصعب عليه استلهام القيم التاريخية في الوطنية العراقية، خصوصًا تلك التي لم يعشها وذلك ليس ذنبه في كل الأحوال، فالرجل كان عمره سبعة أعوام عندما انتهت الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، فلم يعش بوعي ذلك التاريخ الفاصل في تاريخ بلاده إلا بما يقرأه ويروى له، وهو في كل الأحوال لا يكفي. وهذا يفسّر لنا علاقة تبادل المنفعة للحلبوسي مع الأحزاب المدعومة من إيران”.
وقال أستاذ في جامعة الأنبار “إذا ما كانت هناك مسافة بين الزعماء وبين سكان المدن الذين يُفترض أنهم يمثلونهم داخل السلطة فإن تلك المسافة تشير إلى معاناة مجتمع يعاني من التهميش والعزل والإهمال من غير أن يتمكن من إيصال صوته بعد أن تعرضت مدنه للخراب ومُنع الكثيرون من العودة إلى منازلهم التي ظلت مدمرة، بعضها لا تزال الميليشيات تحتلها”.
وأضاف الأستاذ مفضلًا عدم الكشف عن هويته “ما يحدث بين السياسيين من صراعات تصل إلى حد التشهير اللاأخلاقي إنما يعود إلى خلاف على المصالح، حيث صار التمثيل الطائفي يُدر أموالًا خرافية فمَن يذهب إلى مجلس النواب بوظيفته البسيطة يخرج منه بعد أربع سنوات وقد أصبح إمبراطورًا. ولو أن تلك الأموال أنفقت على إعمار المدن المدمرة لالتحقت تلك المدن بالعالم المعاصر”.
وقبل أن يشكل ما يسمي بتحالف السيادة بين الحلبوسي والخنجر، تبادل الإثنان رسائل شتائم بذيئة كشفت الهوة العميقة بين الشارع العراقي والقوى التي تمثله في العملية السياسية.
وكتب الحلبوسي في رسالته إلى الخنجر “حاولت أن أصدقك أكثر من مرة وأغض النظر عن نباح كلابك ومغامراتك بأهلنا لعلّ وعسى ينصلح حالك”.
ورد الخنجر على رسالة الحلبوسي بالقول “لست بحجمك ووزنك حتى أستخدم نفس الألفاظ، لكني أعدك أنني سأبقى مدافعًا عن حقوق أهلي التي ضيعتها خوفًا على منصبك الذي أورثك ذلًا يسمح لك بالتطاول على شركائك في المكون فقط! بينما لم نسمع لك إلا الخنوع والتصفيق أمام الآخرين”.
ولا يثق غالبية العراقيين بالقوى والأحزاب التي تدعي تمثيلهم في العملية السياسية أصلًا، وزادت شتائم الرسائل بين الحلبوسي والخنجر من منسوب عدم الثقة.
ويقول أنصار الحلبوسي إن طهران تريد مكافأة الخنجر بمنحه حق المشاركة في إعادة جزء من سكان جرف الصخر إلى مناطقهم وسط حديث عن أنه توصل إلى اتفاق مع الميليشيات الولائية، تنازل بموجبه عن معظم تلك المناطق مقابل سماحها بعودة جزء من السكان إلى مناطق محدودة في هذه الناحية.
وذكر المحلل السياسي العراقي مصطفى كامل أن المهاترات بين الحلبوسي والخنجر تعبر عن انهيار الخطاب السياسي في العراق، كما تعكس حقيقة الصراعات بين عناصر تنتمي إلى المكوّن ذاته وكلّ منها يزعم الدفاع عن حقوق أبنائه.
وقال كامل “كل شواهد السنوات التسع عشرة الأخيرة من عمر العراقيين تؤكد أن الصراعات السياسية، وخاصة بين من يدّعي تمثيل المكوّن العربي السني، شخصية بحتة ولا علاقة لها بتحقيق مصالح ذلك المكون الذي يعدّ الآن الأكثر تعرضًا للظلم والاضطهاد”.
وأضاف “صحيح أن الأطراف التي تدّعي تمثيل المكوّن الشيعي تتصارع هي الأخرى على المصالح والمكاسب، إلا أن صراعها في الغالب محكوم بضوابط الولاء للطائفة، وهو في نهاية المطاف محكوم بالقرار الإيراني”.
وأشار إلى أن هذه المهاترات تكشف مدى اتساع الانفصام بين الساسة وبين واقع المجتمع في المدن العراقية الذي يعاني من التهجير والإذلال والإفقار بدوافع طائفية.