أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

محنة الآثار العراقية مستمرة مع تغيرات المناخ ومافيا التهريب

الحكومات المتعاقبة منذ احتلال العراق عجزت عن حماية المواقع الأثرية من الحفر غير الشرعي ومواجهة مافيا تهريب الآثار.

بغداد- الرافدين

 

تفاقم التغيرات المناخية وارتفاع نسبة الملوحة في الأرض من محنة دمار الآثار العراقية بعد عجز الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 عن حمايتها من التهريب والحفر غير الشرعي، وشيوع مافيا تهريب الآثار المتهمة بها ميليشيات مسلحة.

وذكر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أن بعض أقدم مباني العالم في بلاد الرافدين معرضة للدمار بسبب تغير المناخ، حيث تتأكل المباني الأثرية جراء تصاعد منسوب الملوحة في الأرض، وتقوض العواصف الرملية عجائب الدنيا القديمة.

ويعد العراق مهد الحضارة الإنسانية، حيث ولدت الزراعة، وتم بناء بعض أقدم مدن العالم، مثل العاصمة السومرية أور، وتم تطوير أحد أنظمة الكتابة السومرية التي تعد الأولى في التاريخ.

أوغوستا مكماهون أستاذة علم آثار بلاد ما بين النهرين: أن الأضرار التي لحقت بمواقع مثل بابل أحد عجائب الدنيا السبع “ستترك فجوات في معرفتنا بالتطور البشري

ونقلت الصحيفة البريطانية عن أوغوستا مكماهون، أستاذة علم آثار بلاد ما بين النهرين في جامعة كامبريدج، تأكيديها على أن الأضرار التي لحقت بمواقع مثل بابل أحد عجائب الدنيا السبع “ستترك فجوات في معرفتنا بالتطور البشري، وتطوير المدن المبكرة، وإدارة الإمبراطوريات، والتغيرات الديناميكية في المشهد التاريخي”.

وتعد بلاد الرافدين غنية بالملح “مون باللغة السومرية” الموجود بشكل طبيعي في التربة والمياه الجوفية. وتذكر النصوص المسمارية مهنة جامع الملح، وتصف استخدام الملح في كل شيء من الحفاظ على الطعام إلى الرعاية الصحية والطقوس. ويقول مثل سومري إن الضروريات الأساسية للحياة هي الخبز والملح.

ويمكن للملح في التربة أن يساعد علماء الآثار في بعض الظروف، ولكن نفس المعدن يمكن أن يكون مدمرًا أيضا، ويدمر مواقع أثرية، وفقا للجيولوجي في جامعة القادسية جعفر الجويتري، الذي وصف الملح بأنه “عدواني سيدمر المواقع الأثرية ويهشم الطابوق، ويمحي الألواح المسمارية، ويدمر كل شيء”.

وتتزايد الملوحة المدمرة في الأراضي العراقية وسط نقص المياه الناجم عن السدود التي بنتها إيران وتركيا وسنوات من سوء إدارة الموارد المائية والزراعة داخل العراق منذ احتلاله عام 2003.

وقال أحمد حمدان، المهندس المدني الذي يدرس جودة المياه في أنهار العراق “بدأت الملوحة في نهر شط العرب في الزيادة منذ تسعينيات القرن الماضي”.

ووصف عام 2018، بالأسوأ بعد تفاقم أزمة المياه حيث أصيب أكثر من 118 ألف من أهالي البصرة بالتسمم جراء المياه غير الصالحة للشرب التي كانت تزود بها البيوت من إسالة المياه الحكومية.

وتزيد أزمة المناخ من المشكلة، فالعراق يزداد سخونة وجفافا، حيث تقدر الأمم المتحدة أن متوسط درجات الحرارة السنوية سيرتفع بمقدار درجتين مئويتين بحلول عام 2050، مع المزيد من أيام درجات الحرارة القصوى التي تزيد عن 50 درجة مئوية، في حين سينخفض هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 17 بالمئة خلال موسم الأمطار. وسيتضاعف عدد العواصف الرملية والترابية من 120 يوما سنويًا إلى 300 يوم. وفي الوقت نفسه، يدفع ارتفاع مياه البحر إسفين من الملح إلى العراق، وفي أقل من ثلاثين عاما، يمكن أن تكون أجزاء من جنوب العراق تحت الماء.

وقال الجويتري أستاذ علم الآثار والمدير المشارك لشبكة النهرين العراقية البريطانية التي تبحث في التراث العراقي “تخيل السنوات العشر المقبلة، ستكون معظم مواقعنا الأثرية تحت المياه المالحة” حيث بدأنا نلاحظ الأضرار الناجمة عن الملح في المواقع التاريخية منذ حوالي عقد من الزمان.

ولعل أحد أهم المناطق التي تعاني من أضرار كبيرة هي بابل المعترف بها من قبل اليونسكو، عاصمة الإمبراطورية البابلية، حيث يغطي لمعان ملحي الطابوق الطيني البالغ من العمر 2600 عام. ففي معبد عشتار، إلهة الحب والحرب السومرية، تنهار قاعدة الجدران، وفي أعماق الجدار السميك، يتراكم الملح حتى يتبلور، ويكسر الطابوق ويتسبب في تفكك الجدران.

أما المواقع الأخرى التي تأثرت فهي سامراء، عاصمة العصر الإسلامي بمئذنتها الحلزونية، التي تتآكل بسبب العواصف الرملية، وأم العكارب بمعبدها الأبيض وقصرها ومقبرتها التي تبتلعها الصحراء.

وفقد العراق هذا العام قطعة من تراثه الثقافي، فعلى حافة الصحراء، على بعد 150 كم جنوب بابل، يوجد سرير من الملح كان في يوم من الأيام بحيرة ساوه. كانت المياه التي تتغذى على الينابيع موطنا لما لا يقل عن 31 نوعا من الطيور.

وليس المناخ لوحده سببًا في تهديد آثار العراق حيث أسفرت الحروب التي تعرض لها العراق فضلًا عن الاقتتال الداخلي عن هشاشة الوضع الأمني الذي سمح بعمليات التهريب المكثفة للآثار.

وكان للاحتلال الأمريكي عام 2003 الدور الأكبر بنهب وسرقة الآثار العراقية، حيث تعرضت المواقع إلى عملية نهب ممنهجة طالت المتاحف والمواقع الأثرية، ومازالت المواقع ميدانًا لعمليات حفر غير شرعية تقوم بها مافيا الآثار بحماية ميليشيات مسلحة، مقابل عجز حكومي عن حماية المواقع الاثارية.

وفقد العراق أكثر من 15 ألف قطعة أثرية من متحف بغداد وحده، تعود إلى حضارات مختلفة بدءًا من السومرية قبل 4 آلاف عام ومرورًا بالبابلية والآشورية وصولًا إلى الحضارة الإسلامية.

وكان من بينها لوح أثري مصنوع من الطين مكتوب عليه باللغة المسمارية جزء من “ملحمة جلجامش” التي تُعد أحد أقدم الأعمال الأدبية للبشرية التي وافقت السلطات الأمريكية على إعادته إلى العراق.

وكان رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي مع وزير الثقافة حسن ناظم، قد وصفوا استعادة القطعة الأثرية النادرة، المعروفة باسم “رقيم حلم جلجامش” بالإنجاز بعد تهريبها إلى الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية.

ويرى مراقبون من حق حكومة الكاظمي أن تحتفل بما أسمته إنجازا، وهو في حقيقة الأمر صحيح بحدود معينة، لكن مقابل ذلك تدرك الحكومة أن مافيا تهريب الآثار موجودة أصلا وهي واحدة من أقوى لوبيات الفساد في العراق، كما كشفها قبل عام الصحافي الشجاع روبرت وورث في تقرير مفصل في صحيفة نيويورك تايمز.

ووفق الصحفي كرم نعمة لا تكتفي عملية تهريب الآثار بلصوصية البحث عن الأموال، بل متعلقة بهدف سياسي شرير لمحو هوية العراقيين وذاكرتهم الجماعية وتقديمهم مجرد شعب منقسم على نفسه يعلي من شأن الطوائف والقوميات ويحطّم ثروته الأثرية، أكثر من كونه ساهم في بناء الحضارة الإنسانية.

واعتبرت ندى الشبوط أستاذة التاريخ والفن في جامعة شمال تكساس احتفال حكومة الكاظمي باستعادة رقيم حلم جلجامش مجرد “انتصار صغير”!

وكتبت الشبوط في صحيفة واشنطن بوست “تم نسيان الكارثة الثقافية التي بدأت في العام 2003. وبعد ما يقرب من عقدين من المناشدات التي لم تجد صدى لها، من أجل العمل الدولي الجماعي لإعادة الآثار العراقية، يتم الاحتفال اليوم بانتصار صغير، لكن كما يبدو أن حجم الخسارة أكبر بكثير، والمتسبب بها لا يواجه أي عقاب، بينما يدفع الشعب العراقي الثمن”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى