أخبار الرافدين
د. مثنى حارث الضاري

فيض ذاكرة

خيارات إعادة بناء الدولة (1-3)

الحديث عن الخيارات المتاحة لإعادة بناء الدولة في العراق من وجهة نظر علماء المسلمين في العراق المحتل ينسحب بصورة طبيعية على خيارات (هيئة علماء المسلمين في العراق) كـ: (مؤسسة شرعية) و(حركة شعبية) ذات رأي سياسي في ما حصل في العراق بعد (9/4/2003م)؛ إذ تبنت الهيئة خيار العمل السياسي ضد الاحتلال بحكم خلو الساحة العراقية في المرحلة المبكرة من عمر الاحتلال في العراق من القوى السياسية المناهضة للاحتلال.
ومارست الهيئة خلال السنتين الأوليين من عمر الاحتلال أنواعًا عدة من النشاط المصاحب لمواقفها السياسية المعلنة ابتداءً من (18/7/2003م) في تجمع (أم القرى الأول) الذي كان معدًا لإعلان موقف الرفض الواضح والصريح لمؤسسة (مجلس الحكم) التي عدَّها بيان الهيئة الأول عاملًا على تقسيم الشعب طائفيًا وعرقيًا وسببًا في تأجيج الروح الطائفية التي تضر بالوحدة الوطنية. وغير خاف تأثير هذا العامل السلبي على بناء الدولة.

وقد وجه هذا الرفض الصريح الأضواء إلى الهيئة، التي وجدت نفسها في إطار عمل سياسي محموم على كل الصعد، قادها إلى أوساط الجامعة العربية في القاهرة، وبعض دول الجوار، والإقليم. وهكذا جرت عجلة العمل السياسي المناهضة للاحتلال وتوالت الخيارات الإستراتيجية والمرحلية للهيئة في إدارة صراعها السياسي مع المحتل والقوى المتعاونة معه.
وقد تبنت الهيئة خلال سنتي (2003-2004م) خيارات مرحلية عدة تلتقي جميعًا عند خيارها الاستراتيجي، وهو زوال الاحتلال بأسرع وقت ممكن من منطلق أن العامل الذي عمل على هدم بنيان الدولة في العراق هو الاحتلال، فإذا ما زال المانع عاد الممنوع. ويمكن تلخيص مراحل تكون هذه الخيارات والمواقف السياسية التي وقفتها الهيئة طوال هاتين السنتين في أربع مراحل رئيسة، هي:
المرحلة الأولى: الموقف من الانتخابات: وهي مرحلة سعى فيها الاحتلال حثيثًا إلى إقامة الانتخابات في العراق مطلع عام (2004م) ثم تراجع عنها؛ فقد أعلنت الهيئة في بيانها رقم (14) الصادر في شهر (شباط/2004م): “أنها لا تعول كثيرًا على الانتخابات ولا على غيرها من المشاريع المطروحة لنقل السلطة ما دام الاحتلال موجودًا، وما دام الشعب مسلوب الإرادة”. وركزت الهيئة في بيانها هذا على إيضاح مخاطر إجراء الانتخابات في ظل الظروف السياسية والأمنية المضطربة في تلك المرحلة الزمنية.
ولم تغفل الهيئة وهي تعلن ذلك أن تؤكد على أنها ليست ضد مبدأ الانتخابات “إذا توافرت لها الظروف والشروط الموضوعية لضمان نجاحها ونزاهتها وتمثيلها العادل لكل فئات الشعب ومكوناته. وقرنت الهيئة هذا الموقف بالتحرك السياسي على الساحة الداخلية بواسطة الحوار مع قوى دينية وسياسية عدة اتفقت معها على هذا الرأي. وشكَّل هذا الاتفاق فيما بعد أساسًا للتوافق على مشروع المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي الذي أعلن منتصف العام (2004م) بعد لقاءات ومشاورات واجتماعات منتظمة استمرت شهورًا عدة.
وعززت الهيئة موقفها هذا باستقبال الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في (12/2/2004م)، وتسليمه مذكرة متكاملة عن رأيها في موضوع الجدل الدائر عن إجراء الانتخابات حينها، مشفوعة بخطة بديلة لإنهاء المشاكل في العراق تقوم على أساس النقاط الآتية:
1- إنشاء حكومة عراقية مؤقتة من جهات لم تشارك في مجلس الحكم.
2- السماح لأعضاء مجلس الحكم المنحل بالعمل السياسي استعدادًا للانتخابات.
3- سحب الميليشيات المسلحة من سيطرة الأحزاب.
4- دعوة هذه الحكومة المؤقتة إلى السيطرة على الأمن الداخلي بالاستعانة بقوات دولية وأجهزة الشرطة الموجودة، وتطوير الأجهزة الأمنية بمعزل عن إشراف قوات الاحتلال.
5- تخفيض أعداد قوات الاحتلال وإبعادها إلى خارج نطاق المدن -في سياق خطة جدولة الانسحاب-.
6- مراقبة الحدود العراقية بواسطة قوات دولية؛ للحيلولة دون تسرب القادمين بصورة غير شرعية.
المرحلة الثانية: (المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي): وهي المرحلة التالية لإعلان تأسيس (المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي) في (8/5/2004م)، الذي شكل فرصة مهمة للقوى الوطنية الرافضة للاحتلال لإعلان خياراتها الوطنية، في مقابل خيارات الاحتلال والقوى الداخلة في مؤسساته. وكان للهيئة أثر فاعل في صياغة هذه الخيارات التي عبر عنها ميثاق (التفاهم والعمل الوطني) الذي أقره المؤتمر وتضمن أربعة عشر ثابتًا وطنيًا؛ يتعلق عدد منها بموضوع إعادة بناء الدولة العراقية، وهي:
أ- الالتزام المطلق بوحدة العرق أرضًا وشعبًا وسيادة، ورفض أي محاولات لتقسيمه على أساس عرقي أو مذهبي.
ب- رفض القوانين الصادرة في ظل الاحتلال، وعدم جواز التصرف بموارد العراق الطبيعية والمادية والبشرية إلا من خلال سلطة وطنية منتخبة.
ج- تأكيد روح الولاء للوطن وتعزيزها، وتحريم الولاء لغيره أيًا كان.
د- العمل على إعادة دور القوات المسلحة الوطنية وحل الميليشيات القائمة.
ه- العمل على إقامة دولة القانون الذي يسمو على الجميع، والتي تأخذ على عاتقها مهمات البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى