أخبار الرافدين
د. مثنى حارث الضاري

فيض ذاكرة

مشروع هيئة علماء المسلمين لتوحيد رؤى فصائل المقاومة وتحرير العراق "2-2"

انتهينا في الجزء الأول من هذا المقال عند تنبيه “الهيئة” في رسالتها للمجاهدين في العراق بتأريخ “5/أيلول/2007م”؛ على خطورة قضية التفاوض مع المحتل والمخاوف المحيطة بها.
وقد عززت الرسالة هذا التنبيه ببيان بعض الأمور الكفيلة بتفادي الانجرار إلى مكائد العدو في هذا الشأن، وتحصين الجبهة الداخلية، والاستعداد الأمثل لمتطلبات المرحلة القادمة، ومنها: “ضرورة العمل… على تشكيل رؤية متفقة في تحديد معالم المستقبل للعراق، وأن يعلم كل فصيل أنه لوحده لن يكون قادرًا على رسم هذا المستقبل، والانفراد بصياغته على أرض الواقع، فالوضع في بلدنا معقد للغاية، ويحتاج الخروج من مأزقه إلى جهود كبيرة، وهذا لن يتأتى إلا بتوحيد القوى، وتركيز العمل، ومن ظن أنه لوحده يستطيع أن ينجز هذا العمل فهو واهم للغاية”.
ثم صارحت فصائل المقاومة بذكر العقبات المتوقعة للوصول إلى أهدافها، ومتطلبات هذا الوصول ومستلزماته، قائلةً: إنَّ بينكم وبين الوصول إلى ذلك الهدف عقبات؛ فأنتم بحاجة أولًا: إلى أن تتفقوا على برنامج سياسي موحد، ترسمون من خلاله مستقبل هذا البلد الذي وثق أهله بكم، وعقدوا من أجل الخلاص من المأزق الذي هم فيه آمالًا عليكم، ونؤكد على ضرورة الاتفاق لأنه أول الطريق إلى النجاح… إن لديكم برامج واضحة، ولكن هناك خلافًا في الرؤية حول ما ينبغي أن يكون عليه مستقبل العراق…”.
وشرعت الرسالة بعد ذلك في عرض ما فعلته الهيئة في هذا السبيل؛ إحساسًا منها بأهميته واستعدادًا له، فقالت: “وجهنا نداءً عاجلًا إلى أبناء الجهاد إلى أن يفكروا بهذا الأمر مليًا، وأن يستعدوا للحظة يكونون فيها على خط المواجهة مع شعبنا في تحمل المسؤولية، كما طلبنا منهم الحوار المبكر فيما بينهم، وإبداء المرونة بهذا الصدد؛ لأنَّ الاتفاق بين جماعات تمتلك رؤى متباينة يتطلب إبداء تنازلات من جميع الأطراف، نزولًا عند ما يمليه فقه الواقع ومعطياته، وتحقيقًا للمصلحة العامة، التي أوجب الشرع مراعاتها”.
وعند هذه النقطة؛ وجدت الهيئة نفسها مضطرة إلى التذكير بهوية مشروع المقاومة ومشروعيته، ومصارحة المقاومين بحقائق مهمة للغاية، منها:
1- “إنكم لستم وحدكم من يمثِّل الشعب العراقي، وأصحاب المشروع الجهادي فيه، مع الإقرار بأنكم قلبه النابض، وفي مقدمته، وأصحاب ركنه الأعظم؛ لأنَّ العمل المقاوم لا يتوقف نجاحه على وجود ثلة مباركة تحمل السلاح ضد العدو فحسب؛ بل تقف وراء ذلك مجموعة من العوامل، تساهم مجتمعة في إنجاح مثل هذا المشروع العظيم”.
وتابعت الرسالة بذكر هذه العوامل ممثلة في الجهات، التي كانت شريكة لفصائل المقاومة في فعلها الجهادي، وهي:
– البيئة الحاضنة للعمل الجهادي المقاوم، التي من دونها يغدو العمل مستحيلًا… فكل من سمح لكم بالحركة والتنقل، وممارسة العمل الجهادي المقاوم على أرضه، أو في حيّه، أو ضمن حدائقه وبساتينه، أو في أي موطن يعود إليه تملكه، فهو شريك لكم في مشروع الجـهاد والمقاومة.
– الجهات الممولة لهذا العمل، التي تعد -بكل المقاييس- عصب الحياة له، فالمقاوِم المجاهد ما لم يُجهّز بجهاز المعركة من سلاح وذخيرة ووسائط نقل وغير ذلك لن يكون بمقدوره المضي قدمًا في جهاده… ومن ثم فإنَّ هذه الجهات هي الأخرى شريكة لكم.
– القوى السياسية وغير السياسية الرافضة للاحتلال، والمقاومة لمشاريعه في البلاد، التي نأت بنفسها أن تساهم في أية مرحلة من مراحل الاحتلال في إنجاح المشروع الأمريكي ولم تروّج له، والتي ارتفع لها صوت في التنديد بالمحتل وكشف أوراقه، ودعم فعالياتكم في الجهاد، بكلمة في فضائية، أو مذياع، أو مقال في صحيفة أو على مواقع الانترنت، أو خطاب في ملتقى شعبي أو دولـي… هؤلاء جميعًا بغضّ النظر عن انتماءاتهم أو دوافعهم… كانوا الصوت المعبّر عن جهادكم ومقاومتكم، ولا سيما في بداية المعركة يوم لم يكن لكم حينها صوت ظاهر”.
– أصحاب الوظائف والأعمال والكفاءات من السلك العسكري والمدني بكل صنوفهما، الذين رفضوا العمل في ظل الاحتلال، والذين يملكون من القدرة والكفاءة ما يمكنهم من العمل في مؤسسات “الدولة” التي أنشأها المحتل، ولكنهم لم يفعلوا، وآثروا البعد، وعدم تقديم أي دعم أو تأييد لمشاريع المحتل، وكان لمقاطعتهم الأثر الكبير في الحيلولة بين المحتل وبين تأسيس دولة تمكنه من البقاء”.
– عامة الشعب بكل طوائفه وأعراقه، من الذين لم يتواطئوا مع المحتل، ولا مع عملائه، وصبروا على الظروف الصعبة التي تمر بالبلاد، فمنهم من هاجر وترك طيب مسكنه، وفقد بسبب ذلك عمله أو تجارته، ورضي بالعيش غريبًا في غير بلاده، ومنهم من انكفأ في بيته، وأخذ يقتات على ما لديه من مخزون طعام، وينفق من بقية مال عنده، ومنهم من فقد ولده أو زوجه أو أباه أو أمه، ومنهم من فقد بيته، أو مصنعه، بسبب المعركة أو تداعياتها، وغير ذلك مما لا يمكن حصره.
هؤلاء الصابرون المحتسبون الذين لم يظهروا عداء لكم، ولم يتبرموا من جهادكم؛ بل كانوا يدعون لكم بالنصر والثبات، ويصبون جام غضبهم على المحتل وحكومته، هم شركاء لكم في العمل الجهادي المقاوم.
وختمت الرسالة نصيحتها في هذا الموضع، مبينة سعي الاحتلال إلى فك العلائق بين المقاومة وحاضنتها والجهات الداعمة لها متقدمة الذكر، بالقول: “لقد جهدت قوات الاحتلال من خلال آلتها الإعلامية الضخمة أن تعمل على تقزيم مقاومتكم، وتشويه صورتها، والإيحاء بأنها لا تعدو أن تكون فعاليات لشرذمة فقدت مكاسبها بسبب الاحتلال، وليس لديها هدف نبيل، ولكنها -بفضل الله- باءت بالفشل، ولقد كان لهؤلاء -الجهات الداعمة للمقاومة- من دون شك دور كبير في ذلك”.
2- “لا بد أن تضعوا في عين الاعتبار حال اختياركم أي مشروع سياسي خصوصيات المنطقة، والوضع الدولي القائم، وتصور ذلك على حقيقته وواقعه، ومراعاته على نحو لا يضر بالدين… إنَّ إفشال مشروع احتلال دولة عظمى، وإلحاق الهزيمة به لا يعني إمكانية تشييد دولة لم يبق من بناها التحتية شيء ذو بال، فحذار أن تتعاظم الثقة بالنفس لديكم إلى الحد الذي يجعلكم تستهينون بالواقع المر الذي نعيشه، وبالمقتضيات اللازم مراعاتها لإصلاحه”.
3- “المقاومة وحدها لا تستطيع أن تبني دولة، وهذا لا يقدح في كفاءتها، فهي جزء من كل، والدولة إنما تقوم بالكل. إنَّ مرافق الحياة كثيرة، وتوفير الأمن والأمان والعدل والرخاء للمجتمع يفتقر إلى جيوش من الكفاءات، وأصحاب الخبرات في شتى الميادين. وليس كل من حمل السلاح يصلح لإدارة دولة”.
4- “لا يستطيع أي قادم على سدة الحكم في هذا البلد أن يتجاهل المحيط من حوله، أو الوضع الدولي القائم في عصره، إنه من جهة سيكون بأمسّ الحاجة إلى تعاون ودعم من محيطه، لضمان توفير فرص النجاح، وبالتالي ليس من الحكمة تجاهل هذا المحيط، على الرغم من وهنه، وكثرة الملاحظات عليه؛ لأنه -شئنا أم أبينا- عالمنا، ونحن جزء منه، ومن جهة أخرى فإنَّ الوضع الدولي القائم، ما لم يتم التعامل معه بطريقة مناسبة، فسيكون هو الآخر عقبة كأداء في طريقه، تحول كذلك بينه وبين نجاح مشروعه”.
5- “أن تعملوا على كسب ثقة جميع المخلصين والشرفاء من كل أبناء الشعب على اختلاف طوائفهم، وأعراقهم، وأديانهم، وتمدوا الجسور معهم، لتضمنوا تفاعلهم معكم، ومشاركتهم لكم في بناء البلد، فالخبرات والكفاءات موزعة فيهم، ولا سيما كفاءات السلك العسكري وقوى الأمن الأخرى، الذين لم يتورطوا في جرائم وخيانات بحق بلادهم، فهؤلاء رصيد لا غنى لكم عنهم، وجهودكم من دونهم في البناء الأمني على مستوى الدفاع الداخلي والخارجي لن ترقى -مع كثرة التحديات- إلى مستوى النجاح المطلوب”.
6- ضعوا في أولوياتكم بعد إعلاء كلمة الله، هدف إسعاد هذا الشعب، وتوفير العيش الرغيد له، وجعله في مقدمة الشعوب تطورًا وازدهارًا، وتعويضه عن سنيّ الأذى والظلم والحرمان التي طالته عقودًا، وبلغت ذروتها في زمن الاحتلال، وتجنبوا في الميدان أن يتعرض أبناؤه لأذى المحتل وعملائه، أو لأذى غير مقصود منكم، تسببه تقديرات خاطئة من قبلكم في الميدان، وإننا نعد من يحجم عن عملية قتالية يحصد فيها عددًا من المحتلين مخافة أن يصيب فيها بريئًا واحدًا من أبناء هذا الشعب؛ لمن أرباب الجهاد الميمون، الذي يعقد الله سبحانه بناصيته الخير، ويجري على يديه النصر، فابذلوا في هذه السبيل ما استطعتم من جهد، ولا تسمحوا للسآمة أن تتسلل إلى نفوسكم؛ لأنَّ فقدان كل واحد منهم خسارة كبرى، لا نريد أن يكون أحد منكم طرفًا فيها، حتى وإن لم يكن يقصد ذلك…”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى