أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

موقع “ذا انترسبت” يكشف اختطاف ميليشيا العصائب لمهندسة عراقية بعد رفضها ابتزاز المالكي

كبار المسؤولين الأكراد يلجؤون للسفارة الإيرانية ويتوسلون بسليماني من أجل إطلاق سراح سارة ميران.

لندن- الرافدين

كشف موقع “ذا انترسبت” الأمريكي تفاصيل مثيرة عن اللادولة في العراق وسطوة ميليشيا عصائب أهل الحق والإدارة الإيرانية لعمليات الاختطاف، عبر سرد قصة المهندسة سارة ميران التي اختطفت أثناء أدارتها لمشروع سكني في محافظة البصرة.

وعرّى التحقيق الذي كتبه الصحفي جيمس رايزن، كبير مراسلي الأمن القومي في “ذا انترسبت” والمراسل السابق لصحيفة نيويورك تايمز، تذلل كبار المسؤولين في العراق لعناصر الميليشيات من أجل إطلاق سراح ميران، بمن فيهم الرئيس السابق فؤاد معصوم وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني وهيو إبراهيم زوجة الرئيس الأسبق جلال الطالباني.

كما كشف التحقيق المطول التخادم بين قادة الميليشيات ورئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي ودور قائمته الانتخابية في عملية الاختطاف، بعد فشل محاولة ابتزاز سارة ميران لدفع مبالغ تصل الى أربعة ملايين دولار لدعم حملة قائمة المالكي الانتخابية.

وأعتبر رايزن الذي سبق وان وقف بصلابة بوجه ضغوط إدارتي الرئيسين السابقين جورج بوش وباراك أوباما لكشف مصادره السرية في التحقيقات التي نشرها، أن قصة ميران هي صورة لعمليات الاختطاف، وهو خطر لا يلقى التحذير الكافي في البلدان غير المستقرة مثل العراق، حيث يتعرض آلاف العراقيين والأجانب الذين يعيشون ويعملون في البلاد إلى الاختطاف منذ الغزو الأمريكي في عام 2003، واختفى العديد منهم دون أي أثر حتى بعد دفع الفدية.

وذكر الصحفي الأميركي ومؤلف كتب “غضب الملائكة: حرب الإجهاض الأمريكية”. “العدو الرئيسي: القصة الداخلية للمواجهة الأخيرة لوكالة المخابرات المركزية مع المخابرات السوفيتية”.  “حالة الحرب: التاريخ السري لوكالة المخابرات المركزية وإدارة بوش” و”ادفع أي ثمن: الجشع والقوة والحرب التي لا نهاية لها” أن معظم عمليات الخطف في العراق تقوم بها الميليشيات والعصابات الإجرامية مقابل المال، لكن اختطاف سارة ميران كان واحدا من الحالات غير العادية التي كان لها اعتبارات سياسية ومالية.

وتعد ميران واحدة من عدد قليل من ضحايا الاختطاف البارزين في العراق الذين فروا وبقوا على قيد الحياة وكشفوا تفاصيل قصتهم مع الميليشيات المدعومة من إيران.

وتقدم قصة اختطاف سارة ميران الجانب المفقود من وثائق سرية إيرانية مسربة سبق أن نشرها موقع “ذا انترسبت” عام 2019، وتضمنت مئات البرقيات الاستخباراتية الإيرانية، التي توضح بالتفصيل كيف وقع العراق تحت سطوة إيران.

وتشير إحدى الوثائق، إلى اجتماع عقد عام 2014 بين مسؤول عراقي والقنصل الإيراني في مدينة البصرة، حيث “كان موضوع الاجتماع اختطاف سارة”.

وجاء في البرقية، التي كتبها ضابط استخبارات إيراني وأرسلت إلى مقر المخابرات الإيرانية في طهران، أنّ “المسؤول العراقي طلب من الإيراني أنّ ينقل رسالة من مسؤولين في كردستان، المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق، إلى قاسم سليماني زعيم فيلق القدس الإيراني، ذراع الاستخبارات والعمليات الخاصة السرية للحرس الثوري الذي هيمن على العراق، لإطلاق سراح المهندسة الكردية سارة ميران التي اختطفت في مدينة البصرة من أمام مبنى المحافظة.

وبعد الاجتماع، جمع القنصل الإيراني ضباط المخابرات الذين عملوا في قنصليته. وأراد أن يعرف منهم ما الذي كان يحدث حقًا. لماذا اهتم الأكراد كثيرا بهذه المرأة التي تدعى سارة؟ لماذا أرادوا إيصال رسالة إلى سليماني عنها؟ قبل كل شيء، أراد أن يعرف الإجابة على هذا السؤال البسيط: ماذا نعرف عن سارة؟ في أشاره الى أن السفارة الإيرانية مكلفة بجمع تفاصيل دقيقة عن الشخصيات العراقية من السياسيين وعامة الناس.

ولم تتضمن برقية الاستخبارات الإجابات. لم تتضمن حتى اسم سارة الأخير، أو جنسيتها. وهكذا بقي لغز سارة قائمًا لفترة طويلة من نشر الوثائق السرية المسربة، حتى ساعدت القرائن في الوصول إليها واكتشاف قصتها عبر مقابلات مكثفة معها ومع أفراد عائلتها، إلى جانب شركاء الأعمال والمسؤولين الحكوميين وغيرهم من المطلعين على القضية.

واغتنمت هيرو إبراهيم الطالباني، زوجة جلال الطالباني، الفرصة في حفل استقبال في بغداد لإخبار سليماني حول عملية الاختطاف. وفي وقت لاحق، أخبرت هيرو الطالباني سارة ميران أنّها وبخت سليماني بقولها “لقد اختطفتها ميليشياتك، أعيدوها”، فيما أصر سليماني بالقول “إنّها ليست عندنا”.

وفي الوقت نفسه، كتب مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان آنذاك، رسالة إلى محافظ البصرة، طالبا منه العمل على إطلاق سراح ميران.

ولجأ محافظ البصرة إلى المستشار الأمني في القنصلية الإيرانية من أجل إطلاق سراح سارة. وهذا الاجتماع مذكور في برقية الاستخبارات الإيرانية التي تم تسريبها عام 2019.

ونجت سارة ميران في البقاء على قيد الحياة بعد هروبها من غرفة احتجازها في أحد أحياء مدينة بغداد التي نقلت إليها من محافظة البصرة، حيث أنتهى أمر اختطافها بـ “معركة ليلية في شوارع بغداد بين الميليشيا المدججة بالسلاح المدعومة من إيران التي اختطفتها، والشرطة الحكومية وقوة الحرس الرئاسي التي كانت مكلفة بحماية الرئيس فؤاد معصوم، التي تسعى لإنقاذها”.

ووصف الموقع المعركة آنذاك بقتال بالأسلحة النارية، يستحضر فيلم أكشن، شارك فيه مئات المقاتلين من طرفي نقيض من الانقسام الطائفي في العراق، وجميعهم يتقاتلون على مهندسة عراقية تدير مشاريع عقارية في البصرة.

وتولت ميران في عام 2013، وشريكها بناء مشروع سكني ضخم يضم أكثر من 2500 وحدة من الشقق والمنازل في البصرة، وحصلت على قرض كبير من بنك عراقي لتمويل المشروع. سرعان ما انتشرت الأخبار التي تفيد بأن ميران حصلت على تمويل لمشروعها.

وتقول ميران، إنّها تعرضت في نيسان 2014 لضغوط لسحب مليوني دولار من قرضها المصرفي لتمويل الحملة الانتخابية لحزب رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي، حيث كان من المقرر إجراء انتخابات برلمانية في وقت لاحق من ذلك الشهر، وكان المالكي وحزبه يتدافعون للتمسك بالسلطة.

وبعد أن رفضت ميران، قالت إنها تلقت سلسلة من المكالمات الهاتفية التهديدية. في الأولى، قيل لها إنها إذا استمرت في رفض الدفع، فإنها ستقع في “مشكلة كبيرة”. قالت لا. وفي الثانية، قيل لها إن مديرين تنفيذيين آخرين قد دفعوا، وينبغي لها أن تدفع أيضًا. قالت مرة أخرى لا. وفي مكالمة أخرى، قيل لها إنّها إذا لم تدفع، فسوف تتأذى. قالت ببساطة، “سأعمل على حل هذه المشكلة عندما يتعلق الأمر بعتبة بابي”، وضاعفت الإجراءات الأمنية في موقع البناء الخاص بها.

واختطفت بعدها سارة من أمام مبنى محافظة البصرة عندما كانت تقوم بزيارة عمل واحتجزت أكثر من أربعين يوما رهينة لدى ميليشيا عصائب أهل الحق، وسجنت في غرفة مغلقة في الطابق الثالث من منزل في أحد أحياء بغداد. حيث عمل عناصر الميليشيا مع إفلات شبه كامل من العقاب في عراق استحوذت عليه الميليشيات الطائفية بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003.

وكانت ميران متأكدة من أن الميليشيا ستقتلها. وأجبرها خاطفوها على ارتداء زي السجن، مثل الملابس التي جعل تنظيم داعش رهائنه يرتدونها قبل إعدامهم مباشرة. وجلدوها لمدة خمسة أيام متتالية بكابلات معدنية، في محاولة لانتزاع اعتراف يثبت بأنها جاسوسة لوكالة المخابرات المركزية الامريكية. ولم يظهر حراسها وجوههم أبدا، وعندما سألتهم عن السبب، قال أحداهم إنهم سيكشفون عن أنفسهم عندما يريدون إطلاق سراحها.

وخلصت القصة المطولة لسيرة اختطاف سارة ميران من قبل ميليشيا العصائب، على تلاشي سلطة الدولة أمام أحزاب إيران في العراق وميليشيتها وعمليات الابتزاز من قبل كبار المسؤولين الذي يتصرفون بشكل علني كلصوص دولة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى