أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

تهديدات الميليشيات وضعف الحكومة تقوضان حرية الصحافة في العراق

السياسة المتبعة لدى حكومات ما بعد 2003 تجاه الصحفيين تهدف إلى تكميم الأفواه وتقييد حرية التعبير في العراق.

بغداد- الرافدين

لا يحتفل صحفيو العراق باليوم العالمي لحرية الصحافة، بل يحصون خسائر الصوت الحق ويسترجعون ذكريات المغدورين والمغيبين في سجون الحكومة وميليشياتها.

ويحتفل العالم في الثالث من آيار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو اليوم الذي حددته منظمة الأمم المتحدة “اليونسكو”، للتأكيد على ضرورة احترام حرية الصحافة والصحفيين.

وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1993 موافقتها على اعتبار الثالث من آيار اليوم العالمي لحرية الصحافة، على توصية اليونسكو سنة 1991.

وينص الإعلان على أنه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرة ومستقلة وقائمة على التعددية، وهذا شرط مسبق لضمان أمن الصحفيين أثناء تأدية عملهم، ولكفالة التحقيق في الانتهاكات التي تمس حرية الصحافة.

وتعد حرية الصحافة مقياسًا لمدى الحرية التي يتمتع بها الشعوب في بلدانهم، لأن الصحافي هو همزة الوصل بين صناع القرار والشعب، فقمع الحريات الصحافية ومنع النشر يدلل على القمع الذي يعيشه شعب أي بلد أو منطقة.

وسُجلت المئات من حالات قتل الصحفيين والإعلاميين وملاحقتهم واعتقالهم وحتى تغييبهم في العراق، وكذلك مداهمة مقرات وسائل إعلام وإغلاق بعضها لأسباب تتعلق بنوع تغطياتها وخطها التحريري منذ 2003.

وأصيب الإعلام العراقي بالوهن والارتخاء في لجة دورة القتل والترهيب المتواصلة، وكان من الصعوبة أن يجازف أي صحافي بحياته من أجل الحقيقة، ذلك ما مر به الصحافيون العراقيون أسوة ببقية العراقيين أثناء سنوات القتل على الهوية وسطوة الميليشيات الطائفية.

ومع أن الصحفيين العراقيين يعدون جزء من واقع مرير، لكن لا يقبل منهم أن يصابوا بالعجز عن ربط المجتمع بديمقراطية حرة من الأفكار والمعلومات، وليس كما يحدث اليوم بقبولهم دور الهامش للطبقة السياسية المريضة وسطوة الأحزاب والميليشيات.

ويرى الصحفي كرم نعمة أن ثمة كذبة كبيرة بهيئة مزحة اسمها “حرية الإعلام” بصفتها بندًا مضمونًا في تقاليد الدولة وجزءًا من ديمقراطيتها.

فإذا كانت الصحافة بالعالم تعيش زمنًا ليس عادلًا بحقها فإنها في العراق تتحول إلى مجرد اسم بمضمون هش.

وكتب نعمة المهتم بشؤون وسائل الاعلام، “يصعب أن نجد مفهوم دولة في العراق كي نتحدث بعدها عن صحافة وفق حكمة الرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأمريكي وفضلوا دولة بلا حكومة على دولة بلا صحافة، فحتى الذين يدافعون عن فكرة الدولة بشكل رسمي أمام وسائل الإعلام والضيوف الزائرين للعراق، يعجزون عن إيجاد مسوغ واحد أمام أنفسهم يجعلهم يصدقون وجود دولة منذ احتلال العراق عام 2003.

ويبدو أن هذا العجز سيبقى متصاعدًا ومستمرًا، في ظل فقدان العراقيين الثقة بمفهوم الدولة بمجرد انهيار القضاء وتحوله إلى مصدر لإصدار البيانات المعبرة عما تريده الحكومة ولا تزعج بها رجال الدين المحسوبين على الأحزاب الفاسدة، لكن قوة المجتمع تكمن في الثقة الكامنة في إعلام معب عنه، وبمجرد أن يفقد الثقة بهذا الإعلام، يقع المجتمع العراقي في المتاهة أكثر مما هو تائه اليوم.

وتؤكد العديد من المنظمات الصحفية والحقوقية أن العراق يعد من أكثر بلدان العالم خطورة بالنسبة للصحفيين حيث تم اختطاف عدد كبير منهم، وقتل الكثير منهم واعتقال آخرون.

وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، إن حرية الصحافة في العراق أدنى بكثير مما يجب أن تكون عليه في بلد رفع شعار الديموقراطية منذ نحو 20 عامًا، ويكفل دستوره حق التعبير عن الرأي ويلزم السلطات بحمايته.

ويعاني الصحفيون والمؤسسات الإعلامية في العراق من انتهاكات مستمرة، فيما يظهر مؤشر حرية الصحافة العالمي أن العراق يقبع بالمركز 163 عالميًا في حرية الصحافة.

وقال الصحفي العراقي زياد السنجري في مداخلته لقناة الرافدين: “إن جزءًا كبيرًا من وسائل الإعلام قد غادرت العراق خشية التصفية والملاحقة من قبل الحكومة وميليشياتها.

ويرى مراقبون أن محاولات تقييد حقوق الإنسان في حرية الرأي والتعبير وانتقاد السلبيات، في أعقاب إجراءات قانونية تم اتخاذها ضد إعلاميين ووسائل إعلام، تهدف إلى تكميم أفواه كل من يحاول تشخيص مظاهر الفساد والفاسدين وانتقاد الحكومة.

الاستهداف مصير كل من يحاول تشخيص مظاهر الفساد والفاسدين

وقالت نقابة الفنانين العراقيين إن “الاستهداف الممنهج لكل رأي يشير إلى فساد أو فوضى، يصنع من العراق بيئة مسمومة للفنان والصحافي، خصوصًا وأنهم يتحدثون عن ظواهر يعرفها أي مواطن اعتيادي في الشارع”.

ودعت “جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق” الصحافيين وأصحاب الرأي كافة، إلى المشاركة في الحملة الإعلامية، الساعية إلى معالجة المواد القانونية البالية، وإعادة إنشاء محكمة النشر والإعلام، بالنظر إلى حساسية القضايا المرفوعة ضد أصحاب الرأي، والتوصيات الدولية للعراق، التي تضمنت إنشاء محكمة الإعلام والنشر.

والتي ألغاها مجلس القضاء الأعلى في نيسان عام 2017 بحجة عدم وجود قانون لها، دون إيجاد قانون يحمي حرية العمل الصحافي وإنهاء الانتهاكات ضد الصحفيين.

وذكر تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود، أن العراق يحتل المرتبة 163 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمية لعام 2021.

وحذر التقرير أن تعرض الصحفيين في العراق للخطر أثناء تغطيتهم للتظاهرات والكشف عن ملفات الفساد، حيث يتعرض الصحفيين لخطر المضايقة أو الاختطاف أو الاغتيال على يد الميليشيات المتنفذة.

وأضاف التقرير أن انعدام المسائلة في اضطهاد الصحفيين مشيرة إلى أن هذه الجرائم تمر بلا عقاب بسبب عدم وجود تحقيقات وعدم جدواها أساسًا.

وازدادت حدة الضغوطات على العاملين في مجال الصحافة منذ اندلاع ثورة تشرين، حيث يواجه الصحفيون الذين ينقلون التظاهرات خطر التعرض للمضايقات والاختطاف والاعتداء من قبل الميليشيات والقوات الحكومية.

ومقابل الصحافة الحرة هناك صحافة أشبه ما توصف ببوق يردد ما يردده المستبدون، تلك هي أصوات الأحزاب والميليشيات التي تعمل على طمس الحقيقة وتزيين مسرح الجريمة وقلب الوقائع، الأمر الذي يجعل العراق من أكثر البلدان حاجة إلى العين الراصدة والقلم المدون الحر، لكثرة ما فيه من أحداث تتزاحم على مسرح صورته الأحزاب النافذة بأسلاك شائكة لتمنع شهود الحق من الاقتراب منه، ورغم ذلك يستمر الصحافيون الأحرار برصد الحقائق، متحدين المصاعب والمخاطر التي تحيطهم خلال عملهم اليومي.

وذكر تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، بأن الحكومة تستخدم قوانين فضفاضة لقمع حرية التعبير، وتعقيبًا على التقرير، قال رئيس تحرير صحيفة وجات نظر مصطفى كامل في مداخلة لقناة الرافدين، إنه “لا توجد حرية للصحافة ولا حرية تعبير في العراق في ظل القيود المفروضة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تهدف إلى تقييد حرية التعبير لدى الناشطين.

ويرى مراقبون أن السياسة التي تتبعها الحكومة في تعاملها مع الصحفيين تمثل تكميمًا للأفواه، مؤكدين أن غياب التشريعات والقوانين التي تحفظ حياة الصحفي وتمنع تعرضه للعنف من قبل القوات الحكومية أو الميليشيات زاد من حجم مشكلة استهداف الصحفيين، وباتت السلطة الرابعة تناشد حريتها المسلوبة بأدوات حكومية وأخرى ميليشياوية.

ويبدو واضحًا أن تصاعد القمع والتجاوزات على حقوق الإنسان وخاصة حرية الرأي والتعبير في العراق وبشكل ممنهج، يدل على وجود إرادة سياسية لدى القوى المتنفذة، لاستخدام كل الوسائل والأدوات، لإسكات الأصوات الحرة المعارضة للطبقة السياسية الفاسدة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى