أخبار الرافدين
كرم نعمة

الحرية للذئاب تعني موت الأغنام

ماذا يحدث عندما تمثل المشكلة نفسها الحل. ذلك ما يجسده الزواج التجاري لعصر الأثرياء، فإيلون ماسك يجسد بامتياز المشكلة، لكنه بالاستحواذ على تويتر مثّل الحل بوصفه بائعا متجولا ذا كفاءة عالية في تمرير الادعاءات المشبوهة.
وماذا يحدث عندما يمتلك من يتسبب بالمشكلة، الحق في تقرير ماهيتها وكيفية إصلاحها؟
لا نختلف بأن تويتر منصة تعاني من مشكلة المعلومات المضللة، ولا تكتفي بكونها منصة ممتازة لقراءة الأخبار والعثور على الآراء، لكنها تظهر أيضا للمستخدمين خليطا من المعلومات التي يمكن أن تكون مرهقة. نقطة الخلاف هي الوسطية. يعتقد بعض المستخدمين أنها مفرطة في التقييد. يقول آخرون إنها متساهلة للغاية. كلا الجانبين يدعي أن هذا يدمر تويتر!

لكن ماذا عن أثرى أثرياء العالم، الجنوب أفريقي الذي أصبح مواطنا أميركيا فقط في عام 2002؟
عادة ما تملي سياسات الأثرياء ما يشعرون به لكن لا أحد على يقين من الفلسفة التي سيعتمدها الملياردير الغامض. المحافظون رحبوا بشراء ماسك لتويتر على أنه انتصار لحرية التعبير. والليبراليون شعروا بالقلق من أن المعلومات المضللة ستنتشر على نطاق واسع إذا اتبع ماسك خطته لتفكيك مراقبة المنصة.
فالمحلل التكنولوجي روب إندرلي يرى أن ماسك يتصرف بتهوّر، معتبرا أنّ تركيبته التي تجمع بين التحكم المحدود بالانفعالات والثراء الفاحش ليست مناسبة لتويتر، فيما يصفه روجر كاي من شركة “إندبوينت تكنولوجيز” بالاستبدادي، ونظرته التحررية فيها شيء من سياسات اليمين المتطرف.
يعتقد ماسك أن امتلاك أكثر من 250 مليار دولار، يمنحه الحق في الإفصاح عن رغبته في حل مشاكل الأرض والفضاء، وفق ما يريد. بعدها لا يمكن الاستغراب من قيام مشعلو الحرائق بتمثيل دور رجال الإطفاء، والحرية التي يريدها ماسك لتويتر، غالبا ما تعني حرية الذئاب موت الأغنام بالنتيجة!
تلك الصفقة السريالية التي تشغل العالم منذ أسابيع تعني أن حرية التعبير ستكون وفق مزاج الثراء وليس وفق التعريف التاريخي للحرية التي هي أشبه بكائن حي ينمو ويتطور وقد يموت، وفي العصر الرقمي صارت الحرية لا تكتفي بكونها أداة لتواصل العالم، بل تطمح لحكم العالم.
ويتجاهل هذا التصوير الذاتي لحرية تويتر مدى التزام ماسك المهتز بمفهومه الخاص لحرية التعبير. ذلك ما يجعل صفقة شراء تويتر خطيرة للغاية عند معرفة أولويات المالك الجديد. بل إن بيل غيتس قدّم في توقعه أن يصبح تويتر أسوأ في عهدة ماسك، على أن يكون أفضل أيضا.
لقد قام الأثرياء بإدارة منحى اقتصاد العالم صوب جيوبهم، وتمثل ذلك بامتياز في اقتصاد كورونا وما ينتظرنا من اقتصاد ما بعد كورونا، لقد استولوا على الأرباح وأعادوا استثمارها في شراء المزيد من النفوذ السياسي، بحيث يمكن أن يساعد عدم المساواة السياسية في الحفاظ على اللاعدالة الاقتصادية.
يمكنك شراء وسائل الإعلام أو منصات الوسائط الاجتماعية، وبالتالي يمكن أن تتلاعب بصناعة الخطاب لصالحك، والتحكم في الأدوات التي يستخدمها الأشخاص العاديون للرد.
سبق وأن صنف ماسك نفسه بالمثقف العام وصانع الفكر والرؤية، وبالتالي أصبح في أذهان كثير من الناس حكيما، وليس مقاتلا شرسا من أجل الأرباح بأي وسيلة!
لا يمكن للعالم أن يكون على هذا النحو وهو يصارع لتعريف نفسه من داخل العالم الرقمي. يمكننا الحصول على أشياء جميلة في تويتر، لكن علينا أن نتعلم كيف نرى من خلال قصص الاحتيال التي ترفع شخصيات مثل ماسك إلى أبطال.

 

 

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى