أخبار الرافدين
كرم نعمة

القصة لا تبدأ من أبو فدك

لا يمكن أن تبدأ القصة من تصريح رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي، “أبو فدك” عن ترقب قرار المرشد الإيراني؛ علي خامنئي، للرد على القصف الإسرائيلي الذي استهدف المكتب القنصلي لسفارة طهران في دمشق.
صحيح أنها الثيمة التي يمكن أن تبنى عليها القصة، لكنها ليست القصة نفسها.
كما لا يمكن أن نبدأ القصة من الذرائعية الهزيلة التي قدمها حسين علاوي المستشار السياسي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بأن فصائل الحشد تأخذ قرارها من القائد العام للقوات المسلحة السوداني وليس من المرشد الإيراني!، فتلك الذرائعية جزء من حثالة الخطاب المزيف ببلاهة سياسية.
أيضًا، لا تبدأ هذه القصة من فراغ الضمير السياسي الذي أظهرته جينين هينيس بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، عندما قابلت سؤال المحاورة التلفزيونية عن مشاعرها حيال تسميتها “أم فدك” من قبل العراقيين، بضحكة طويلة تعبر عن العمق الزائف حد السخف في الإجابة.
القصة أطول بكثير من ذلك، بيد أن زيارة السوداني إلى إيران في نهاية عام 2022 وبعد أسابيع من تعيينه رئيسًا لحكومة الإطار التنسيقي، قد تبدو التاريخ الموضوعي القريب لتفسير كلام رئيس هيئة أركان الحشد الشعبي المترقب لقرار خامنئي كي يرد على إسرائيل!
هذا المنصب يحمل الكثير من التهويل عندما يرتبط بـ “أبو فدك” فرئيس الأركان، منصب رفيع وسام في تاريخ الجيش العراقي، لكنه يتعرض اليوم إلى الابتذال المهين عندما تم استحداثه عام 2016 للإشراف على العمليات العسكرية من قبل الميليشيات الولائية، وبسببه يتمتع أبو فدك اليوم بصلاحيات تفوق رئيس الحشد الشعبي فالح الفياض!
جلس السوداني خانعًا متبركًا في حضرة خامنئي في تشرين الأول 2022، قال له “سيدنا” أنا هنا لأحظى ببركاتك أولًا وبحمايتك ثانيًا، ليس من أي جهة بمن فيهم الأمريكان، أكثر من “جماعتنا”. كان يعني في ذلك سطوة ميليشيات الحشد عليه.
وكعادته كرر خامنئي جملته الشهيرة على كل من يلتقي بهم من الاتباع من العراقيين “وحدة الطائفة فوق أي اعتبار وطني عراقي آخر، وأنت في حمايتنا من أجل استمرار حكم الطائفة للعراق”.
ترتب على ذلك اللقاء صفقة اقتصادية وسياسية ضخمة ومفتوحة ومستمرة وضعت فيه حكومة السوداني مفتاح الاقتصاد السياسي العراقي بيد إيران.
وبعد ذلك أي غرابة تكمن في كلام أبو فدك، عندما نتأمل طلب السوداني الحماية من خامنئي نفسه، غير أن أبو فدك كشف عن ذلك أمام العدسات وليس خلف الأبواب المغلقة.
تلك قصة مستمرة ومتصاعدة، يصفها توبي دودج الباحث في كلية لندن للاقتصاد، بأن الميليشيات الولائية هي من تصنع مستقبل العراق في ظل حكومة السوداني.
لنتأمل هنا، أن كلام أبو فدك عندما يتعلق بإسرائيل لا قيمة عسكرية له، ولا يستحق التعليق، لأنه مغرق بالهزل السياسي، فالعراق منذ عام 2003 لم يعد عدوًا لإسرائيل، صحيح أنه لم يصبح صديقًا بعد، لكنه بمثابة “العدو الودود” وفق تعبير الموساد.
مع ذلك ليس ثمة ما يمكن أن يتم ترقبه من خامنئي، وفق أمير طاهري الكاتب الإيراني الذي يقرأ عن كثب العمق الآسن في النظام الثيوقراطي في طهران.
فإيران ستتجرُّع الإهانة الإسرائيلية على مضض، والتفاخر بـ “الانتقام”، لكن دون انتقام على أرض الواقع.
يقول طاهري “لو أن قاسم سليماني كان حيًا اليوم، لَبذَلَ قصارى جهده لتجنب التورط في صدام مباشر مع إسرائيل أو القوات الأمريكية في المنطقة، بل ربما كان لينشئ قناة اتصال مع الإسرائيليين عبر مراسلاته مع الجنرال ديفيد بتريوس، الذي كان آنذاك القائد الأعلى لقوات الولايات المتحدة في المنطقة”.
هكذا في كل الذي يحصل في “مزرعة الحيوان السياسية” التي لم يكتبها جورج أورويل في العراق لا توجد أفكار عظيمة كي نبني عليها قصصنا السياسية، بل توجد أموال هائلة، وشعب جائع وتخلف مريع، وحثالة سياسية لا تمتلك القدرة على التفكير لمعرفة أضرار ما تتفوه به على نفسها، فأبو فدك ليس وحده عندما نستمع إلى الذرائعية الوضيعة لـ “الدكتور”!! حسين علاوي مستشار السوداني وهو يبرر كلام من يترقب موقف خامنئي.
أفضل من يفسر تلك القصة هو الكاتب الأمريكي مايكل نايتس أحد أهم القراء التحليليين للوضع في العراق وإيران ومؤسس منصة “الأضواء الكاشفة للميليشيات”، عندما يرى أن الواقع الحالي المخزي هو أن السوداني لم يتم تعيينه إلا بعد أن استولى القضاء المسيّس على انتخابات العراق للعام 2021 لصالح الإطار التنسيقي الذي تقوده عصابة من الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران. فتم تنصيب السوداني رئيس وزراء مصحوبًا بتعليمات لإدارة “حكومة المقاومة” فحسب بصفته “مديرًا عامًا” لها. ولتوفير الغطاء السياسي لها، خشية على منصبه لذلك طلب حماية خامنئي تمامًا مثلما يترقب أبو فدك تعليمات خامنئي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى