أخبار الرافدين
تقارير الرافديندولية

واشنطن تريد في الحرب بالوكالة أن ترى بوتين ينزف في أوكرانيا

المحلل الاستراتيجي هال براندز: عدوان بوتين غير المدروس وضع روسيا في وضع مكشوف ولن نتركها تفلت من المصيدة.

نيويورك – صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مؤخرا بأن الحرب في أوكرانيا ليست مجرد حرب بين موسكو وكييف، إنها “حرب بالوكالة” يستغل فيها حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أقوى تحالف عسكري في العالم، أوكرانيا كمنجنيق هدم ضد الدولة الروسية.
ويرى المحلل الاستراتيجي الأمريكي هال براندز أن لافروف أحد الأبواق الموثوق بها لدعاية الرئيس فلاديمير بوتين التي لا أساس لها من الصحة، ليس مخطئا بالنسبة لما يقوله. فروسيا هي أكبر هدف لأحد الحروب بالوكالة الأكثر فعالية بلا رحمة في التاريخ الحديث.
وكلما قل حديث المسؤولين الأمريكيين عنها كلما كان أفضل.
وقال براندز في مقال رأي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن الحروب بالوكالة أدوات قائمة منذ وقت طويل للتنافس بين الدول الكبرى، لأنها تتيح لطرف جعل الطرف الآخر ينزف دون تشابك مباشر بالأسلحة. ففي خلال الحرب الباردة، تسبب الاتحاد السوفيتي في أن تنزف الولايات المتحدة بواسطة دعم الشيوعيين العاملين بالوكالة في كوريا وفيتنام. وانتقمت الولايات المتحدة من ذلك في أفغانستان ونيكاراجوا خلال ثمانينيات القرن الماضي، بواسطة دعم المتمردين المناهضين للشيوعيين والذين قتلوا الجنود السوفييت أو زعزعوا استقرار حلفاء موسكو.
وقال ريتشارد بايز المسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي إن الولايات المتحدة “سوف تفعل للسوفييت ما كانوا يفعلونه لنا… فبتكلفة منخفضة
للغاية يمكن أن نجعل الأمور صعبة للغاية بالنسبة لهم”. وأساس هذه الاستراتيجية هو العثور على شريك محلي ملتزم- وكيل على استعداد للقيام
بأعمال القتل والموت- ثم دعمه بالأسلحة والمال والمعلومات الاستخباراتية المطلوبة لإلحاق ضربات موجعة بأي خصم محتمل.
ويقول براندز إن هذا تماما ما تفعله واشنطن وحلفاؤها لروسيا الآن.
فالقوات الأوكرانية ليس لها قيمة لو لم تكن ملتزمة؛ فهي على استعداد، في حالات كثيرة، للقتال حتى آخر جندي. وأثبتوا أنهم أكثر فعالية عما توقعت أجهزة المخابرات الأمريكية عندما بدأ الغزو. فعدوان بوتين غير المدروس خلف روسيا في وضع مكشوف بطريقة كبيرة، وليس لدى حكومة كييف ومن يدعمونها أي نية لتركها تفلت من المصيدة. واستخدمت أوكرانيا الطائرات المسيرة، والأسلحة المضادة للدبابات وغيرها من المعدات التي زودتها بها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لتدمير الوحدات الروسية.

ورغم أن الأرقام غير دقيقة، يبدو أن موسكو منيت بمقتل أكثر من 10 آلاف جندي وفقدت 3500 مركبة على الأقل في هذه الحرب. وقدمت الحكومات الغربية المال لمساعدة كييف على المضي قدما وقدمت لها المعلومات الاستخباراتية
التي استغلتها لإحباط الهجمات الروسية – وحتى تردد أنها استغلتها لاستهداف كبار العسكريين الروس.
ويقول براندز أن العائد بالنسبة للناتو هو الحاق الضرر ببعض أهم أجزاء الجيش الروسي- قواته البرية والميكانيكية، ووحداته المحمولة جوا، وقوات
العمليات الخاصة- بدرجة كبيرة للغاية لدرجة أن روسيا قد تحتاج سنوات للتعافي من هذه الخسائر. وهدف أمريكا هو “إضعاف” روسيا كما اعترف وزير الدفاع لويد أوستن؛ فالسبيل الوحيد للتعامل مع نظام مارق هو الحد من قدرته على الحاق أضرار. ولا يمكن توقع تحسن موقف روسيا. فهجومها في شرق أوكرانيا يتقدم ببطء. ومع استمرار الحرب تصبح أوكرانيا أفضل تسلحا،
بينما تستنفد روسيا مخزونها من الأسلحة بدرجة كبيرة للغاية، ووصل بها الأمر إلى إعادة الوحدات التي أصبحت ضعيفة بالفعل إلى القتال.
ويضيف براندز أن بوتين كان يأمل في تحطيم الدولة الأوكرانية؛ وربما سيحطم جيشه بدلا من ذلك. وسيكون ذلك انقلابا بالنسبة للعالم الديمقراطي، لكن تحقيق ذلك سوف يتطلب بعض الانضباط الخطابي. إن أحد أسباب معرفة
الناس الكثير للغاية عن الدعم الغربي لأوكرانيا هو قيام الحكومة الأمريكية بصورة مجنونة بتسريب معلومات حساسة عن الدور الذي قامت به المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها أمريكا في استهداف كبار العسكريين الروس وإغراق أكبر سفينة في اسطول البحر الأسود الروسي. وهذا لم يكن شيئا جيدا.

ويوضح براندز أن أسلوب خوض حرب بالوكالة هو الحفاظ على مؤامرة صمت. ومن المرجح أن الدولة المستهدفة سوف تمتنع عن الانتقام إذا استطاع الطرف الآخر التغلب على الرغبة في إعلان انتصاره. ففي خلال خمسينيات القرن الماضي على سبيل المثال، تكتمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على خبر قيام الطيارين السوفييت بمهام قتالية فوق كوريا الشمالية كوسيلة للإبقاء على هذه المواجهة المحدودة طي الكتمان وعلى نطاق ضيق.
وحتى الآن، اتسمت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالفاعلية في قهر روسيا. فقد ساعدوا أوكرانيا على قتل أعداد كبيرة من الجنود الروس- أكثر مما فقدته روسيا في مستنقعها الذي دام عشرة أعوام في أفغانستان- بينما يردعون في نفس الوقت بوتين عن مهاجمة الناتو أو الانتقام عسكريا ضد من يتسببون في إيذائه. وليس هناك ما يدعو لزعزعة استقرار هذا التوازن الهش بالاستهزاء برئيس زعم يوم الاثنين الماضي أن الناتو كان يخطط لهجوم
استباقي ضد روسيا وقارن بين ذلك وبين الحرب العالمية الثانية.
وفي ختام مقاله يقول براندز إنه بفضل مقاومة أوكرانيا الرائعة، استطاعت الولايات المتحدة وأصدقاؤها وضع بوتين في موقف صعب في حرب وحشية بالوكالة. والآن تحتاج واشنطن إلى التكتم بالنسبة لهذا الأمر.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى