أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

عدد ضحايا “الفوضى المرورية” يفوق ضحايا الانهيار الأمني والعنف والحرائق في العراق

الاستيراد العشوائي للسيارات وغياب التخطيط يساهمان بارتفاع معدلات الحوادث المرورية المميتة في الطرقات العراقية.

بغداد – الرافدين

 بينت إحصائيات دائرة الطب العدلي، المتعلقة بالوفيات المسجلة خلال الربع الأول من العام الحالي والتي تشكل حوادث السير قرابة 10 بالمئة منها، مدى الخطر الذي تشكله هذه الحوادث على سلامة العراقيين.

وأظهرت إحصائيات الدائرة أن شهر كانون الأول الماضي شهد تسجيل 635 حالة وفاة، فيما كانت حصة الوفيات الناجمة عن القضايا العدلية الواردة من الجهات التحقيقية في ما يخص حوادث المرور 69 حالة مقابل 70 حالة في شهر شباط الماضي.

وتشير إحصائيات مفوضية حقوق الإنسان إلى تسجيل 8286 حادثًا مروريًا في العراق أسفرت عن وفاة 2152 شخصًا خلال عام 2021 فقط.

وكانت وزارة التخطيط، قد أكدت تسجيل 43 ألف حادث مروري من بينها قرابة 12 ألف حالة وفاة للأعوام من (2016 – 2020).

الحوادث المرورية تودي بحياة 2152 شخصًا في العراق خلال عام 2021

وتحتل حوادث السير الصدارة في أسباب سقوط الضحايا بالعراق، متقدمة بذلك على ضحايا الانهيار الأمني والعنف، وكذلك حوادث الحرائق التي تسجل معدلات مرتفعة بالبلاد.

ووفقًا لمدير العلاقات والإعلام في مديرية المرور العامة، العميد زياد القيسي، فإن “ضحايا الحوادث المرورية أكثر من ضحايا العمليات الإرهابية في العراق”.

وقال القيسي إن “الحوادث المرورية تعود لعدة أسباب، منها عدم تمكن سائق المركبة من القيادة بشكل سليم، والسرعة المفرطة، وعدم متانة العجلة، إلى جانب اهتراء البنية التحتية للطرق”.

وأضاف أن “الكثير من الطرق، وخاصة السريعة، غير معبدة، وفيها مطبات وتخسفات وتحويلات كثيرة، وهذه أيضا من أسباب وقوع الحوادث، وهذا الأمر لا تتحمله مديرية المرور العامة، بل هو من اختصاص مجالس المحافظات وأمانة بغداد ودائرة الطرق والجسور”.

وبدت مشاهد حوادث الطرق وصور الضحايا والعجلات المدمرة مألوفة على مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى المتابعين إذ لا يكاد يمر يوم دون تداول العديد من تلك المقاطع.

المرور العامة تلقي باللوم على السائقين وتحملهم مسؤولية الحوادث المرورية

ولعل أحد أسباب زيادة حوادث السير، الطرقات غير المؤهلة والتي تحتاج غالبيتها إلى تأهيل وإصلاح التخسفات، التي تتركها سيارات الحمل الكبيرة المتحولة إلى شكل أخاديد يصعب للسيارات السير عليها.

كما يغيب عن غالبية الطرق العراقية التأثيث مثل الأسيجة الواقية والدلالات والإشارات، إلا باستثناءات محدودة، خصوصًا الطرق السريعة الخارجية الرابطة بين معظم المدن العراقية.

وبحسب وزارة الإعمار والإسكان، فإن العراق بحاجة إلى نحو 1500 كيلومتر من الطرق داخل المحافظات وخارجها، فيما أوضحت أن البلاد تحتل مرتبة متأخرة عالميًا في جودة الطرق.

وقال مدير عام دائرة الطرق والجسور في الوزارة حسين جاسم كاظم في تصريح تليفزيوني تابعته “الرافدين” “نحتاج إلى تأهيل أكثر من 1400 كم من الطرق”، مبينًا أن “الكيلومتر الواحد يكلف مليارًا ونصف المليار دينار”.

وأضاف أن “العراق في مرتبة متأخرة عالميًا بجودة الطرق”، مستدركًا القول “نحتاج إلى تعريض الطرق الحالية وتحسين مستوى الأمن فيها”.

الإهمال الحكومي يزهق أرواح المواطنين على “طرق الموت”

وما زال العراق يعتمد على البنى التحتية الخاصة بالجسور والطرق التي شيدت بين سنوات 1950 ولغاية 2000، من دون أن تقوم الحكومات التي أعقبت الاحتلال بإنشاء مشاريع لتوسعة تلك الطرق أو إدامتها بشكل يمنح العراقيين قدرًا كافيًا من الأمان.

وقال مدير المرور العام، اللواء طارق إسماعيل، إن “أعداد حوادث السير في تزايد مستمر وكأننا في حرب، وهنالك عدم التزام بالسرعات المحددة على الطرق”.

وأرجع إسماعيل الأمر أحيانًا إلى استخدام بعض سائقي المركبات، الهواتف النقالة خلال السياقة، وتعاطي بعضهم الآخر المخدرات والمشروبات الكحولية.

وبين المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، إن “تكرار الحوادث المرورية، يضعنا امام ضرورة تشخيص الأسباب وأولها ضعف التزام المواطنين بالتعليمات التي وضعتها مديرية المرور العامة فيما يتعلق بتحديد السرعة وارتداء حزام الأمان المهم جدًا، بوصفه وسيلة لخفض الوفيات لما يوفره من حماية”.

وأضاف المحنا، أن “أغلب المواطنين لا يرتدون حزام الأمان عند القيادة، ولا يمكن اعتقال الآلاف جرّاء ذلك، وينبغي أن تشيع ثقافة ارتداء حزام الأمان”، مشيرًا إلى وجود “حالة عدم التزام بالقوانين الموضوعة، فضلًا عن أسباب أخرى تتعلق بجودة الطرق والشوارع”.

وبغض النظر عن المبررات التي تقدمها إدارة المرور حول أسباب الحوادث، فإن معظم المواطنين يتحدثون وينتقدون السلطات منذ سنوات من دون وضع الأخيرة حلولًا جدية لمعضلة الطرق وخاصة الخارجية الرابطة بين المدن التي تشهد بشكل شبه يومي حوادث سير مروعة تؤدي إلى وقوع خسائر بشرية ومادية.

وتبدو السلطات وكأنها غير معنية بما يحدث من كوارث متلاحقة فيما بات يعرف محليًا بـ “طرق الموت” خاصة تلك الرابطة بين بغداد ومحافظات الجنوب وطريق ديالى الرابط مع محافظات شمالي العراق.

وانعكست حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تعيشها البلاد على مفاصل الحياة كافة، ومنها نظام السير والمرور، ما يتسبب باستعمال السلاح عقب وقوع الحوادث.

وتسجل المحافظات العراقية بشكل مستمر مشاجرات على خلفية حوادث السير، وقد تتطور في أحيان كثيرة إلى استخدام السلاح الشخصي، ما يتسبب بوقوع قتلى وجرحى.

حوادث السير تتسبب باندلاع مشاجرات تتطور فيما بعد إلى نزاعات عشائرية

ووفقًا لضابط في قيادة الشرطة العامة في بغداد رفض الكشف عن اسمه، فإن “ما لا يقل عن 40 بالمئة من حوادث السير تندلع على إثرها شجارات ومنازعات بين الطرفين، يصل بعضها إلى إطلاق نار أو ضرب بقطع معدنية أو عصي يحملها السائقون معهم، خاصة أصحاب سيارات الأجرة والنقل العام”.

وأكد الضابط، تسجيل ضحايا وجرحى بشكل شبه يومي في مختلف مدن البلاد، مبينًا أن “العراك أخطر ما في تلك الحوادث، الذي يتطور لاحقًا لمواجهات عشائرية بعدما تتدخل عشائر طرفي الحادث”.

وأدى استيراد مئات آلاف السيارات بعد عام 2003 إلى العراق، من كافة المناشئ العالمية والموديلات بصورة عشوائية وبشكل غير مدروس ومن دون ضوابط، إلى ترك آثار سلبية على الشوارع فضلًا عن تأثيره المباشر في ارتفاع معدلات حوادث السير المميتة في البلاد.

ومن بين السيارات التي جرى استيرادها بشكل كبير على الرغم من انخفاض جودتها سيارة “سايبا” الإيرانية التي انتشرت في شوارع بغداد وغيرها من مدن جنوب ووسط العراق، التي لطالما أثارت مخاوف سائقي السيارات الأخرى بسبب كثرة الحوادث المرورية التي يتسبب بها سائقوها.

سوء التخطيط يغرق العراق بسيارات غير متينة.. “سايبا” الإيرانية إنموذجًا

وتشير إحصائيات وزارة التخطيط إلى أن مجموع المركبات في العراق، تجاوز الـ 7 ملايين مركبة بنهاية العام 2021، بعدما كان عددها يبلغ 5 ملايين خلال 2015، إذ توجد 175 سيارة لكل ألف مواطن وبنسبة 118 مركبة لكل كيلومتر واحد في وقت تتوقع الوزارة أن يزيد عدد السيارات إلى الضعف بعد 14 عامًا لتصل إلى 15 مليون سيارة.

وفي هذا الصدد انتقد النائب محمود حسين القيسي، الفوضى المرورية التي تعاني منها البلاد لاسيما العاصمة بغداد، فيما طالب بالاستفادة من تجارب دول الجوار لحل أزمة النقل.

وقال القيسي في تصريح تابعته “الرافدين”، إن “مدينة بغداد تعيش فوضى مرورية، في ظل وجود قرابة 3 ملايين سيارة وقلة الطرق المعبدة والمهيئة لاستيعابها”.

وأشار إلى “غياب وسائل النقل الحديثة في العاصمة، مثل مترو الأنفاق، وهو ما يجعل عملية التنقل بين مناطقها صعبًا وشاقًا بالنسبة للمواطنين، الذين يقضون ساعات طويلة في الازدحامات المرورية يوميًا”.

وعلى الرغم من الخطط الحكومية لإنشاء وسائل للنقل الجماعي للتقليل من زخم السيارات، إلا أنها ظلت حبرًا على ورق، ولم ير المواطن العراقي منها سوى الوعود والأمنيات، بعد أن بدد أموالها الفساد المستشري بمفاصل الدولة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى