أخبار الرافدين
اقتصادتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

موائد العراقيين بلا رز العنبر بسبب الجفاف والفساد الحكومي

الحكومات منذ عام 2003 جعلت العراق سوقا للبضائع الإيرانية الرديئة وأهملت دعم الاقتصاد الوطني.

النجف- في كلّ مائدة عراقية، لا بدّ أن يكون رز العنبر حاضراً، لكن هذا المكوّن الذي يزيّن الأطباق التقليدية للمطبخ للعراقي، مهدّد بالاندثار، نتيجة الجفاف الذي يضرب البلاد وتراجع مخزونات المياه الحيوية لبقائه. فضلا عن فشل السياسات الاقتصادية الحكومية منذ عام 2003، وعدم وجود خطط مستديمة لدعم المنتوج الوطني.

بحسرة، يقول الفلاح أبو رسول (76 عاماً)، وهو يراقب ساقية مياه كانت تروي محصوله وقد جفّت، “منذ صغري أزرع الشلب (العنبر)”، في أرض تبلغ مساحتها 20 دونما.

وتابع الرجل ذو الوجه المجعد وقد ارتدي زيا عربيا، “نحن نعيش من هذه الأرض”.

بعد ثلاث سنوات من قلة الأمطار والجفاف، سيكون موسم رز العنبر هذا العام محدوداً جداً. والسبب الرئيسي لذلك، أن العراق لم يعد يملك ما يغطي حاجة زراعة هذا النوع المميز من الرزّ الذي يتطلّب غمر مساحات واسعة بالمياه على مدى أشهر طويلة خلال الصيف اعتباراً من منتصف شهر أيار.

ويقول مدير الموارد المائية في محافظة النجف المهندس شاكر فايز كاظم لوكالة الصحافة الفرنسية إن “مخزونات الموارد المائية أصبحت قليلة جداً… أقل بكثير من مؤشرات الخطر، وهي 18 مليار متر مكعب”.

وتحتاج زراعة العنبر الى ما بين 10 إلى 12 مليار متر مكعب من المياه خلال الموسم الواحد، كما يشرح فايز. وبالتالي “من الصعوبة زراعة محصول الرزّ في محافظة النجف والمحافظات الأخرى بسبب استهلاكه العالي للمياه”.

ويتوقع المسؤول العراقي أن تسمح السلطات بزراعة “مساحات محدودة للحفاظ على نوع رز العنبر”.

وبالفعل، بدأ تقليص المساحات منذ مطلع أيار.

وأكّد المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف أن “زراعة رز العنبر ستكون على أراض مساحتها 10 آلاف دونم فقط تمتد في محافظتي النجف والديوانية”، بعدما كان البلد يستغل حوالي 350 ألف دونم لهذه الزراعة خلال السنوات الماضية.

ويعد الرزّ عموما والعنبر على وجه الخصوص، مادة رئيسية ضمن مائدة الطعام في أي بيت عراقي، يزيّن الوجبات العراقية المميزة مثل الدولمة، وهي خضار محشوة بالرزّ واللحم، والقوزي وغيرها… ويوضح مدير قسم الإنتاج النباتي في دائرة التخطيط في وزارة الزراعة محمد جاسب، أنه في السنوات الماضية، كان “معدل الإنتاج السنوي” من رزّ العنبر “يصل إلى 300 ألف طن”. في 2021، حصد العراق أكثر من 250 ألف طن من رزّ العنبر، وفق قوله.

خلال السنوات الماضية، شهد البلد الذي يعبره من أقصى شماله إلى جنوبه نهرا دجلة والفرات، والملقّب بـ”بلاد الرافدين”، تناقضاً ملحوظاً بموارده المائية. وتدين السلطات العراقية مراراً جارتيها تركيا وإيران اللتين تبنيان السدود على منابع النهرين ما يؤدي لانخفاض مستوى المياه في العراق.

مقابل ذلك تسبب الفساد وفشل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 بدعم الزراعة والصناعة في البلاد، الى تراجع المنتوج الوطني.

ويعزو عراقيين ذلك الفشل الى أسباب سياسية مكشوفة، تتخلص في تدمير الإنتاج الوطني والدفع نحو استيراد المنتج الإيراني.

ويستورد العراق غالبية محاصيله الزراعية من إيران، فضلا عن منتجات ومواد غذائية رديئة.

ويعبر عراقيون عن استغرابهم بالقول “إيران تقطع المياه عنا وحكوماتنا المتعاقبة تدفع باتجاه دعم اقتصادها باستمرار واستيراد البضاعة الإيرانية الرديئة، بدلا من دعم الإنتاج الوطني”.

ويلفت كاظم إلى أن مستوى مياه نهر الفرات حالياً يمثل 30بالمئة مما كان عليه في الظروف الاعتيادية، داعياً إلى “حراك سياسي” لحث دول الجوار على إطلاق مياه أكثر.

ويقول رئيس الجمعيات الفلاحية في النجف أحمد سوادي حسون إن بلاده “مهددة بعدم زراعة العنبر ومن المحتمل أن ينقرض بسبب شحّ المياه”.

ويعرب حسون، وهو مهندس زراعي عمره 51 عاما، عن أسفه لغياب التخطيط من سلطات بلاده متوقفا عند التغيرات المناخية، قائلاً “نعلم أن العراق خارج خط المطر خلال السنوات المقبلة، مع ذلك لا يعتمد على “التقنيات الحديثة في تطوير منظومات الري”.

ويرى أن “الحكومة بعيدة كل البعد عن الزراعة وجعلت من العراق سوقاً للدول المجاورة”.

وسجل البنك الدولي في عام 2021 انخفاضاً بنسبة   17.5 بالمئة في النشاط الزراعي في العراق، خصوصا بعد الجفاف الذي يتعرض له البلد.

والتحدّي كبير أمام القطاع الزراعي في العراق: ففي حين تعتمد البلاد بشكل رئيسي على مواردها النفطية، ينبغي عليها تنويع مصادر وارداتها المالية. ويشكّل القطاع الزراعي ثاني أكبر مساهم في الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 5 بالمئة بعد النفط، ويوظّف القطاع نسبة 20% من اليد العاملة.

ويقول جاسم محمد ظاهر، وهو فلاح ستيني، عن زراعة الأرز “لا نعرف شيئاً آخر، هذا مصدر رزق الفلاحين”.

وينتقد إجراءات السلطات التي تشتري محصولهم وتتأخر بدفع مستحقاتهم المالية ولا تؤمن لهم الأسمدة، قائلا بحسرة “ما نريده هو اهتمام الحكومة بالفلاحين”.

ويهدّد توقف زراعة العنبر مهناً أخرى، مثل العشرات من المصانع المحلية الصغيرة التي تعرف بـ”المجارش” وتقوم بتنقية وتنظيف المحصول قبل طرحه في الأسواق كأرز جاهز للطبخ.

ويدير عادل الحاج غافل مجرشة في النجف ينشط فيها عدد من العمال. يتولى اثنان منهم حافيي القدمين، جمع أكوام محصول الرز، مستعينين بمجارف.

ويضع آخرون المحصول في أوعية كبيرة، ثمّ ينزلونه في “المجرشة” لتنقيته من الشوائب.

ويقول غافل، وهو أربعيني ورث مجرشته عن والده، “اعتمادنا الكامل هو على الفلاح”. وتوجد قرابة 400 مجرشة من هذا النوع في محافظة النجف وحدها، تؤمن فرص عمل لبضعة آلاف من الأشخاص، وفقا لغافل.

ويتابع “إذا توقفت زراعة (العنبر)، سنغلق المجارش وننتظر على أمل أن يزرع في السنة القادمة”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى