أخبار الرافدين
كرم نعمة

من الذي يمكن لومه على الفشل

إذا كانت مزاعم السياسيين الحاليين في العراق تبحث عن أب للعملية السياسية القائمة منذ عام 2003، في لومه على الفشل المستمر والمتصاعد بينما تحتفل بمئوية الدولة العراقية، فإن ثمة قائمة من الأسماء التي اعترفت بفشلها مع أنها مستمرة في لعبة الفشل، وإن فقدت القدرة على المفاجأة التي كانت متاحة لها تحت الاحتلال الأميركي.
عادة ما يتم الإشارة إلى سيء الذكر أحمد الجلبي بأنه المحرض الأول لاحتلال العراق، لكن دعك من الموتى، مثله مثل جلال الطالباني وعبد العزيز الحكيم… ثمة من الأحياء لكنهم يحسبون على الموتى كإبراهيم الجعفري وأياد علاوي ومسعود البارزاني وعادل عبدالمهدي وموفق الربيعي.
لدينا شركاء حقيقيون في صناعة الرثاثة السياسية القائمة، يستحقون وضعهم على كرسي الحقيقة أمام العراقيين، كي لا نضيع في جدل إعادة صناعة عملية سياسية بنيت على فكرة تقسيمية كسيحة ونتجاهل القاتل الموجود والمعروف بيننا.
النظام السياسي القائم الذي قضي على ما تبقى من الدولة، لا يمكن له إصلاح نفسه، دعك من أنه لا يريد ذلك أصلًا، فالفشل لا يمكن إعادة صناعته بقدر دق المسمار الأخير في نعشه والبدء من جديد.
لقد حاول الرئيس العراقي برهم صالح تبرئة نفسه مما جرى أكثر من مرة، مع إنه من كبار الشركاء والمنظرين الأوائل لما حصل واستمر بنية التغيير في قيادة لصوص الدولة.
كانت واحدة من رسائل برهم صالح بشأن العملية السياسية إقرار صريح بفشلها والحاجة الماسة إلى عملية إصلاح مع اعترافه بالخلل البنيوي في منظومة الحكم بعد العام 2003، بيد أنه يعرض نفسه من جديد كمصلح بقوله لديه الكثير مما يمكن أن يقدمه لمنصب الرئيس، وكأنه ليس من بين كبار الشركاء الأوائل في صناعة ذلك الخلل السياسي والوطني.
حسنًا، ليس برهم صالح وحده، فإذا كان أياد علاوي ومسعود البارزاني، من بين قادة الفشل العراقي ويحاولون اليوم الانضواء والظهور الخجول وتحريك من يمثلهم. لدينا عادل عبدالمهدي ونوري المالكي اللذان مارسا دور الهامش لصناع الفشل العراقي.
هؤلاء لا يستطيعون الدفاع عما ارتكبوه، دعنا نتجنب جملة عما سرقوه، لكن العراقيين بحاجة اليوم إلى إعادة التفكير بصناعة مستقبل لا يمت بصلة للعملية الجوفاء التي جرت عام 2003.
أشعر بالأسف، أن الكثير من رافضي العملية السياسية القائمة الذين يكشفون عن جوهر وطني مخلص، لا زالوا يتحدثون كثيرًا عن إصلاح العملية السياسية بالعودة إلى الماضي، الأمر الذي يسقي الفاشلين ممن وقف خلفها حقنة انتشاء على فكرة إعادة تأهيلهم.
العملية التي جرت منذ عام 2003 أشبه بمنظومة كهربائية ربطت بشكل عشوائي خارج منطق قوانين فيزياء الدولة الوطنية. صحيح أنها كانت تمنح بعض الطاقة المتقطعة، لكنها غير قادرة على الاستمرار وفق القيم الوطنية. ذلك ما نبه له بمراره في تحليل ملهم للباحث السياسي كاظم هاشم نعمة في وقت مبكر وهو يعبر عن خشيته علنًا من ترسيخ الفكرة التقسيمية. لقد عبر لي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عن خشيته المضاعفة من مستقبل تراجع الانتماء للعراق كوطن، عندها يصبح الجهر علنًا لكل فئة إثنية أو طائفية أو قومية بالحق في مزاعم الانفصال بوصفه حقًا ديمقراطيًا.
لذلك يبدو من المنطق السياسي استبدال العملية القائمة بالكامل والإتيان بمنظومة وطنية صالحة متفق عليها بين العراقيين وتلقى دعمًا دوليًا واضحًا، لا بأس من أن تعيد الأحزاب التي ساهمت في العملية السياسية الفاشلة في إعادة تقديم نفسها، لكن عليها أن تقدم مشروعها باسم العراق وحده، لتكون موضع قبول أو رفض من العراقيين.
فشل المنظومة السابقة بدأ من دستور كتب وأقر برعاية الاحتلال الأمريكي وبمباركة مرجعية طائفية، لذلك من السهولة بمكان القول أن الدستور العراقي القائم لا يمثل إلا من كتبه ويجب أن يذهب مع ذهاب كتبته والانتهاء كليًا من تقسيم المناصب العليا بين الطوائف وتقسيم العراقيين على أنفسهم.
ذلك الدستور سقط ميتًا قبل أن يولد، وتبدو كل طرق الإنعاش له منذ أن أقر إلى اليوم لا تنقذ بلدًا قامت منظومته السياسية على تقسيم مواطنيه وليس على وحدتهم الوطنية. والإيمان بأن العراق لا يقبل القسمة إلا على نفسه.
إذا كان الدستور شرع لصعود أحزاب طائفية وليست سياسية، فإنها كي تثبت حسن نيتها الوطنية في المرحلة المقبلة، عليها تقديم نفسها بعراقية جامعة، فلا حزب الدعوة ولا المجلس الإسلامي ولا منظمة بدر ولا الحزب الإسلامي ولا تيار الحكمة قادرون على تقديم أحزابهم بغير طائفة من يترأسهم.
ماذا عن المرجعيات الطائفية، إنهم أكثر من يتحمل اللوم بعد أولئك السياسيين الفاشلين، كل مراحل الفشل حظيت بمباركتهم، وكل الزيف حصل وفقًا لفتاويهم المعلنة وغير المعلنة، وكل عمليات القتل وسرقة الدولة جرت تحت عباءاتهم…
لم يتحمل العراق جحودًا مثلما تحمل من المرجعية، وهي دول قوية داخل الدولة العراقية “إن وجدت أصلًا”، فالذي جرى حوّل العراق إلى دولة طائفية بامتياز، وتداعياتها جعلت النقاش من أجل المستقبل يتحول إلى نوع من العبث وفقدان بوصلة الكلام، عندما يتم اليوم مثلًا مقارنة الوضع الحالي بالنظام السابق قبل 2003. فلا أهمية للتاريخ من أجل صناعة المستقبل بقدر الاستفادة من دروسه.
صحيح، إنه من الصعوبة بمكان أن يتم تغيير ما جرى على مدار 19 سنة، لكن لا يمكن بقاء العراق بيد الخاطفين، والتحدث عن دولة وطنية. فالمشكلة تكمن في دستور طائفي وأحزاب طائفية ومراجع تشكل دولة موازية داخل الدولة، كل ذلك تديره قوة مسلحة من لصوص الدولة.
هناك من يمكن لومه على صناعة الفشل السياسي العراقي، لكن الأهم من اللوم هو التفكير في صناعة المستقبل بإنقاذ العراق وليس بإصلاح عملية سياسية عصية على العلاج. وليس كما عبر بإفراط مبالغ فيه السفير الأمريكي السابق روبرت فورد في آخر ما كتبه إثر زيارته لبغداد، عن حقه بالتفاؤل من مستقبل ما يجري في العراق!

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى