أخبار الرافدين
علي شندب

“إسرائيل” دخلت كاريش ونصرالله يسنّ إصبعه

شكّل غاز شرقي المتوسط ونفطه، عنوان الصراعات الإقليمية والدولية في العشرية الأخيرة، ولم يخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتكئ على اتفاقيتين بحرية وعسكرية مع حكومة فايز السراج في طرابلس أن اندفاعته غربي ليبيا تستهدف مزاحمة النفوذ الفرنسي شرقي المتوسط، ما أحدث توترًا كبيرًا مع فرنسا ودفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للقول إن “حلف الناتو في حالة موت سريري”، وذلك فقط لأنّ نظيره الأمريكي السابق دونالد ترامب منع تدخل الناتو لمواجهة تمدّد تركيا في ليبيا وشرقي المتوسط.
وبخلاف ليبيا وشرقي المتوسط، فقد بيّنت الحرب الروسية الأوكرانية فعالية حلف شمال الأطلسي الذي يُمسك جنرالات البنتاغون وحدهم بمفاتيح تحريكه والتحكم به وفقًا لمقتضيات الإستراتيجية الأمريكية، ما دحض كلام ماكرون حول موت الناتو السريري، وأجهض أيضًا أحلامه المتطابقة مع رؤية أنجيلا ميركل في بناء “الناتو الأوروبي” بهدف التحرّر من دفع الجزية المُهينة التي طالبهم بها ترامب لقاء حمايتهم.
ولعلّ مسارات الحرب الروسية الأوكرانية تكشف بوضوح عار من كل التباس، أنها فضلًا عن عوامل الأمن القومي الاستراتيجي لروسيا كما أفصح عنها فلاديمير بوتين، هي مسارات حرب الأنابيب، التي انطلقت من أوكرانيا وجورجيا بوصفهما بداية الثورات الملوّنة والتي انتقلت شرارتها إلى البلاد العربية بعد غزو العراق واحتلاله ولتجهض الثورات التي رفعت مطالب وحقوق شعبية. وتنطلق بعدها حروب الأنابيب في سوريا “حيث القواعد الأمريكية متمركزة على حقول وآبار النفط فيها مثلًا” وليبيا واليمن وكل بلد تحوي شرائطه الحدودية البرية أو البحرية مخزونات من الطاقة.
بهذا المعنى، ليس تفصيلًا عابرًا، أن تكرّر موسكو إعلانها بأن الغاز لم يزل يتدفق عبر أوكرانيا إلى الدول الأوروبية التي انصاعت لشروط بوتين في تسديد فواتير الطاقة بالعملة الروسية الروبل.
إنّها الأنابيب، التي لأجل أمنها وضمان سلامتها تشنّ الغزوات والحروب، فتقوّض الدول، وتسقط الأنظمة، ويُعبث بالتركيبات السكانية والمكوّنات المجتمعية ديموغرافيًا ودينوغرافيًا بما يضمن العبور الآمن لمسالك أنابيب الطاقة ومساراتها وانتظام تدفقاتها.
إنّها الأنابيب نفسها التي دفعت الرئيس “الإسرائيلي” إسحاق هرتزوغ إلى زيارة تركيا خلال شهر آذار الماضي حيث تباحث مع نظيره التركي في إحياء مشروع خط أنابيب الغاز تحت البحر من حقل ليفياثان إلى تركيا وجوارها الأوروبي علّه يحرّر أوروبا من إمدادات الطاقة الروسية.
وسط هذا السياق الاستراتيجي للصراعات الإقليمية والدولية وأغلبها حول مصادر الطاقة والغاز، يأتي دخول منصّة “انرجي باور” العائمة إلى حقل كاريش “المتنازع عليه بين لبنان و(إسرائيل)”.
دخول “انرجي باور” بهدف استخراج “إسرائيل” للغاز، كان تتويجًا لترسانة مدجّجة من الإجراءات القانونية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية فضلًا عن العسكرية. ولعلّ المناورة “الإسرائيلية” غير المسبوقة التي جرت وقائعها في قبرص، والتي تحاكي حربًا متعدّدة المحاور من كاريش إلى مضيق هرمز وتستهدف ضمنًا وخاصة حزب الله، تعبير فصيح عن مديات الاستعداد والجهوزية “الإسرائيلية” لحرب باتت احتمالات نشوبها مرجحة.
اذن، منصّة “انرجي باور” اليونانية الجنسية، مع المناورة العسكرية في قبرص اليونانية، تفتح المشهد على أرضية أوروبية متفهمة لمطالب “إسرائيل” ومتسقة مع أهدافها في استخراج الغاز من حقل كاريش في شرقي المتوسط. وما نَشرُ “إسرائيل” لقبتها الحديدية فضلًا عن بعض قطعها البحرية في محيط كاريش، وإعلان قائد المنطقة الشمالية في الجيش “الإسرائيلي” أمير برعام أنه “في الحرب سنقوم بتدمير كل البنى التحتية.. ولن يبقى حجر على حجر”، إلا ترجيح للحرب وليس التلويح بها فقط.
في لبنان، ثمة فوضى وتخبّط رسمي سياسي وإعلامي، وتنمّر متبادل بين قوى سياسية متعدّدة حول أزمة إدارة ملف ترسيم الحدود البحرية والتفاوض. فوضى معلّقة على وصول الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين بعد أيام بناء على طلب الرؤساء الثلاثة. فوضى حيال مقاربات عدة لأسباب تمنّع الرئيس ميشال عون عن توقيع تعديل المرسوم 6433 كما طالب وفد الجيش اللبناني المفاوض برئاسة العميد بسّام ياسين الذي علّق حضوره قبل أن يحال إلى التقاعد بسبب عدم توقيع عون مرسوم تعديل الحدود من الخط 29 وليس الخط 23 الذي لا يعطي لبنان شيئًا من حقل كاريش، ما ينزع عن هذا الحقل صفة النزاع القانوني وفق ما صرّح به مسؤولين “إسرائيليين”.
حزب الله وبلسان عدد من مسؤوليه وآخرهم نعيم قاسم قال بأنه يقف وراء إجراءات الدولة، وهو مستعد لاتخاذ الإجراءات المختلفة بما فيها القوّة، إذا ما أعلنت الدولة اللبنانية أن هناك اعتداءًا على حقوقها في كاريش. هذه الليونة اللافتة من طرف حزب الله والتي بدأها حسن نصرالله عقب الانتخابات غريبة على سلوك الحزب ومواقفه العالية السقف دونما مبرّر جوهري.
إنه سقف المواقف التي ترتفع وتنخفض وفقًا لمقتضيات الأجندة الإيرانية العليا، والتي تعيش مفاوضاتها في فيينا نوعًا من الانسداد عزّزته إنذارات أوروبية لطهران حيال سلوكها النووي، تزامنًا مع مظاهرات شعبية غاضبة في عدة مدن إيرانية بسبب الضغوط الاقتصادية والمعيشية، توازيًا مع سلسلة اغتيالات وتفجيرات غير غامضة استهدفت عددًا من جنرالات الحرس الثوري والمخابرات ومجمّعات لصناعة المُسيّرات المفخخة والصواريخ المجنّحة، فضلًا عن غارات “إسرائيلية” متكررة ضد مواقعها وحزب الله في مطار دمشق وأريافها. وكلها عناصر تحتّم على إيران ووكيلها في لبنان حسن نصرالله مقاربة بمستوى التحديات الحربية وربما التخادمية وليس الاستمرار في إطلاق الصواريخ الصوتية على شاكلة “تدمير (إسرائيل) خلال 7 دقائق ونصف”.
منذ أيام وبينما انتظر تحميص كعكة الجبنة، سألت أبوخضر الكعكجي عن رأيه بالوضع فقال: “(إسرائيل) دخلت كاريش، ونصرالله عميسن اصبعه”، وعندما استفسرت من الكعكجي عمّا يعنيه أجاب “الإيارنة شبّعونا تصريحات بتدمير (إسرائيل)، ونصرالله اللي عنده 100 ألف صاروخ و100 ألف مقاتل شبّعنا تهديدات، والآن مشغول بسنّ إصبعه”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى