أخبار الرافدين
علي شندب

فوضى نصرالله بمواجهة السلاح الأبيض

المنطقة حبلى بفوضى التطورات الملتهبة. فمخاض الحرب الروسية الغربية انطلاقاً من أوكرانيا تلقي بتداعياتها على المسرحين الدولي والإقليمي. ويرجّح أن الاصطفافات المتولّدة عن هذه الحرب ستسولد بدورها حرباً أو حروباً في المنطقة نتيجة الغضب الغربي من انخراط طهران الى جانب موسكو عبر المُسيّرات المفخّخة والصواريخ المجنّحة، ما دفع دولة مثل فرنسا بوصفها قناة التواصل شبه الوحيدة مع إيران لانقاذ الاتفاق النووي، الى إعادة تموضعها بشكل متشدّد ضد إيران. لكن الرسالة الأبلغ التي تلقّاها قادة إيران ليس في إقصائهم عن “مؤتمر ميونيخ للأمن” فحسب، وإنّما في إجلاس المعارضة الإيرانية على كرسي إيران في المؤتمر، ما يعني فكاً أوروبياً معلناً لصواعق التنسيق الأمني مع ايران وهي خطوة متجاوزة لمسألة تصنيف الحرس الثوري تنظيماً إرهابياً.
إبعاد إيران عن مؤتمر ميونيخ للأمن، كان أشد وقعاً عليها من قصف المُسيّرات مواقع لوزارة الدفاع الإيرانية في أصفهان التي جاء استهداف الحرس الثوري لناقلة نفط “إسرائيلية” في الخليج رداً عليها، فيما الحقيقة المرجحة أن هذا الردّ يحمل رسالة لمؤتمر ميونيخ للأمن، مفادها أن بإمكان طهران إحداث فوضى عارمة في الخليج والمنطقة والتأثير خصوصاً على امدادات الطاقة. لكن هل يمكن اعتبار القصف الإسرائيلي الذي تعرّضت له سوريا وخصوصاً المربع الأمني في منطقة كفرسوسة بدمشق والذي تردّد أنه يستهدف وريث قاسم سليماني في قوة القدس الجنرال إسماعيل قاآني هو بمثابة ردّ “إسرائيلي” على استهداف ناقلة النفط “الإسرائيلية”، أم أنّ الأمر يدخل في سياق العدوان الإسرائيلي الدائم على سوريا وضمناً ميليشيات إيران وأذرعها؟
لا شيء سوى “الفوضى غير المنظمة” ما يطل برأسه هذه المرّة على امتداد المنطقة التي ارتفعت وتيرة اندلاعها الى مستويات غير مسبوقة. فقد باتت الفوضى والفوضى المتبادلة أحد أبرز أسلحة أغلب اللاعبين في المنطقة. وكم كان مدويّاً تهديد زعيم حزب الله للولايات المتحدة بفوضى تعمّ المنطقة ردّاً على الفوضى التي يدفع الأمريكيون لبنان لينزلق بها حسب صراخ نصرالله الذي قدّم مطالعة مطوّلة حول الضغوط الأمريكية على كثير من البلدان العربية وخصوصاً في عهد اوباما الذي استشهد به نصرالله متناسياً ومتغافلاً عن “دوره وحزبه في الانخراط وايران خصوصاً في مصر وليبيا وتونس ووصفها بالثورات العظيمة ثم الانقلاب على أغلبها ووصفها بالفوضى الأمريكية”.
اذن، نصرالله مع الفوضى الأمريكية وجزء منها عندما تتقاطع مع المصلحة الإيرانية بشهادة غزوها العراق واحتلاله، وضدها بشهادة موقفه في الحرب على سوريا وفيها، والأمثلة أكثر من ذلك. لكن المثال الطازج حتى للعميان هو “إتفاق الترسيم” مع “إسرائيل” العدوة، ويومها تطابق موقف نصرالله مع الأمريكيين ورؤيتهم حيال الترسيم، بل وقدّم لهم تنازلاً غير مسبوق في التخلي عن حقل كاريش والخط 29 لمصلحة الخط 23. ويومها لم يضر نصرالله أو يغضبه، توصيفه بزعيم حزب الترسيم، بل عمل على لي عنق الحقائق والوثائق التاريخية لعلماء التاريخ والوثائق والجغرافيا الذين يؤكدون لبنانية حقل كاريش، وأن حدود لبنان تبدأ من الخط 29، فعبّر بخجل عن رفض تخوينه، بشكل مخالف تماماً للتخوين الذي وسم ووصم به حراك 17 تشرين عندما هدده واتهمه بالعمالة للأمريكيين الذين كان يبيت معهم في سرير واحد لإنجاز اتفاق الترسيم.
في إطلالته الاخيرة، أقرّ زعيم حزب الترسيم وهو يتحدث عن بدء “إسرائيل” تصدير النفط والغاز، بأن لبنان ربما خدع، وضُحك عليه. ولهذا رفع من وتيرة صواريخه الصوتية ضد الأمريكيين بوصفهم ضمانة الترسيم. ولا نعلم كيف لم يدُر بخلد نصرالله وهو الضليع في فهم إسرائيل والسياسة الإسرائيلية، بأن ضمانة بايدن الترسيمية غير منتجة مع نتنياهو ورموز حكومته المتطرفة وخصوصاً وزير الأمن القومي اليميني إيتمار بن غفير. ما يطرح السؤال حول قدرة الجهود الأمريكية على كبح جماح الفوضى التي كانت نائبة وزير الخارجية الأمريكية باربارا ليف أكثر من بشّر بها و”بتفكك الدولة اللبنانية”. وهل بإمكان زعيم حزب الترسيم فعلياً الردّ على الفوضى الأمريكية بفوضى في كامل المنطقة، أم أن تهديداته لا تعدو أن تكون متناسلة من صليات الصواريخ الصوتية التي لطالما كرّرها وقادة إيران واعلانهم اقتدارهم على “تدمير إسرائيل خلال 7 دقائق ونصف”، أم أنّ صواريخ نصرالله الصوتية تستهدف أولاً شدّ عصب بيئته اللصيقة المهدّدة بوجودها وكرامتها وسيادتها وقوتها؟
لعلّ جبران باسيل، أكثر من جوّف مواقف نصرالله الذي اعتبر العلاقة مع التيار الوطني بوضع حرج، فشنّ أمام شبيبة التيار وبحضور مؤسّسه ميشال عون هجوماً غير مسبوق على حزب الله وزعيمه دون تسميتهم، قائلاً “يريدون إصلاحاً، لكنهم يريدون الإتيان برئيس جمهورية فاسد، ورئيس حكومة فاسد، وحاكم مركزي أفسد، منهم وبحمايتهم ويستاؤون اذا قلنا لا، فلا ومئة لا”. لكن الضربة القوية التي سدّدها باسيل ولم يتوقعها نصرالله، فتكمن في اعتباره أن تهديد نصرالله بالفوضى يستهدفه وتياره فيقول “الرئاسة على ظهر الفوضى، كما الرئاسة على ظهر الدبابة الإسرائيلية”. وبعيداً عن الذي دفع باسيل الى استحضار بشير الجميل، وأيضاً عن “تفاهم مارمخايل” الذي ذهب الى ما بعد الموت، ربما لم يدُر بخلد نصرالله يوماً أن يجد نفسه في موقع الخصومة حتى لا نقول العداوة مع صديقه وشريكه في “معادلة غطّوا على فسادنا، نغطّي على سلاحكم” جبران باسيل الذي يتردّد بأنه وُعد بتسوية “ملفه أمريكياً” مقابل نزعه الغطاء المسيحي عن الحزب، تماماً كما نجح اعتزال سعد الحريري السياسة في نزع الغطاء السنّي الوازن عنه.
وإذا ما جمعنا رفع الغطائين المسيحي والسني عن حزب الله مع فوضى الانهيار الوشيكة، يتبيّن أن نصرالله أدرك أن تحجيمهم يتم بالسلاح الأبيض، ولهذا هدّد بالفوضى.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى