أخبار الرافدين
تقارير الرافدينعربية

“نواب التغيير” يفتحون ملفي الفساد وهيمنة حزب الله على لبنان

الكتل المعارضة في البرلمان اللبناني ترفع منسوب محاذير الحكومة من المساءلة والمحاسبة.

بيروت – لأول مرة في لبنان، استطاعت قوى غير تقليدية اختراق البرلمان بعد فوزها بـ 14 مقعداً من أصل 128، إلا أن تساؤلات عديدة تُطرح حول ما إذا كان هؤلاء سيتوحدون ضمن كتلة وبرنامج محدد أم لا.
قوى “التغيير”، هو الاسم الذي يطلق على الوافدين الجدد إلى البرلمان، نظراً لكونهم يحملون أفكار انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول 2019، ومطالبها، والتي يعتبر أبرزها التخلّص من الفساد ومحاسبة المسؤولين عن الأزمات الاقتصادية والسياسية.
ووفق نتائج الانتخابات، لم تعد “الغالبية البرلمانية” محصورةً بيد فريق سياسيّ معين، إنما بات الثقل موزّعاً في عدة اتجاهات، مع وجود 3 تكتلات أساسية ونواب آخرين مستقلين.
والتكتلات الثلاثة هي تحالف حزب الله وحركة أمل (شيعة) مع التيار الوطني الحر (مسيحي) وحلفائهم، وتحالفٌ يضم حزب “القوات اللبنانية” (مسيحي) والحزب التقدمي الاشتراكي” (دروز) ونوابا كانوا سابقا مع “تيار المستقبل” (سنة) الذي قاطع الانتخابات رسميا، أما التكتل الثالث فيضمّ نواب قوى “التغيير” وبعض المستقلين.
وكان حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما، يستحوذون على الغالبية النيابية المنبثقة عن انتخابات 2018.
إلا أنهم فقدوا تلك الغالبية بانتخابات 2022، حيث تراجع عدد نوابهم من 71 الى نحو 60، فيما تتوزّع المقاعد المتبقية على قوى قريبة من واشنطن والرياض، فضلا عن عدد آخر من النواب المستقلين.
وكانت احتجاجات شعبية انفجرت في لبنان في السابع عشر من أكتوبر 2019، واستمرّت عدة أشهر، حيث حمّل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية الفساد وطالبوها بالرحيل.
ومع أن القوى الجديدة تمثل شريحةً واسعة من اللبنانيين وتشكل ترجمةً للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد بين عامي 2019 و2020، إلا أن خبراء رجّحوا صعوبة توحيد موقفهم حول قضايا عدة.
وقال المحلل السياسي أمين قمّورية، إن الاقتراع الكثيف لصالح نواب “التغيير” أخذ بعداً وطنياً وليس حزبياً، وبعيداً عن الطائفية والمذهبية، مشيراً إلى أن الشعار الرئيسي لهؤلاء كان “محاربة الفساد”.
ويضع قمّورية في حديث للأناضول، فوز هؤلاء النواب ضمن سياقٍ اعتراضيّ واسع، على أداء السلطة السياسيّ والاقتصاديّ، وليس على أساس برامجهم وخلفياتهم التي تختلف بين نائب وآخر.
وشكّل دخول قوى “التغيير” الى البرلمان، كسراً للتمثيل التقليديّ لقوى السلطة الذي كان محصوراً طيلة عقدين بين فريقي 8 آذار (حلفاء طهران ودمشق) و14 آذار (قريبون من الرياض وواشنطن).
ورجّح قموّرية أن تبرز في صفوف نواب “التغيير” تياراتٌ واتجاهات متباينة، بشأن الملفات الاقتصادية، والموقف من نفوذ حزب الله وسلاحه، والقضايا المجتمعية كمسائل الزواج المدني وحقوق المرأة.
أما الملفات المرجّح أن يتوافقوا عليها فتتعلق بحسب قمّورية، بالتعديلات القانونية المرتبطة بالقضاء واستقلاليته أو اللامركزية الإدارية مثلاً.
ومنذ سنوات يطالب حقوقيون لبنانيون البرلمان بإقرار مشروع قانون يرمي إلى استقلالية القضاء، وإخراجه من هيمنة السلطة السياسية، من خلال فرض إصلاحات جوهرية وهيكلية على السلطة القضائية.
ورأى قمّورية، أنه في حال عدم نجاح نواب “التغيير” بإنشاء تكتل كبير بسبب عدم التوافق على الأمور الاقتصادية والمالية والاجتماعية، فمن المرجح أن يكونوا ضمن كتل عدة تتعاون في بعض الملفات وتختلف في أخرى.
بدوره، رأى الكاتب السياسي عماد شدياق، أن النواب الـ 14 “يشكلون حالة فريدة في لبنان”، لكن من المبكر الحسم بأنهم سيكونون موحّدين أم لا.
وفي حديثه للأناضول، قال شدياق إن المعطيات تشير إلى أن البلاد مقبلةٌ على عدة استحقاقات، حيث قد يتقاطع هؤلاء عند بعضها، ويفترقون عند بعضها الآخر.
لكن “القلق الأكبر” الذي يشكله هؤلاء النواب للسلطة، بحسب شدياق، هو عدم وجود مرجعية موحّدة لديهم، وعدم تبعيّتهم لأي جهة خارجية، ما يصعّب على أحزاب السلطة التعاطي معهم.
وأشار شدياق إلى أن هذه الكتلة أو الكتل الجديدة ستشكل أسلوباً جديداً بالتعاطي البرلمانيّ، ما سيجعل الحكومة حذرةً جداً من المساءلة والمحاسبة.
والملاحظ أن نواب “التغيير” يُبدون اندفاعةً وحماسة لتحسين الواقع الاقتصاديّ والسياسي الذي تعاني منه البلاد.
ويستمد النواب الجدد زخماً من الاحتجاجات الشعبية، لإحداث خرق للوضع السائد في البلاد منذ عقود.
أما المحلل السياسي فيصل عبد الساتر، فاعتبر أن “نواب (التغيير) يشكلون قوةً ثالثة في البرلمان الجديد، كونهم جاؤوا من خارج لوائح الأحزاب التقليدية”، لكن السؤال “هل سيكون هؤلاء معاً أو منفردين أو كتلاً متعددة”.
ولفت عبد الساتر المقرّب من حزب الله، إلى أن “أيّاً من القوى السياسية لم يفُز بالغالبية النيابية”، التي تشكل 65 نائباً من أصل 128، “لكن النواب التغييريين أثبتوا وجودهم وفق التقسيم الجديد للقوى البرلمانية”.
وأضاف للأناضول، أن البلاد ستكون أمام “مشهد معقّد” خلال الفترة المقبل، متسائلاً “هل سيكون رئيس الحكومة المقبلة من داخل الكتل النيابية أم خارجها، وهل ستكون حكومة تكنوقراط أم سياسية؟
لكن عبد الساتر رأى أن التصريحات الأخيرة لمساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق ديفيد هيل، “كانت ملفتة” عقب صدور نتائج الانتخابات، حيث قال إن “الانتخابات النيابية لن تكون خلاصاً للبنان من مشكلاته”.
وقال عبد الساتر إن “ما يعنيه هيل ربما يوحي بأن واشنطن كانت تريد شيئاً ما من الانتخابات ولم يتحقق، مثل أن تكون الأكثرية النيابية بيد جهاتٍ تدعمها واشنطن كحزب القوّات وبعض قوى التغيير، إلا أن الأمريكيين خرجوا خائبين ونحن أمام مشهدٍ معقد”.
وفي السابع عشر من أيار الجاري، قال هيل في مقال نشره موقع “ويلسون سنتر” الأمريكي، إن ما ينتظر لبنان في الأيام المقبلة هو حالةٌ من الشلل، مشيراً إلى أنه من الخطأ الاعتقاد أن الانتخابات اللبنانية يُمكن أن تُنتج الحكومة اللازمة لاستعادة الثقة بالحكم وبالشؤون المالية وغير المالية للبلاد.
ومنذ عام 2019، يعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، حيث سجلت عملته المحلية الليرة انهياراً كارثياً، تزامناً مع شحّ في الدولار انعكس شحاً في السلع الأساسية التي تراجعت القدرة على استيرادها، إضافةً إلى هبوط حاد بالقدرة الشرائية لدى اللبنانيين.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى