أخبار الرافدين
تقارير الرافديندولية

الصدمة الروسية تهدد بكسر قوة الاتحاد الأوروبي

المحلل البريطاني كليفر كروك: عصر التعاون الأوروبي الجديد لن يدوم طويلا.

بروكسل – يرى المحلل السياسي البريطاني كليفر كروك، كاتب العمود السابق في صحيفة فايننشيال تايمز في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أنه قد يكون من السابق لأوانه الاحتفال ببدء عصر جديد من التعاون في أوروبا، حيث يمكن القول إن الحاجة الشديدة إلى الوحدة يمكن أن تعزز قوة الاتحاد الأوروبي أو تكسره في النهاية.
ولا يمكن القول إن صدمة أوروبا بمدى وحشية الغزو الروسي لأوكرانيا كان مبالغا فيها. فمنذ وقت ليس بالطويل احتفلت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بإقامة شراكة اقتصادية جديدة مع موسكو وهي الشراكة التي وضعت ألمانيا تحت رحمة إمدادات الطاقة الروسية.
وكان الغزو الروسي مذهلا، وكان التحرك الأوروبي لمواجهته مذهلا أيضا، حيث تحرك بسرعة وفق كل المعايير، أي بأسرع مما كان يظنه أي شخص اعتاد على بطء تحرك الاتحاد الأوروبي في مواجهة أي أزمة.
ووافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على عقوبات غير مسبوقة ضد روسيا، وأرسلت الأسلحة إلى أوكرانيا، واتخذت السويد وفنلندا قرارا لم يكن متصورا قبل الحرب الأوكرانية وهو طلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). واندفعت حكومات الاتحاد الأوروبي لزيادة مخصصات الإنفاق العسكري، والتعهد بتعزيز المشتريات المشتركة للأسلحة بما يضمن تكامل نظم التسليح فيما بينها. وبشكل مفاجئ أدرك السياسيون الأوروبيون أن الدفاع المشترك الفعال يمثل حاجة ملحة وليس مجرد طموح. ولكن استدامة هذه الجهود، ستحتاج إلى وحدة سياسية أعمق، وهو أمر يتجاوز حدود صلاحيات الاتحاد الأوروبي عادة.
ويمكن القول إن الاتحاد الأوروبي يعيش خلال السنوات الثلاث الأخيرة أزهى فتراته من حيث التعاون بين الدول الأعضاء والتوافق بينها، سواء على خلفية التهديد الروسي للاتحاد بعد غزو أوكرانيا والذي كشف عن تقصير الاتحاد في السعي لامتلاك أدوات الدفاع عن النفس، أو على خلفية جائحة فيروس كورونا المستجد التي أظهرت الحاجة إلى تنسيق أكبر بين دول الاتحاد في مجالات عديدة. لذلك يتحدث قادة أوروبا عن عصر جديد من التعاون.
في المقابل فإن الجميع نظر إلى العدوان الروسي ضد أوكرانيا باعتباره تهديدا للجميع يفرض عليهم التضامن. لكن مع استمرار القتال ستظهر الخلافات بشأن سبل إنهاء الحرب. كما أن العقوبات المفروضة على روسيا ستسبب خسائر جانبية متزايدة لأوروبا، وستكون بعض الدول أشد تضررا من البعض الآخر، وهو ما سيمثل اختبارا للنظامين السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوروبي اللذان مازالا في مرحلة البناء.
ورغم أن معدل التضخم لمنطقة اليورو ككل خلال الشهر الماضي كان مذهلا، فإن الأرقام الخاصة بالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تكن أقل قوة.
فقد بلغ المعدل في فرنسا 5.8 بالمائة وفي ألمانيا 8.7 بالمائة في حين كان أقل معدل من نصيب مالطا وسجلت 5.6 بالمائة والأعلى من نصيب إستونيا وسجلت 20.1 بالمائة.
ويشير هذا التباين الواسع بين معدلات التضخم للدول الأعضاء إلى أن تحقيق التكامل الاقتصادي عبر الاتحاد الأوروبي مازال بعيد المنال وبخاصة عندما يتعلق الأمر بإمدادات الطاقة. كما أن هذا التباين يثير المشكلات عند بحث القضايا السياسية والسياسة الاقتصادية على مستوى الاتحاد.
وتختلف الحساسية لمعدل التضخم من مكان إلى آخر. وفي حين يعتبر معدل التضخم 8.7 بالمائة مرتفعا في أي مكان في أوروبا فإنه يعتبر مرعبا بالنسبة لألمانيا التي ظلت مشغولة على مدى سنوات بضمان استقرار الأسعار.
ويجعل هذا التفاوت الكبير في النظر إلى التضخم، إلى جانب الاختلاف الواضح في القوى التضخمية والأحوال الاقتصادية الوطنية، يجعل مهمة مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي، تبدو سهلة للغاية مقارنة بمهمة البنك المركزي الأوروبي، الذي يواجه استحالة وضع سياسة نقدية تلائم ظروف كل دول منطقة اليورو التي تضم 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي.
وبعيدا عن الملف الاقتصادي والتباينات الواضحة بين دول الاتحاد الأوروبي، يأتي خطر استمرار انتشار الشعبوية المشككة في الوحدة الأوروبية، حيث تبدو بعض الدول وبخاصة المجر وبولندا مصرة على تحدي الحكمة السائدة بشأن الهدف من الوحدة الأوروبية.
وقد تشهد المناقشات المستقبلية بين دول الاتحاد الأوروبي شروط انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد رغم أنها دولة فقيرة، حتى قبل الحرب الروسية ضدها والتي ألحقت بها دمارا شاملا تقريبا.
معنى هذا أن تداعيات الحرب في أوكرانيا، تدفع بقوة في اتجاهات متعارضة.
فأوروبا تدرك الآن أنه على حدودها الشرقية يوجد ليس صديق محتمل وإنما عدو لا يرحم. هذا أمر واضح. ولا أحد ينكر حاجة الاتحاد إلى تطوير نظام أمني جديد ويزيد الإنفاق على جعل هذا النظام أكثر كفاءة وفاعلية. لكن أي تقدم يمكن تحقيقه في هذا الاتجاه سيرافقه تعميق للشعور بالهوية الأوروبية.
في المقابل فإن هذا المشروع سيصطدم بالضغوط الاقتصادية المتزايدة، والاقتصادات الأوروبية التي مازالت أبعد ما يكون عن التكامل الكامل، والترتيبات المالية المختلة، والدستور الناقص، وتباين القيم السياسية وعدم اقتناع الكثيرين من المواطنين الأوروبيين بفكرة الوحدة الأوروبية.
ويختتم كليفر كروك تحليله بالقول إن الاتحاد الأوروبي مر باختبارات من هذا النوع من قبل. والحقيقة أن منظري مشروع الوحدة الأوروبية يرون غالبا أن مزيدا من الوحدة عند مواجهة أي أزمة هو أفضل طريقة لتحقيق تقدم، ويمكن القول أن النجاح ليس كذلك دائما.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى