أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الطلاق يتحول إلى ظاهرة صادمة تهدد بنية المجتمع العراقي

حقوقيون وخبراء اجتماعيون يدقون ناقوس الخطر من ارتفاع معدلات الطلاق وما نجم عنها من تفكك أسري.

بغداد – الرافدين

القضاء الأعلى: حصيلة “كارثية” لحالات الطلاق خلال شهر أيار

كشفت إحصائية مجلس القضاء الأعلى، حول حالات الطلاق والتفريق التي أصدرتها المحاكم في بغداد والمحافظات عن أرقام صادمة لشهر أيار الماضي بعد ان سجلت ارتفاعًا كبيرًا لنسب الطلاق في مؤشر يدلل على حجم المشاكل التي تعصف بالمجتمع العراقي ولبنته الأولى المتمثلة بالأسرة.
وسجلت المحاكم العراقية، أكثر من 5 آلاف حالة طلاق في عموم العراق خلال شهر أيار الماضي، وتصدر جانب الرصافة في بغداد المناطق الأكثر تسجيلًا لحالات الطلاق، حيث شهد أكثر من 1000 حالة، وفقًا لوثيقة حصلت عليها “الرافدين”.
وبلغت أعداد حالات تصديق الطلاق الخارجي في عموم المحافظات 3731 حالة، بينما بلغت حالات التفريق بحكم قضائي 1539 حالة.
وليست هذه المرة الأولى التي تسجل فيها المحاكم العراقية هذا العدد الكبير من حالات الطلاق بين الأزواج، بعد أن شهدت البلاد ومنذ نحو عقدين ارتفاعًا كبيرًا في حالات الطلاق، الأمر الذي دفع بالكثير من الحقوقيين إلى دق ناقوس الخطر ومطالبة السلطات المختصة بإيجاد المعالجات والحلول للتقليل من تلك النسب.
وعزت القاضية بيداء كاظم أسباب وقوع دعاوى الطلاق أو التفريق إلى عوامل مختلفة منها “تفريق للهجر أو تفريق لعدم الانفاق او تفريق بسبب مرض أو ممارسات غير شرعية”‏.
وأشارت القاضية في محكمة أحوال الكرخ، نور عدنان محمود بدورها، إلى أسباب ارتفاع حالات الطلاق ومن بينها “‏الانفتاح الذي شهده العراق خلال السنوات الاخيرة، لاسيما عندما شاع في المجتمع الهاتف الجوال الذي يسيء البعض استخدامه وما ترتب على ذلك من خيانات زوجية أو ‏علاقات غير مشروعة”. ‏
ويرجع مراقبون، ارتفاع حالات الطلاق إلى أسباب عدة من أبرزها الفقر وتراجع المستوى الاقتصادي وتفشي البطالة وغياب الاستقرار الأسري المرهون بتوفر فرص العمل والسكن اللائق، بعد عام 2003 ومساهة هذه العوامل بتفكك أواصر الأسر العراقية.
وترى الباحثة الاجتماعية، وئام حاتم جعفر، أن من أسباب الطلاق “السكن المشترك مع العائلة وزيادة عدد أفرادها ما يؤدي إلى حدوث مشاكل تصل ‏إلى الطلاق”، إلى جانب “سوء الأوضاع الاقتصادية” التي عدتها من أهم الأسباب. ‏
ويتفق المحامي سعيد مرتضى مع الباحثة وئام جعفر بتركيزه على “الظروف الاقتصادية المتردية”، مشيرًا إلى أن “طبيعة المجتمع تجعل الزواج فعلًا يُطلب من الرجل والمرأة القيام به حتى وإن كانت ظروفهم غير مناسبة”.
ويضيف مرتضى “لا توجد لدينا إحصاءات عن أسباب الطلاق وأكثرها شيوعًا، لكن يمكنني أن أجزم إن للأحوال الاقتصادية يد في أكثر من 70 بالمائة من حالات الطلاق”.

الزواج المبكر وزواج القاصرات من أبرز الأسباب المؤدية إلى ارتفاع معدلات الطلاق

ويعد الزواج المبكر وزواج القاصرات، أحد أهم الأسباب المؤدية إلى ارتفاع معدلات الطلاق، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتردي، وهو ما تشير إليه سجلات المحاكم العراقية، التي وثقت آلاف حالات الطلاق لأزواج تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18 عامًا.
ووفقًا لبيان لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإنه “بحسب نتائج المسح الوطني الاجتماعي والصحي المتكامل للمرأة العراقية الذي تم تنفيذه بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء وهيئة إحصاء كردستان العراق، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان – مكتب العراق للعام 2021، بلغت نسبة النساء اللواتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عامًا في العراق 25.5 بالمائة، بينما أظهرت نتائج المسح أن النسبة لنفس المؤشر في كردستان العراق 22.6 بالمائة من نسب الزواج”.
وتشير التدريسية في جامعة بغداد الدكتورة إرادة الجبوري، إلى أن “معظم حالات الطلاق تتم في زيجات لفتيات دون السن القانوني المسموح به للزواج وخاصة في المناطق الريفية، في تحايل صريح على القانون يتمثل بتزويج القاصرات خارج المحكمة ويتم طلب مصادقة المحكمة عليه لاحقًا.
وحددت الجبوري أسبابًا عديدة لتزايد الطلاق أبرزها “عدم النضج وعدم تحمل مسؤولية الزواج المتعددة، وخاصة في ظروف العراق المعقدة” منوهة إلى أن ظروف انهيار الدولة عقب الاحتلال الأمريكي فسح المجال لزيجات لا تراعي القانون في ظروف ضعف تطبيق القانون.
ويضع قانون الأحوال الشخصية في العراق، عقوبات بحق من يزوج من هم بعمر أقل من 15 عامًا خارج المحكمة، وهذه العقوبات تتراوح بين الحبس لستة أشهر أو الغرامة المالية ومقدارها ما بين 200 ألف ومليون دينار عراقي، إلا أن غياب التشديد في تنفيذ هذه المواد القانونية فسح المجال لعقد مثل هذه الزيجات.
وتتنوع حالات الطلاق ما بين طلاقات تجري داخل المحاكم وطلاقات خارجية تصدق في المحاكم المختصة فيما بعد.
ويشير مختصون، إلى خلل في قانون الأحوال الشخصية، وسط تحذيرات من سلب حقوق المرأة التي يتم طلاقها خارج المحاكم المختصة، ومخاوف من وجود أناس منتفعين في هذا الموضوع.
وتؤكد الباحثة الاجتماعية حنان الجنابي، أن “الزواج والطلاق خارج المحاكم تسلب فيه حقوق المرأة وواجباتها خصوصًا مع تسهيل إجراءات الطلاق خارج المحكمة”.
وتدعو الجنابي الأهالي إلى “التركيز على هذه النقطة المهمة حفاظًا على حقوق المرأة حيث أنه لا يحق لها بعد ذلك المطالبة بحقوقها والمستفيد الأول من هذا الطلاق هو المحامي والمأذون الذي يقوم بعملية الطلاق”.
وتبين أن “اللجوء للمحاكم هو الأفضل مع وجود ما يعرف بالباحثين الاجتماعيين المسؤولين عن تقريب وجهات النظر بين الرجل والمرأة في محاولة لإرجاع الأمور إلى طبيعتها”.

ظاهرة الطلاق تفاقم من مشاكل المجتمع وتتسبب بمزيد من الكوارث

وتحول الطلاق، في العراق إلى ظاهرة بحسب المختصين، بعد مساهمته في اتساع نطاق دائرة التفكك الأسري، وما ينجم عنه من مشاكل وأزمات اجتماعية حادة.
وتقول أستاذة علم النفس في جامعة بغداد شيماء عبد العزيز إن “الطلاق في العراق أصبح ظاهرة وأن الإحصائيات الحقيقية لحالات الطلاق تفوق المسجلة رسميًا، إذ أن الكثير من الحالات تكون في البيوت كأن يكون طلاقًا عاطفيًا وطلاقًا نفسيًا، وغير مسجلين في المحاكم”.
ويسلط حديث أستاذة علم النفس الضوء على ما يعرف بالطلاق الصامت الذي يرسم نهاية غير رسمية للعلاقات الزوجية، حيث يظل عقد الزواج ساري المفعول أمام الجميع لكنه مُنته بين ركنيه الرئيسين.
ويصف المحامي والناشط المدني رياض المدن بدوره الطلاق الصامت بأنه أسوأ صور العلاقات الزوجية لأنه يكشف عن حالة انفصال بين الزوجين لم تأخذ صفتها الرسمية بعد.
ويضيف المدن أن الباحثين يرون أن هذه الحالة ليست بالجديدة فهي موجودة في المجتمعات البشرية بشكلها الحديث إلا أن الجديد في الأمر هو تحول هذه الحالة إلى ظاهرة واتساعها خصوصًا في السنوات الأخيرة.
ويحذر خبراء اجتماعيون من أن ارتفاع حالات الطلاق سواء كان العلني منها أو الصامت ستفرز قنابل موقوتة، من أبرز نماذجها أطفال الشوارع، الذين هم في غالبهم ضحايا طلاق آبائهم، حيث يقعون بسهولة في فخاخ العصابات الإجرامية والدعارة والسرقة والتسول، وبيع الأعضاء البشرية والمتاجرة بهم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى