أخبار الرافدين
علي شندب

حرب الأنابيب الكبرى واختباء نصرالله خلف الدولة

في خطابه الاستباقي لزيارة المنسق الأمريكي لشؤون أمن إمدادات الطاقة الدولية، والمعروف لبنانيا بالوسيط الأمريكي في مفاوضات ترسيم الحدود مع “إسرائيل” أموس هوكشتاين، أزال زعيم حزب الله كافة المعوقات والعراقيل والالتباسات من أمام الرئيس ميشال عون المخوّل دستوريا بإبرام المعاهدات والتنازلات والاتفاقيات الدولية، ومؤكداً أنه وحزب الله لا يتدخلون لا من قريب ولا من بعيد في ملف الترسيم، ومع ما يقرره عون والدولة اللبنانية.
وفي خطابيه السابقين لزيارة هوكشتاين، طرأ على أداء نصرالله متغيرات شكلية يمكن وصفها بالإيجابية، منها ما يتعلّق بالنبرة الصوتية الهادئة رغم عصف المضمون، ومنها بالتمظهر بنوع من الوداعة والحلم، ومنها ما يندرج تحت بند النقد الذاتي عندما أدان هتاف محازبيه “شيعة شيعة شيعة” خلال اقتحامهم خيم المعتصمين في بيروت وغيرها، فضلاً عن بسط يديه ومدّهما بديلاً عن إصبعه التهديدي الذي خصّص بضعة دقائق عشية الانتخابات البرلمانية لشرح مفاعيله الاستراتيجية في إغاظة الأمريكيين ومواجهة الأعداء التكفيرين.
لكن العبارة المفتاحية التي كرّرها مراراً “نحن وراء الدولة ومع ما تقرره في ملف الترسيم” تبقى حجر الأساس فيما طرحه نصرالله، وهي العبارة التي شكلت ضابط الإيقاع الناظم لسلوك ميشال عون الذي “يستطيعون سحقه ولا يستطيعون الحصول على توقيعه” والذي وخلافاً لتوصيات وتقارير الوفد العسكري المفاوض اعتمد الخط 23 مع حقل قانا وليس الخط 29 الذي يجعل من حقل كاريش منطقة متنازع عليها.
ما يجعل تهديدات نصرالله ضد السفينة اليونانية “اينرجي باور” مجرّد صواريخ صوتية، قابلها جنرالات “إسرائيل” بقنابل صوتية حول تدمير لبنان. وبعد اعتماد عون الخط 23 بدا كلام نصرالله التهديدي ضد السفينة اليونانية عبارة عن دخول على خط اختطاف السفن المتبادل بين ايران واليونان في الخليج، ما يعني أن تهديدات نصرالله تأتي في سياق الأجندة الايرانية وليس اللبنانية.
ثمّة حاجة ملحّة لفهم معايير نصرالله التي تتجاوز الازدواجيات، ودائما ما تكون هذه المعايير في خدمة الأجندة الايرانية حصراً. ويشهد على ذلك مواقف وخطب نصرالله نفسه، الذي سبق ورمى الدولة اللبنانية بكلها وكلكلها في سلال المهملات عندما انخرط بعيداً عن الدولة ودون موافقتها في الحرب السورية، وأيضاً عندما انخرط في الحرب اليمنية، وايضاً في العدوان الكلامي والتهديدي ضد السعودية ودول الخليج، وقبلها في انخراطه وحزبه تحت راية الناتو في العدوان على ليبيا عام 2011. وكل هذه الانخراطات وليس الانزلاقات كانت في سياق الأجندة الإيرانية المرتكزة على التغول والتوغل في البلاد العربية منذ احتلال العراق وغزوه بالتخادم بين الولايات المتحدة وإيران.
وعندما ارتفعت الأصوات اللبنانية الاعتراضية وخصوصا منذ ثورة 17 تشرين 2019 على سلوك وأداء حزب الله وتحميله المسؤولية عن أسباب انهيار لبنان اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وتداعي قطاعاته التعليمية والطبية فضلاً عن بنيته التحتية والفوقية والتي فاقمها انفجار مرفأ بيروت الهيروشيمي لأبعد الحدود، بادر بوصفه السلطة الناظمة للسلطات الكارتونية الى ترهيب القضاء والتشكيك به واتهامه بالتسييس وكف يد قضاة التحقيق لتعطيل العدالة باسم تحقيق العدالة.
“نحن وراء الدولة ومع ما تقرره” عبارة نصرالله التي تلغي كل مفاعيل تهديداته ومقولاته النارية في قصف ما بعد ما بعد حيفا، انها العبارة التي لطالما أرفقها نصرالله بعبارة أخرى تقول بأن “المقاومة لم تكن في يوم من الأيام محل إجماع اللبنانيين”. لكنه بالأمس وفي سياق ادعائه التصدي للسفينة اليونانية في حقل كاريش، كان ملحّاً في تركيزه وطلبه تحقيق إجماع لبناني لمعالجة هذه المسألة الوجودية. فنصرالله يريد الإجماع الوطني عندما تقتضي مصلحة ايران ذلك، ويهمل هذا الإجماع الوطني ويرميه أرضاً عندما تقتضي مصلحة المصلحة الإيرانية العليا ذلك أيضاً، وقد أوردنا أعلاه خوضه الحروب في البلاد العربية ليس دون إجماع لبناني فحسب، وإنما في ظل رفض غالبية لبنانية وازنة له.
توازياً مع إيجابيات خطاب نصرالله الأخير، ومنها انشغاله بسنّ إصبعه، ينبغي التوقف عند إقراره بأن الولايات المتحدة تمنع شركات النفط ومنها توتال عن التنقيب في البحر اللبناني. وأيضاً عند الجواب المنتظر من مهندس أمن إمدادات الطاقة الدولية أموس هوكشتاين، وينبغي الإدراك أن الخريطة الجيواستراتيجية للمنطقة مرتبطة بحدود أنابيب الطاقة وممراتها الآمنة والتي تمأسس لأجلها “منتدى غاز شرق المتوسط” ومقره القاهرة والذي يضم قبرص واليونان والاردن و”إسرائيل” وفلسطين ومصر الذي ينتظر لبنان موافقة الادارة الأمريكية على استجرار الغاز منها عبر سوريا بعيداً عن عقوبات قانون قيصر.
منتدى غاز شرق المتوسط هو المعادلة الإقليمية الدولية الجديدة خصوصاً بعد الحرب الروسية الاوكرانية، وقد بات بمثابة طوق النجاة لاستنقاذ اوروبا من ابتزاز غاز روسيا المسيّل بالروبل الروسي وفقا لقرار بوتين. إنّها المعادلة التي تنفي أهمية غاز لبنان إذا ما سمح باستخراجه بعيدا عن منتدى غاز شرق المتوسط وضمناً التطبيع مع “إسرائيل” كما عرضه موفد اوروبي رفيع مع ميشال عون، وهذا ما يرفضه لبنان الرسمي فضلاً عن حزب الله حتى الان.
لكن القاطرة الدولية للأنابيب ستعمل وفق مقتضيات المصالح الاستراتيجية الدولية على إزالة العوائق مهما كبرت أمامها، ومن هنا يشكل العدوان الإسرائيلي على مطار دمشق الدولي وإخراجه من الخدمة مؤشراً خطيراً على تغيير خطير في قواعد الاشتباك عبر إسقاط أحد أبرز الخطوط الحمراء، والتي قد تتجحّظ معالمها أكثر خلال جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الاضطرارية الى المنطقة التي كل شيء فيها يشي باندلاع حرب الأنابيب الكبرى.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى