أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

لماذا تباطأت حركة القوات الروسية في أوكرانيا؟

ستخضع الحرب الروسية الأوكرانية للدراسة والنقاش بين العسكريين والاستراتيجيين في مختلف أنحاء العالم ولزمن طويل باعتبارها الاختبار الأول والأكبر لنظريات الحرب ومفاهيم إدارتها الاستراتيجية ولاستخدام الأسلحة الأحدث منذ معارك الحرب العالمية الثانية بعد أن تنتهي الحرب ويتوقف دوران آلات الحرب النفسية، التي تملأ الإعلام بالأكاذيب.
سيعكف الخبراء على دراسة حقائق ووقائع ما جرى، لاستخلاص الدروس واستنباط المفاهيم الجديدة وتحديد ما استجد من خطط، وما ظهر من استخدام الأسلحة الأحدث خلال الحرب، وكل ذلك، استعدادًا للحرب القادمة.
تبدأ الحروب الجديدة دومًا باعتماد ما سبق اكتسابه من مفاهيم وخبرات في الحروب السابقة ليس فقط على صعيد التكتيكات وحركة القوات واستخدامات الأسلحة، بل أيضًا على صعيد الإدارة الاستراتيجية للحرب.
وخلال الحرب الجديدة يجري استكشاف المواقف والتغييرات الاستراتيجية والأسلحة والتكتيكات، واعتماد ما هو جديد.
وفى هذا المجال ستحظى الحرب الروسية على أوكرانيا بأهمية غير مسبوقة، فهي الحرب التي توفرت لها كل أسباب التوسع ونقل الاقتتال لدول الجوار لكن الرادع النووي منع هذا التطور وهي الحرب الأولى التي تجرى كاملة تحت رقابة الأقمار الصناعية التي تصور مجرياتها دقيقة بدقيقة، بما قلص من تأثير عنصر المفاجأة وطرح مفاهيم جديدة حول حركة القوات. وهي حرب تشهد استخدام أنواع جديدة من الأسلحة، مع بالغ الحذر حتى لا تفقد الجيوش عنصر المفاجأة إذا توسعت الحرب.
ولعل السؤال الذي ستتوقف أمامه الدراسات والبحوث طويلًا هو لماذا تباطأت حركة تقدم الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية؟ هل كان ذلك مقررًا وفق خطة استراتيجية مسبقة أم أن الجيش الروسي غير استراتيجيته من إحراز نصر سريع إلى الحركة البطيئة المتدحرجة تحت ضغط خطة الخصم وتصاعد عمليات تسليحه؟
الجيش الروسي يتقدم بشكل بطيء لا يتناسب مع ما هو متوقع من جيش هو الثاني في العالم.
هذا ما قيل طوال الوقت حتى أن هناك من عقد مقارنة بين حركة القافلة العسكرية الروسية التي امتدت -حسب الاستخبارات الغربية- على مسافة 60 كيلو مترًا في طريقها لحصار العاصمة الأوكرانية كييف والقافلة الألمانية التي زحفت على فرنسا في عام 1940 وبلغ طولها 250 كيلو مترًا. وقيل إن القافلة الروسية كانت بطيئة ولم تحقق هدفها، فيما كانت القافلة الألمانية سريعة الحركة وحققت أهدافها.
وقد تصاعد الاهتمام بإجابة السؤال، بعد أن تأكد اعتماد القوات الروسية نمط التقدم البطيء في العمليات العسكرية في شرق أوكرانيا أيضًا وفي تفسير هذا الإبطاء، جرى تداول أسباب كثيرة ومتضاربة. قيل إن القوات الروسية تحركت نحو كييف بتلك القافلة لتثبيت وتشتيت القوات الأوكرانية واكتشاف نواياها عبر تهديد العاصمة وقيل في المقابل، إن المقاومة الأوكرانية كانت قوية لدرجة إفشال الهجوم الروسي على العاصمة، وإن المقاومة الأوكرانية كانت مهددًا دائمًا على أجناب حركة القوات الروسية، بما أبطأ حركتها وفرض عليها الحركة بحذر. وقيل في المقابل إن القوات الروسية أرادت الحركة البطيئة لدفع الخصم للهجوم، بما يضاعف خسائره ويجبره على كشف مواقعه.
وقيل إن الجيش الروسي افتقد القدرة اللوجيستية اللازمة والمتناسقة مع حركة القوات، وأن القوات الروسية اعتمدت في مسيرها الربط بين قوافل قواتها في كافة المحاور، فإن تأخرت قافلة في محور، تأخرت حركة القوافل الأخرى، وأن القوات الروسية فشلت في توظيف الاستخبارات بما تسبب في قلق القوات وحذرها من التقدم السريع.
وقيل الكثير، كل ذلك قد يختلف حين يعكف الخبراء على دراسة تلك الحرب. سيعزل الخبراء ما رددته آلات الحرب النفسية من الطرفين، ويركزون البحث على الأسباب الحقيقية.
لكن ما يبدو لافتًا الآن أن بعض الدراسات الغربية باتت تتحدث بشكل مبكر عن تفسيرات لتلك الظاهرة. تحدث بعض الخبراء عن أن بطء حركة الجيش الروسي، كان خيارًا استراتيجيًا مسبقًا، إذ قررت القيادة الروسية أن الحرب ستجري اقتصاديًا وسياسيًا وديبلوماسيًا وسيبرانيًا مع الغرب، فيما يقتصر دور الحرب العسكرية على الأرض الأوكرانية على إدارة عجلة الصراع واستكشاف آفاق تطوره. وأن هدف كسب الحرب ضد الجيش الأوكراني سهل المنال، وأن التحسب واجب لاحتمال تدخل الأطلنطي وهو ما يتطلب الحذر وعدم الزج بأعداد كبيرة في المعارك الجارية وأن هدف الحرب هو إحداث تغيير استراتيجي على الصعيد الدولي وليس إحراز نصر سريع على أوكرانيا، وهو ما يتطلب إطالة أمد فترة إطلاق النيران لاكتشاف النوايا الاستراتيجية للغرب.
وتحدث خبراء آخرون عن أن خوض الحرب ببطء في أوكرانيا، فرضته خطة الجيش الأوكراني، الذي اعتمد خطة التفرق والتوزع وتحاشى الدخول في نمط الحرب التقليدية وأن الجيش الروسي وجد نفسه مجبرًا على المسير لمسافات طويلة بين المدن دون قتال، إذ تمترس الجيش الأوكراني عند نقاط الدخول الاستراتيجية للمدن، لإجبار الجيش الروسي على خوض حرب المدن.
باختصار يقول هؤلاء إن البطء كان ضروريًا لعدم الوقوع في فخ خوض حرب عصابات منظمة، كان الجيش الأوكراني قد استعد لها برعاية حلف الأطلنطي، لإنهاك الجيش الروسي.
ما الحقيقة؟ الحقيقة في انتظار دراسات ما بعد انتهاء الحرب.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى