أخبار الرافدين
كرم نعمة

الخاطفون يقودون مركبة العراق

سأقتبس من جيريمي باكسمان توصيفه اللافت وهو يعلق بحس سياسي متهكم على خروج بوريس جونسون من قيادة حزب المحافظين البريطاني، “عندما استولى بوريس على مقود المركبة ثم أسقط البريطانيين في حفرة”.
باكسمان كان أحد أهم المحاورين لكبار السياسيين في “بي بي سي” في برنامجه الاخباري الشهير “أخبار الليلة”، قبل أن يتفرغ منذ سنوات لبرنامج يهتم بالطلبة الاذكياء في الجامعات البريطانية.
ذلك الحس الساخر لباكسمان يمكن توظيفه على المشهد السياسي التعيس في العراق، فليس لدينا مثل البريطانيين، بوريس استولى على المقود ليسقطهم في الحفرة، بل هناك مجاميع من لصوص دولة، لم يكتفوا بقيادة العراق المخطوف الى الهوة الآسنة، وإنما سلبوا قبل ذلك أموال العراقيين برمتهم.
كتب أحد الزملاء بعد أسابيع من احتلال العراق، أن الغزاة الأمريكيين، لم يفعلوا أكثر من فتح غطاء “السبتتنك”! وفق نصيحة سيء الذكر كولن باول لجورج بوش الابن عند اجتياح القوات الغازية لبغداد “قسّم كي تُسيطر”.
المحنة تكمن في أن المركبة العراقية لم تنته في السقوط بالهوة الآسنة، بل لازال يتشبث بها اللصوص أنفسهم، بينما فكرة التقسيم وفق سياسة باول وبوش، قائمة طائفيا وقوميا وقبليا، في عقول خاطفي الدولة، من أجل الاستمرار في عملية سرقة العراق.
هناك كلام كثير عن كل الأسماء التي يتم تداولها اليوم بشأن تشكيل الحكومة مع أن جميع تلك الأسماء ميتة سياسيا، وإن كانت تظهر على شاشات التلفزيون.
كل السياسيين في العالم يعملون لإخفاء ضعفهم أمام الجمهور، وعند إطلاق أسئلة الصحفيين كسهام محرجة باتجاههم. غير ان هناك جثث سياسية في العراق لا تملك شيئا لأثبات أنها على قيد الحياة، فكيف بها الدفاع عن ضعفها!
استخدم باكسمان تعبير “الخنزير الصغير المدهون” في توصيف جونسون لكن مزرعة الحيوان السياسية في العراق أكبر من أن تقتصر على خنزير واحد. لم ننس بعد إبراهيم الجعفري، الذي كان يلعب دور الأحمق بينما يريد من العراقيين أن يأخذونه على محمل الجد.
كتبت قبل سنوات عن القطط الميتة التي تحكم البلاد. واليوم تريد نفس تلك القطط استمرار المأتم السياسي العراقي عندما لا يعتقد نوري المالكي مثلا، بموته ويعود للترشح لرئاسة الحكومة، لا أحد يرى في المالكي حيّا سياسيا بما في ذلك إيران، إلا المالكي نفسه.
القنفذ الذي يصر على البقاء بشجاعة الرافض للعودة إلى جحره، سيبقى مفضلا عند الانتهازيين والأميين على حد سواء، لأنه لم يحدث أن كان هذا القنفذ بأشواكه القاتلة عسير الفهم على الناس، منذ أن دفع به زلماي خليل زاد إلى منصة الحكم. تعلم بمهارة طريقة الكذب السياسي وفق تقيّة الطائفيين. هناك لورد القتل هادي العامري يرى في نفسه أنه ينبض بالحياة في المأتم السياسي المتواصل، ويعبر بصلافة قل نظيرها عن طموحة في رئاسة الحكومة وفي “حصة المكون” في العراق الذي يدار من إيران.
يا للازدراء عندما ينتظر العراقيون مرة أخرى قنفذ بجلد شوكي سام لا يحمله إلا هادي العامري.
أحد أصعب الأسئلة في علوم السياسية اليوم مصدرها العراق، أنه أصعب من أن تجيب عليه كل النظريات السياسية، عندما نسأل من هو السياسي بالضبط، وكيف يتم اختياره لتشكيل الحكومة؟ بمجرد أن نعرف ان المالكي والعامري يطمحان لرئاستها! هذا الطموح موجود أيضا عن الميليشياوي المحترف قيس الخزعلي، الأمر الذي يزيد من صعوبة الإجابة، إن لم يتحول عندها سؤال من هو السياسي في العراق إلى نوع من اللغو والعبث.
كم يشارك العراقيون في هذا اللغو، عندما ينشغلون بتفسيرات تصريحات المالكي والعامري والخزعلي والصدر، بينما في حقيقة الأمر اننا منذ تسعة عشر عاما أمام جثث ميتة تريدنا أن نصدق أنها على قيد الحياة.
الأمر ميؤوس منه عندما يكون هناك سبب للاعتقاد عند البعض، أن المالكي أو أحد الذين يخرجون من تحت “دشداشته” الطائفية القذرة، سيكون رئيسا للحكومة، إذ لم يعد بمقدور قدر الضغط الكاتم تحمل المزيد قبل الانفجار. قد لا يطول ترقب الانفجار كثيرا.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى