أخبار الرافدين
محمد الجميلي

جمعة مقتدى.. صلاة أم قطع صلات؟

انتهت صلاة الجمعة التي دعا لها مقتدى الصدر اليوم في الخامس عشر من تموز، وشارك فيها أتباعه من جميع المحافظات، وقد خصص بيانه فيها للهجوم على مناوئيه في كتلة الإطار، بوصفه لهم ممن لا يحسن الظن بهم، ودعوته لهم لتشكيل حكومة إن استطاعوا، وبدون المالكي، بإشارته لجريمة سبايكر التي يجعلها هو وغيره برقبة المالكي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة حينها.
والسؤال الطبيعي: لماذا دعا مقتدى لصلاة الجمعة هذه؟ هل هو “استعراض عبادي لا مثيل له” فحسب، كما وصفه أبو مصطفى الحميداوي مسؤول سرايا السلام، وهو الاسم الذي يطلق على مليشيات مقتدى التي كانت تسمى بجيش المهدي، وذات السجل القذر في التصفيات الطائفية، أم أن في الأمر زوايا أخرى؟
وللإجابة على هذا السؤال، لابد من توطئة تأريخية بين يدي المقال.
بدأ محمد محمد صادق الصدر والد مقتدى بصلاة الجمعة في زمن النظام السابق، وكانت أول صلاة جمعة له في جامع الكوفة في نيسان 1998 وصلى خمسة وأربعين جمعة قبل اغتياله ونجليه في النجف يوم 19 شباط 1999، ولا يتصور أن صلاة الجمعة من قبل محمد الصدر كانت أمرا عاديا، لأنه بحسب فتاوى مرجعية النجف لا تجوز صلاة الجمعة إلا في ظل إمام عادل، وكانت هذه إحدى جبهات الحرب بين الصدر ومرجعية النجف، والتي اتهم بسببها بأنه عميل لنظام صدام حسين، وأنه يعتقد به حاكما مسلما عادلا، ولكنه أخرج نفسه من هذه التهمة ليدخل في جبهة حرب أخرى مع ولاية الفقيه في إيران المتمثلة بمرجعية خامنئي، الذي يعد نفسه الولي الفقيه للشيعة في العالم، حين طرح نفسه كولي فقيه وأمر بإقامة صلاة الجمعة.
يتحدث أتباع الصدر عن جبهة أخرى كان يخوضها مع نظام صدام حسين، ولكن مصادر -كانت قريبة من النظام السابق- تؤكد دعم النظام له، وتسهيل نشاطاته الاجتماعية والعلمية، حتى أنه أعفى أولاده وطلابه من الخدمة العسكرية، وسمح له بإصدار مجلة الهدى عام 1997، وكل ذلك -تقول هذه المصادر- بمثابة دعم له ليكون مرجعا عراقيا، أمام السيستاني الإيراني، والفياض الأفغاني، وبشير النجفي الباكستاني، وغيرهم، فلم يكن بين المراجع من يحمل الجنسية العراقية غيره ومحمد سعيد الحكيم، وهذا الأخير من آل الحكيم الناشطين في المعارضة خارج العراق، فلم يكن ضمن أولويات النظام السابق، وحتى حادثة اغتياله ونجليه، وإن برأ مقتدى إيران منها مؤخرا، واتهم النظام السابق بها، فإن الشكوك تبقى كبيرة حول مسؤولية خامنئي وأذرعه عنها للأسباب أعلاه.
إن صراع محمد الصدر مع مرجعية النجف قبل الاحتلال وبعده معلوم مشهور، فقد كان يسميها الحوزة الصامتة، ويصف نفسه بالحوزة الناطقة، وكان يسمي المرجع بشير النجفي ببشير الباكستاني، وكان يراها طبقة برجوازية تتصرف بالمليارات لمصالحها الخاصة، فيما لا يصله منها إلا النزر اليسير، لذلك اتجه لطبقة الكادحين والفقراء وتقرب منهم واستقطبهم، وحادثة مقتل عبد المجيد الخوئي نجل المرجع أبي القاسم الخوئي بعد يوم واحد فقط من احتلال بغداد، قضية مسجلة لدى القضاء واتهم فيها مقتدى نفسه بالتحريض على قتله.
لا يستبعد أن يكون محمد الصدر شرع بإقامة صلاة الجمعة على خلفية الخلاف الكبير مع مرجعية النجف والولي الفقيه في إيران، ساعيا ليكون المرجع المعتمد في النجف، وليس مناكفة للنظام السابق، بل فعل ذلك بسبب خلاف داخلي شيعي شيعي، ويفعل ذلك مقتدى اليوم أيضا، للسبب نفسه، بعد أن منعوه من تشكيل الحكومة كما أراد، وصادروا منه ورقة الكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات، لذلك عاد لاستخدام هذه الورقة المهمة، رافعا صورة والده على منصة الخطابة، وفي أماكن تجمع المصلين، وهو وإن ذكر مرجعية النجف بما يشبه المدح في خطبة اليوم، إلا إنه يعدها مسؤولة عن الانسداد السياسي، والفشل الشيعي في إدارة الحكم، بتذكيره بعبارة المجرب لا يجرب التي قالتها المرجعية، ثم سكتت عندما تم التجريب مرة أخرى، وهو يراها في الحقيقة داعمة لهم ومؤازرة لتسلطهم، فيما يرى نفسه زعيم الإصلاح، مع أنه مشارك في العملية السياسية منذ البداية، ومطالبته لمناوئيه في الإطار، بطلب العفو من المرجعية، فيه إشارة لمسؤولية المرجعية وإحراج لها.
تدلل خطوة مقتدى بإقامة ما سماها صلاة الجمعة الموحدة، على أن ورقة الشارع ستكون حاضرة بدرجة أكبر في الأيام القادمة، وأن انسحاب كتلة مقتدى من البرلمان، سيعقبه عمل وضغط في الشارع، وهو سلاح يتفوق به مقتدى على خصومه في الإطار، ويريد مقتدى أن يفرض شروطه ليس في تشكيل الحكومة كما ذكر في البيان، وإنما في إعادة الاعتبار لتصدره في الانتخابات، بعد فشلهم في تشكيل الحكومة من دونه، وهذا لا يتوقعه فحسب، وإنما يعمل عليه بجد، فهذه غايته من تجميع هذه الحشود.
وأما مغازلة رفاقه من سنة العملية السياسية في تحالف وطن قبل انسحابه منه، وحديثه عن حماية المحافظات المنكوبة والتي سماها المحررة، من تسلط الحشد، وتصفيته من العناصر غير المنضبطة، فهذا قول لا يكلف صاحبه شيئا، ولا يتوقع أن يقوم الحشد الذي أصبح مافيا اقتصادية، وأخطبوطا تمتد أذرعه إلى كل مفاصل الدولة، أن يتنازل عن المليارات بهذه البساطة، ولو كان مقتدى صادقا في طلبه، لأمر بسحب مليشيا سرايا السلام التي تتبعه من المناطق التي وصفها بالمحررة، ولكنها مناكفات لتحقيق مصالح سياسية.
الخلاصة أن ما جرى اليوم حلقة جديدة من مسلسل الصراع بين الأحزاب الشيعية الحاكمة، حول من يستأثر بالغنيمة الأكبر في السلطة، ولا علاقة له بتحقيق مصالح الشعب من قريب أو بعيد، لأن غالبية الشعب قاطعوا الانتخابات، ولم يشارك فيها سوى نسبة ضئيلة من المحسوبين على أحزاب الخراب والمستفيدين منهم، ولا خلاص دون هبة للشعب يشرب فيها الشاي السيلاني في قلب المنطقة الخضراء.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى