أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

ما وراء قرار روسيا وقف نشاط الوكالة اليهودية

أصدرت وزارة العدل الروسية قرارًا بوقف جميع أنشطة الوكالة اليهودية في الأراضي الروسية. وهو ما تسبب فورًا في وقف عمليات هجرة اليهود من روسيا إلى الكيان الصهيوني، إذ كانت تعاني أصلًا من ارتباك بسبب العقوبات المفروضة على حركة الطيران من روسيا وإليها ولذلك ثارت ثائرة الحكومة الصهيونية، إذ الوكالة لم تلعب الدور الأساس في نشأة الكيان فقط، بل هي ذراع الصهيونية في أعمال الهجرة للكيان الصهيوني من جميع دول العالم منذ تأسست في عام 1908 وحتى الآن، باعتبارها الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية العالمية. فماذا عن أسباب القرار وماهي نتائجه؟
لقد حاولت الوكالة اليهودية في روسيا التخفيف من الصيغة القانونية للقرار لقد أطلقت تحذيرات مشددة عن أثر القرار على هجرة اليهود من روسيا لكنها تحدثت أيضًا عن عملية جارية لتوفيق أوضاعها ووصفت القرار بالإجراء غير النهائي. وفى المقابل، جاءت الأنباء والتصريحات الصادرة عن المسؤولين والصحافة الصهيونية صاخبة وقد أجمعت على أن القرار يمثل تطورًا خطيرًا. ومع الوقت اتضح أن القرار سياسي وليس مجرد قرار إجرائي، وأنه صدر على خلفية تراكم تضارب واختلاف المواقف بين روسيا والكيان الصهيوني.
لقد أشير في دواعي القرار –حسب الإعلام الروسي- إلى أن ما تقوم به الوكالة من جمع معلومات عن مواطنين روس يمثل اختراقًا للسيادة الوطنية الروسية، وهو سبب لم يقنع الكثيرين إذ إن وجود ودور الوكالة في روسيا قديم، كما أن ما تقوم به هو نشاط معروف، وهي لا تجمع معلومات فقط، بل تدير عددًا من البرامج التعليمية للأطفال اليهود في روسيا وبرامج لإعادة اليهود إلى الكيان الصهيوني تحت عنوان إعادة الشباب إلى “الوطن”.
تلك البرامج كانت تجري دون اعتراض من السلطات الروسية لنحو 30 عامًا متصلة، وفي مختلف المدن الروسية لا في موسكو وحدها. كما أن دور اليهود في روسيا هو دور مشهور ومعلوم منذ زمن قديم، إذ سمح القياصرة الروس لهم بالعمل والنشاط دون عوائق، حتى أنه كان لليهود دور فاعل حتى في الحزب الشيوعي الروسي خلال ثورة اكتوبر 1917.
وقيل إن القرار جاء ردًا على القصف الصهيوني لمطار دمشق الدولي، إذ صدرت عن وزارة الخارجية الروسية تعبيرات لم يسبق ورودها في مواقفها السابقة بشأن القصف المتتالي للطيران الصهيوني. قالت الخارجية الروسية إن القصف غير مقبول وطالبت بوقفه دون شروط. ويمكن الإشارة أيضًا إلى النزاع بين الحكومتين الروسية والصهيونية، حول نقل ملكية مجمع مزرعة الإمبراطور ألكسندر في القدس المحتلة إلى الاتحاد الروسي كأحد دواعي القرار الروسي. كانت موسكو قد أبلغت الكيان الصهيوني بضرورة نقل الملكية في عام 2015، فماطلت الحكومات الصهيونية حتى عام 2020، ثم استجابت لقرار نقل الملكية، غير أن سجل العقارات في وزارة العدل الصهيونية استأنف الحكم أمام المحكمة، التي أصدرت حكمًا بإحالة القرار إلى لجنة حكومية خاصة وهو ما استوجب ردًا روسيًا بالتضييق على النشاط الصهيوني على الأرض الروسية.
وربما يمكن القول أيضًا إن روسيا تأخذ إجراءات استباقية لمواجهة احتمالات تهريب ثرواتها إلى الخارج في ظل الظروف المضطربة حاليًا، غير أن العامل الظاهر بجلاء هو ارتباط صدور القرار بتوتر العلاقات الروسية مع الكيان الصهيوني على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، إلى درجة يمكن القول معها، إن السلطات الروسية أصدرت القرار كرد فوري على تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني الجديد يائير لبيد، الذي تحدث قبل صدور القرار مباشرة عن جرائم حرب ترتكبها روسيا في أوكرانيا، وكرد مباشر أيضًا على ما قيل عن عرض الكيان الصهيوني إرسال منظومات إسقاط الصواريخ قصيرة المدى “القبة الحديدية” إلى أوكرانيا، وعلى ما تردد عن وجود مقاتلين صهاينة على الأرض الأوكرانية.
وفى كل ذلك فالأهم والدلالة العامة، أن هذا القرار هو بداية لإعادة اليهود إلى ما كانوا عليه خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حين كان ينظر لهم كورقة من أوراق الصراع الدولي. وهو يعيدهم إلى تلك الحالة في وقت دخل فيه الصراع الدولي مرحلة بالغة الخطورة. وفي ذلك يبدو ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من إن هتلر كانت تجرى في عروقه دماء يهودية، مؤشر مهم على هذا التحول في النظر لأوضاع اليهود دوليًا.
لقد صدر القرار الروسي على خلفية مواقف تتعلق بصراع دولي يشتد أواره لإعادة صياغة التوازنات الدولية وإعادة بناء النظام الدولي، وهو يأتي على خلفية اشتباك كبير وخطير بشأن اليهود والنازية ونتائج الحروب العالمية والأوضاع في أوروبا وسوريا وفلسطين.
ولذلك يمكن القول، إن تعطل خروج أعداد من اليهود، ليس الأهم والأخطر في القرار وإن روسيا تسعى لتحقيق استقلالها الآن بإنهاء الاختراقات الغربية في داخلها ليس على صعيد الاقتصاد فقط، بل على صعيد أمنها القومي الداخلي أيضًا. وإن القرار ليس موجهًا فقط لعقاب الكيان الصهيوني، بل لمواجهة دور اللوبي الصهيوني داخل روسيا، باعتباره أحد أدوات الصراع الدولي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى