أخبار الرافدين
كرم نعمة

إستراتيجية أم القرى الإيرانية غابت عن قمة جدة

كان المسؤولون الإيرانيون، يسترخون على أرائكهم، بينما لم يرد اسم إيران في البيان الختامي لقمة جدة للأمن والتنمية، غير مرة واحدة. مع أن كل المؤشرات كانت تُجمع على أن السعودية توعدت بأن تفتح هذا الملف على سعته على طاولة الرئيس جو بايدن.
واحد من أهم المؤشرات رفعُ السعودية إلى أولوياتها، نظرية قمّ الإيرانية باعتبارها أم قرى العالم الإسلامي، وفق الطموح السياسي لولاية الفقيه، بعد تهاون إدارة بايدن حيال مشروع الهيمنة الإيرانية على المنطقة.
ليس بعيدا عن ذلك، أن خلية حزب الله الإيرانية في الكويت، كانت أخطر على السعودية والبحرين بقدر خطرها على الكويت، التي منعت قبل أسابيع التداول الإعلامي لكل ما يمت بصلة لهذه الخلية!
مؤشران لا يمكن الاستهانة بهما سياسيا، بإن الخطر الإيراني على السعودية، مستمر وقائم بأكثر مما يمكن التعامل معه بسياسة ارتداء القفازات البيضاء. دعك من الخنجر الحوثي في الخاصرة السعودية، والميليشيات الولائية على حدودها الشمالية في العراق. إيران تمثل خطرا على السعودية اليوم أكثر من أي وقت مضى. أدركَ ذلك الأمير محمد بن سلمان الذي نبه من هذا الخطر بعد أسابيع من توليه ولاية العهد، لذلك كان يدرك أهمية وأولوية فتح هذا الملف على سعته، مع الرئيس بايدن الذي استخفت إدارته أكثر مما ينبغي في التعامل مع إيران.
ورغم حديث بايدن عن التزام الولايات المتحدة بحماية شركائها ودورها في حماية ممرات التجارة البحرية والدفاع عن أمن “الحلفاء” والتعريج على التصدي لتهديدات إيران وكبح طموحاتها النووية، لكن هذا كلام دبلوماسي بمسحة عاطفية، تدرك طهران عدم إمكانية تصريفه في سوق السياسة الحازمة، لذلك جلس منظروها يترقبون باسترخاء نتاج قمة جدة للتنمية والأمن، وأكثر ما فعلوه خولوا مسؤولا من الدرجة الثانية للرد على البيان الختامي بقوله إن الولايات المتحدة تستخدم سياسة “الخوف من إيران” لإثارة توتر إقليمي خلال زيارة الرئيس جو بايدن للشرق الأوسط.
باستثناء الضجيج الإعلامي عن قضية الصحفي القتيل جمال خاشقجي ما بين ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي، لا نعرف كثيرا ما دار بشأن الملف الإيراني، وحتى وسائل الاعلام الأمريكية لم تهتم كثيرا بشأن إيران في قمة جدة، بل ذهبت بعيدا في توصيفات أدبية تُشبه الأمير محمد بن سلمان بكمال أتاتورك وشاه إيران السابق.
ألا يدفع كل ما جرى في قمة جدة إلى وصف ما وصلنا لحد الآن بشأن خطر إيران على دول المنطقة، أكثر من الخيبة.
يكفي أن نتأمل دعوة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بعد انتهاء القمة بمد يد بلاده إلى إيران للوصول إلى علاقات طبيعية، مشيراً إلى “أن المحادثات التي جرت مع إيران إيجابية لكنها لم تصل لنتائج”.
الأهم من ذلك اعتراف الأمير فيصل بعدم وجود أية رسائل من إيران إلى قمة جدة، والإشارة إلى وجود تنسيق بين الولايات المتحدة والعرب بخصوص التعامل مع إيران، مشدداً على أنه “أصبح واضحا أن من أراد أن يكون له أجندة عالمية فعليه التحدث مع السعودية”.
وفي كل ذلك لا أحد يشك من كل زعماء قمة جدة بالخطر الإيراني على بلدانهم، لكن الاتفاقات القلقة مع النظام الثيوقراطي في طهران، كما تدعو إليه بعض الأصوات الخليجية، ليس بديلا دائما، ولا مانعا للضرر الإيراني المستمر والمتصاعد على الخليج العربي حتى سواحل المتوسط في بلاد الشام، لأنه في لحظة ما ينفجر قدر الضغط الكاتم وتتلبد الأجواء.
سيكون هذا أسوأ استخفاف بالتاريخ عندما يأمل سياسيون عرب بنجاح سياسة “صفر مشاكل مع إيران” لأنه لا يمكن أن يوجد مثل هذا الأمل بوجود نظرية “أم القرى الشيعية” التي أعلنها ومهد لها محمد جواد لاريجاني، أحد كبار مستشاري خامنئي.
هناك حد لمقدار ما يمكن أن تتعلمه دول الخليج العربي مما حدث منذ عام 1990 وما بعده، فالخطر الإيراني عليها أكبر من حصره داخل العراق أو في جنوب لبنان أو بمساحة ضيقة بصنعاء يسيطر عليها الحوثيون.
الحق، من الأهمية بمكان أن دول الخليج العربي أوصلت الرسالة السياسية الى واشنطن بأن عليها التوقف عن الاعتقاد أن بلدان هذه المنطقة مجرد محطة وقود للتوقف عندها. لكن على دول الخليج أيضا أن توصل الرسالة السياسية الأقوى بأن شعار الخميني “تحرير القدس يبدأ من كربلاء” يجب أن ينهيه العراقيون أولا بإرادتهم الوطنية، وعلى إيران ألا تضع في طموحها استبدال كربلاء بمدن مكة المكرمة والبحرين…

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى