أخبار الرافدين
كرم نعمة

40 مئوية كسرت النفاق الاجتماعي الإنجليزي

لم يعد الكلام المتهكم للعراقيين عن قلي البيض على شمس تموز، ذا أهمية حيال اللهيب الحقيقي الذي يعيشونه تحت وطأة الطقس الساخن، فقلي البيض بأشعة الشمس اللاهبة مرحلة متأخرة، وربما يصلون في يوم ما إلى شواء اللحم!
كان القاص الموصلي الراحل حمد صالح يكتب عن “شمس تموز المغموسة في جهنم، والعياذ بالله” ولكن هناك “جهنم” تحاصر العراقيين في الطقس والسياسة والكرامة المهدورة وطبيعة الحياة اليومية، ولا أحد يبالي بهم اليوم، فكيف نطالب باستراتيجية لمستقبل بلاد تعيش التصحر والجفاف والتلوث البيئي والتغير المناخي.
حديث الطقس والحر اللاهب وصل إلى درجة قاتلة ليس في دول مشرقنا العربي، فبلاد الدم البارد سخنت، وكسرت درجة حرارة 40 مئوية كل النفاق الاجتماعي في الشخصية الإنجليزية، التي كانت تبدأ حديثها صباح كل يوم بالطقس والتذمر من البرودة ورمادية السماء، لكن وبعد “يوم واحد فقط من أربعين مئوية” صار أولئك الذين كانوا يكررون نفس الكلام عن رمادية الطقس يبحثون عن ظل هربًا من شمس لندن القاتلة!
لقد أصبح الطقس حارًا بما يكفي ليقتل، هكذا اختارت وكالة بلومبرغ، عنوانها لتعالج معضلة الطقس الجديدة القديمة.
يقال إن عالم الأحياء البريطاني جون هولدين نزل في العام 1905 مئات الأمتار إلى منجم للقصدير ليكتشف ما إذا كان بإمكانه طهي الطعام بحرارة المنجم. لكنه توصل إلى نتيجة كانت طبيعية ولم تعد كذلك، أن جسد الإنسان ليس بمقدوره تحمل أكثر من 31 درجة مئوية!
ومهما يكن من أمر بشأن صحة تلك القصة المتداولة، فإن نسبة كبيرة من الباحثين اتفقوا على أن البشر لديهم قدرة غير عادية على تحمل الحرارة الجافة. لكن لا أحد منهم زعم بأن هذا التحمل يصل إلى نفس المعدل من الحرارة الرطبة، كي لا يوصف بالغباء.
لم تتغير هذه النتيجة بشكل كبير على مر السنين منذ ذلك الحين، لكن مناخنا هو من تغير. وصار الطقس عبئًا على حياتنا، بل ثمة توقعات رهيبة عن مدن عربية ستصبح غير قابلة لعيش البشر بعد خمسين عامًا!
فقد انضمت مدن في الشرق الأوسط إلى نادي 50 درجة مئوية في أقسى موجة حرارة بمثل هذا الوقت من السنة في التاريخ المعاصر.
ووصلت درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية في سويحان، وهي بلدة صغيرة تقع شرق العاصمة الإماراتية أبوظبي. بينما وصلت إلى نفس المعدل في مدينة أميدية جنوب غرب إيران. منطقة الجهراء في مدينة الكويت انضمت إلى قائمة الخمسين درجة مئوية مثل بلدة السنينة الصحراوية شمال سلطنة عمان. كما هي حال درجة الحرارة في منطقة سيبي وسط باكستان.
لا يقتصر حال شمس تموز اللاهبة على مدننا العربية، فبحلول منتصف حزيران، كان ما يقرب من ثلث سكان الولايات المتحدة يخضعون لتحذير من الحرارة، ولم تجد بعض الدوائر البريطانية بُدًا من إيقاف العمل، بمجرد أن ارتفع المؤشر إلى أربعين مئوية.
كانت الحرارة فوق 35 درجة مئوية تحدث بالفعل في بلدان الخليج العربي والبحر الأحمر إلى باكستان والهند وأستراليا وفنزويلا وكل ساحل من المكسيك.
وارتفعت درجات الحرارة فوق العتبة التي حددها هولدين قبل مائة عام والبالغة 31 درجة مئوية، في عشرات المدن بجنوب شرق آسيا الاستوائية والصين وغرب إفريقيا وجنوب أوروبا والأمريكيتين، وتمتد إلى ضواحي نيويورك ونابولي بإيطاليا.
وهكذا نقترب كل عام من نقطة التحول حيث تتعرض مساحات شاسعة من الكوكب لدرجات حرارة خطيرة. تكمن المشكلة في أنه ليس لدينا سوى القليل من المعلومات حول مدى قربنا، بسبب رداءة جودة البيانات، من الحدود القصوى اليومية للحرارة الجافة والرطوبة القاتلة.
كان العلماء على دراية بمدى سرعة ارتفاع المخاطر. وكانت السيناريوهات التي يمكن أن تتسبب فيها موجات الحرارة الرطبة في وفيات جماعية موضوعًا للتنبؤات المناخية بعيدة المدى التي تمت مراجعتها قبل أن يستثمرها الخيال العلمي في الأفلام.
هناك “سقف ظاهري” للحرارة الرطبة، وفقا لدراسة أجريت عام 2010، لأنه عندما ترتفع المستويات بشكل كبير، فإنها تؤدي إلى حدوث عواصف.
ويمكن أن تصبح موجات الحر ظاهرة قادرة على خنق مجتمعات بأكملها، وتكون أكثر ضررًا من الكوارث المألوفة مثل الأعاصير والفيضانات. أو كما يصفها أحد خبراء المناخ “الحرارة كارثة صامتة”، لأن الحكومات لم تستوعب بشكل جدي ضررها المستقبلي على إنهاء حياة مجتمعات ودول بأكملها، عندما لا تصبح صالحة للعيش.
لا تتحمل دولنا العربية سوى القليل من المسؤولية عن الاحتباس الحراري الذي حدث بالفعل. لكنها تتحمل المسؤولية الكبرى في العمل ووضع استراتيجيات مستقبلية لمواجهة ما يترتب من أزمات على الاحتباس الحراري، وهي أزمات اقتصادية وزراعية وحياتية قاتلة.
لا توجد أرقام عن عدد الذين يموتون سنويًا في بلداننا الساخنة، لكن تكفي الإشارة إلى الأرقام التي تتحدث عن 89 ألف شخص يموتون سنويًا في الهند بسبب درجات الحرارة المرتفعة، وطقس الهند لا يختلف كثيرًا عن طقس بعض بلداننا العربية.
هكذا يكون ارتفاع حرارة الطقس كارثة لن تبقى صامتة، وإن مارست الحكومات صمتًا استراتيجيًا بشأنها!

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى