أخبار الرافدين
كرم نعمة

السوداني من نفس خواء المالكي

سأفترض تلك الخطبة على لسان محمد شياع السوداني، في أول يوم عمل له في رئاسة الحكومة الجديدة المفترضة. في كل الأحوال لا أحد في العراق بمقدوره التحدث عن حكومة واقعية منذ عام 2003، هناك حكومات افتراضية بامتياز، لا سلطة لها على فرض القانون ولا هيبة لها في الشارع وكذلك قيمتها صفرية عند الدولة العميقة ممثلة بدولة المرجعية ودولة الميليشيات. لم يتردد، على سبيل المثال، قادة الميليشيات بتهديد مصطفى الكاظمي كرئيس للحكومة بقطع أذنه!
سيكون افتراضي واقعيا، أو مقبولا على الأقل بمجرد أن نعرف أن السوداني هو عنصر مخلص لحزب الدعوة، وحتى عندما أراد ممارسة التقيّة السياسية، دخل في لعبة مكشوفة مع سيده نوري المالكي، بإعلان استقالته الشكلية قبل سنوات من حزب الدعوة، من أجل سبب مكشوف ينتهي بالضحك على الذقون، وإلا كيف نفسر قبول المالكي بالسوداني، بوصف الأول نموذجا مثاليا من العملية السياسية الرثة، يعتبر ان نهاية حياته ستنتهي عندما يكون هناك رئيس وزراء غير تابع له. فالمالكي لا يكتفي بكونه سيد السرديات التاريخية المتخلفة وأكبر تفاهة سياسية في تاريخ العراق المعاصر، بل هو كيس من الفساد، ومثال على لوردات القتل على الهوية. وذلك كافيا بإدانته أمام أي قضاء.
حسنا، سيعيد علينا محمد شياع السوداني، نفس الجمل التي سبق وأن رددها زميله حيدر العبادي ومن ثم عادل عبد المهدي، وحتى عندما زعم مصطفى الكاظمي الخروج من تلك السردية الطائفية، أقر بعجزه وكان عليه أن يكون خاضعا قبل كل شي، من أجل الاستمرار بحكومته الواهنة.
سيتحدث السوداني كثيرا عن اللحمة الوطنية “وهو مرشح من كتلة سياسية طائفية، اعترف قيس الخزعلي بان الاتفاق على ترشيحه داخل الاطار كانت حاضرة فيه أنفاس السيدة الزهراء، هكذا تدار وترسم استراتيجيات الدول وفق نفس السردية الطائفية التي يتكؤون عليها” وسيكون كلام السوداني عن اللحمة الوطنية لا أهمية واقعية له عند العراقيين عندما لا يبالون به لأن العملية السياسية مبنية أصلا على اللالحمة، والسوداني نفسه نتاج تلك الفكرة التقسيمية، كما اعترف بذلك المالكي في التسريبات بدفاعة عن المذهب والطائفة والقبيلة، وبقي العراق كوطن هامشا في كل دفاعاته.
سيتعهد السوداني كاذبا، بحل معضلة توفير الخدمات، مثلما تعهد من قبله كذبا، وبالضرورة سيستخدم الجملة الميتة لغويا وسياسيا في العراق بأن “حكومتي لا تمتلك عصا سحرية” في محاولة ذرائعية لتسهيل عمليات سرقة الدولة المستمرة.
كما سيعيد السوداني علينا نفس الجمل السخيفة التي يلهج بها الكاظمي وبرهم صالح بأن العراق يجب أن يكون نقطة تلاقي في المنطقة بين إيران والمحيط العربي، في محاولة لأضاف نوع من المشروعية الخليجية على تحركاته الخارجية. ولا يوضع في نفس السلة الإيرانية التي يقبع بها المالكي حاليا، على الأقل من قبل السعودية. فمن يصدقه هذا شأنه، لكننا كعراقيين من أجل نصدق هذه المزاعم سنضعه في معيار الموقف من إيران، الذي سبق وان سقط فيه عندما كان وزيرا لحقوق الانسان في حكومة المالكي، وقدم تقارير كاذبة لمنظمات دولية عن سجون المالكي السرية وعمليات القتل والتعذيب على الهوية.
وبطبيعة الحال، أذا افترضنا ان مقتدى الصدر سيسهل عملية تمريره لرئاسة الحكومة، سيحاول السوداني استرضاء الصدر وتقديم نفسه بطريقة نسخة مختلفة عن المالكي، لكن ذلك لا يمر بسهولة على لوردات جيش المهدي، فلديهم الكثير من ملفات الانتقام التي اقترفها السوداني بحق عناصر تلك الميليشيا الصدرية في ميسان عندما شغل محافظا لها. وهي ملفات أكثر بكثير مما كان يهدد بها المالكي الصدر بانه من قتل عبد المجيد الخوئي.
في كل الأحوال، لا يمكن للسوداني أن يزعم، في خطبته الأولى، بان اختياره لرئاسة الحكومة سيعيد “البيت الشيعي” المنهار سياسيا، فتلك كذبة كان لا يصدقها كبار مجرمي الميليشيات الطائفية، فمن يصدقها اليوم بعد فضيحة تسريبات المالكي؟
ولا يمكن أن ننسى هنا، ان جملة نيل رضا المرجعية وبركاتها بنفس الجملة التي لا أحد من الاتباع قادرا على تغييرها بوصفها “صمام أمان” و “نسترشد بتوجيهاتها الحكيمة”!! بينما في حقيقة الأمر ان المرجعية نفسها أكثر من يتحمل كل الدماء التي سالت بين العراقيين ونهب ثروة العراق من قبل مجموعات طائفية فاسدة. المرجعية نفسها عاجزة عن تبرئة نفسها من كل ما حصل للعراق كوطن للعراقيين.
سيكون، بلا أدنى شك، هناك كلام مكرر ومستنسخ في خطبة السوداني الأولى، لكنه في قرارة نفسه، يدرك بأن لا أحد من العراقيين الوطنيين سيصدقه، لسبب بسيط، فهو يكذب على نفسه قبل أن يكذب عليهم، لأنه لا يمتل أصلا ولا الذين يقفون خلف ترشيحه في الإطار التنسيقي مشروعا وطنيا عراقيا.
سيتحدث محمد شياع السوداني كثيرا، لكنه مهما فعل، سيعبر عن عجزه في الإجابة على الأسئلة الأكثر طلبا من العراقيين اليوم: هل توجد دولة في العراق بمواصفاتها التاريخية المتمثلة بجيش واحد وحكومة قادرة على فرض القانون؟ بل هل بإمكانه كرئيس للحكومة إعادة الكرامة المهدورة للعراقيين في بلدهم؟ هذه أسئلة صعبة يستحيل على السوداني وعلى من جلبه أن يجيب عليها!
في النهاية القريبة جدا، سنصل جميعا الى نفس الحقيقة السائدة، أن محمد شياع السوداني هو من نفس الخواء الطائفي والسياسي الذي مثله المالكي، ولا يمكن له أن يغادر حلقة لصوص الدولة القائمة منذ عام 2003. لكننا يمكن أن نترقب أكثر من ذلك، عندما يعود ثوار تشرين لكسر هذه الحلقة وبقوة وطنية عراقية لم يعهدها اللصوص من قبل.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى