أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تراخ أمني وفشل حكومي في حماية أطباء العراق

صحيفة الغارديان البريطانية: ثلاثة أرباع أطباء مستشفيات بغداد تعرضوا للعنف من أقرباء وعشائر المرضى.

لندن- الرافدين
وصل الانهيار المؤسساتي والمجتمعي بعد احتلال العراق عام 2003، إلى انهيار منظومة الحماية للأطباء في المستشفيات من انتقام أهالي واقرباء وعشائر المرضى.
ويتعرض الأطباء العراقيون لمصاعب تفوق النقص في الأدوية والمعدات وأحيانا حتى الأسرة النظيفة في المستشفيات.
وقال 87 بالمائة من الأطباء في بغداد إنهم تعرضوا للعنف في العمل، في حوادث بعضها ينطوي على أسلحة، ومعظمهم على أيدي أقارب المرضى.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية، عن الطبيبة مريم علي، قولها عند دخولها إلى غرفة جراحة الدماغ والأعصاب أمسك بها رجل ودفعها إلى الأرض ووضع سكينا في ظهرها.
وأغلق حراس أمن المستشفى المنشأة واعتقلوا الرجل، في وقت سجلت فيه كاميرات المراقبة الحادث.
وقالت مريم “اعتقدت أنني سأموت، كنت في حالة صدمة كاملة، لقد لعنت اليوم الذي أصبحت فيه طبيبة”.
وأضافت إن الرجل الذي هاجمها كان لصا كثيرا ما كان يسرق من المستشفى، كانت هي وزميلاتها قد اشتكين من كسر قفل الغرفة في عدة مناسبات، لكن لم يقم أحد بإصلاحه.
وتم القبض على مهاجمها وسجنه، ولكن الطبيبة مريم فكرت منذ ذلك الحين، مثل العديد من الأطباء العراقيين، في مغادرة البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى دراسة استقصائية حديثة وجدت أن 87 بالمئة من أطباء بغداد تعرضوا للعنف في الأشهر الستة السابقة.
وقالت الأغلبية منهم إن العنف ازداد منذ بداية الوباء، وإن ثلاثة أرباع الهجمات ارتكبها مرضى وعائلاتهم.
ومن المعتاد أن يتلقى المريض الدعم من الأصدقاء والعائلة، وأحيانا يكون هناك ما يصل إلى 15 شخصا، مع مرضى يحتضرون، وعندما لا يستطيع الطبيب علاج أحدهم، يمكن أن يعتقد المرافقون أن الطبيب قد ارتكب خطأ، حتى لو لم يكن، وحينها يحدث العنف،
ونقلت الصحيفة عن رياض لفتة، أستاذ علم الأوبئة في الجامعة المستنصرية في بغداد، قوله “عندما يذهب المرضى إلى المستشفى ويكونون متوترين وقلقين بالفعل، يواجه الأطباء صعوبة في التعامل معهم. يصبح المرضى غاضبين، ويهاجمون”.
ويعني التراخي الأمني أن هذه الهجمات يمكن أن تشمل أسلحة، حيث يمتلك حوالي 20 بالمئة من المدنيين في العراق سلاحا ناريا.
وقال لفتة “الناس قلقون، وهم مسلحون، وهناك مشاكل في نظام الرعاية الصحية. كل هذه العوامل تساهم في تصعيد العنف”.
ويتذكر لفتة شخصيا حادثتين قتل فيهما أطباء، وفي عام 2005 قتلت مجموعة من 10 أطباء في محافظة كربلاء جنوب بغداد.
وأضاف إن العشائر التي تعمل في ظل النظام العشائري العراقي “طورت طريقة جديدة للابتزاز. وهم يهددون الأطباء وعائلاتهم بسبب أخطاء، حقيقية أو ملفقة، مطالبين بعقوبة عشائرية، والتي وصلت أحيانا إلى ما يقرب من 100 ألف دولار أميركي، وأحيانا 200 ألف دولار”.
وتنقل الصحيفة عن جراح القلب، عثمان قتيبة، قوله إن مثل هذه المشاكل دفعت الأطباء إلى الانغماس في “الأعمال الاستعراضية” – مثل أداء أعمال طبية عديمة الفائدة على المرضى لمجرد استرضاء أفراد الأسرة.
وأضاف “عندما ترى جثة ميتة وهناك 10 أشخاص يقفون بجانبك، فإنهم سيقتلونك إذا قلت إنه ميت”، “لذلك، أنت تعطيه صدمة من جهاز مزيل رجفان القلب الكهربائي، ربما مرتين أو ثلاث أو أربع مرات، ربما 10 مرات”، مؤكدا “”أنت تعرف أن هذا خطأ، ولكن ماذا يجب أن تفعل؟”.
وأوضح إن زملاءه يفعلون ذلك يوميا، كما أنهم يتخذون تدابير احترازية، ويستدعون حراس الأمن عندما يتوقعون وفاة المريض.
ودفع العنف الأطباء إلى مغادرة البلاد بأعداد كبيرة. ووجدت دراسة أجريت عام 2017 أن 77 بالمئة من الأطباء المبتدئين كانوا يفكرون في الهجرة.
وفي عام 2019، قال متحدث باسم وزارة الصحة العراقية إن 20 ألف شخص فعلوا ذلك بالفعل، وكان العنف سببا رئيسيا.
كما تدفع العقوبات والتهديدات القبلية الأطباء إلى تجنب العمليات الجراحية المعقدة، ويتجنب خريجو الطب الجدد المسارات الوظيفية عالية الخطورة مثل جراحة الأعصاب وطب الطوارئ.
ويقول قتيبة “تخصصي، جراحة القلب، لديه معدل وفيات مرتفع”، مضيفا “لن يقبل عليه أحد، وإذا فعلوا ذلك ومات المريض، فسيواجهون مشاكل”.
ويقول إن الخريجين الراغبين في متابعة التخصصات عالية المخاطر يمكنهم الآن تسريع المسار الدراسي حيث تسعى الحكومة إلى معالجة النقص.
وبعد إجراء جراحة في القلب، بدأ قتيبة في دفع مبالغ شهرية أعلى لعشيرته لدعمه إذا هاجمه شخص ما أو حاول ابتزازه بالمال.
وحاولت الحكومة العراقية مكافحة المشكلة من خلال إدخال قانون حماية الأطباء في عام 2010، والذي سمح للأطباء بحمل المسدسات إلى العمل.
لكن هذا الحل “سخيف” كما يقول أحد الأطباء اللذين تحدثت معهم الصحيفة، وقد يؤدي بالمواقف “للتصاعد بسرعة”.
وتهدد معاناة الأطباء وخريجي كليات الطب في العراق بانهيار النظام الصحي في البلاد الذي يعاني أساسا من تضرر كبير بسبب الحروب والفساد والنظام السياسي الطائفي.
وهرب أكثر من 20 ألف طبيب إلى الخارج بسبب انعدام الأمن والتهديد وعمليات الاغتيال الممنهجة فتقلص عدد الأطباء داخل البلاد إلى نحو 30 ألفا أي بمعدل طبيب واحد لكل 1200 شخص، بينما يعاني 31 ألف طبيب من الخريجين الجدد من صعوبة العثور على وظائف وباتوا معرضين لفقدان شهادات مزاولة المهنة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى