أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

هل من تغيير استراتيجي في غزة؟

شنت قوات الاحتلال الصهيوني عدوانها الأخير على غزة، تحت عنوان مواجهة سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي التي اتهمتها بالتبعية لإيران.
وربطت آلة الدعاية الصهيونية بين العدوان على غزة، والمواجهة الجارية مع إيران. وشددت على عدم استهداف حماس، بل أبرزت حرصًا شديدًا على عدم دخول حماس في القتال.
وفي تفسير ما جرى، قال متابعون إن لا جديد في السلوك الصهيوني. وجرت الإشارة إلى أن الاستراتيجية الصهيونية المعتمدة منذ تشكيل الكيان وحتى الآن، تسير في اتجاهين أولهما، جلب شتات المكون اليهودي الصهيوني ودمجه داخل الكيان لتعميق التمركز على الأرض الفلسطينية، وثانيهما، تفكيك وحدة المجتمع والقوى السياسية الفلسطينية بكل أشكالها وأنماط تفكيرها، وإثارة الاقتتال فيما بينها، وإشغال المجتمع والقوى الفلسطينية بنفسها، وصولًا إلى محو الهوية الفلسطينية الجامعة وتحويل الناتج النهائي للقدرات الفلسطينية على المواجهة إلى صفر-قدرة.
وجرى التذكير بأن استراتيجية التفكيك، هي ذاتها المعتمدة في التعامل مع الدول والمجتمعات والقوى العربية والإسلامية التي تشكل معين استمرار القدرة الاستراتيجية على مواجهة الكيان.
وواقع الحال، أن أمر الدعاية الصهيونية لا يصمد أمام وقائع العدوان الذي لم يستثن حتى الأطفال من القتل.
ولذلك فالسؤال الأهم لا يتعلق بأهداف شن العدو العدوان على حركة دون أخرى، بل لماذا لم تشارك حركة حماس عسكريًا عبر كتائب القسام في المواجهة. لقد شاركت مجموعات المقاومة الأخرى في المواجهة، إلا حركة حماس!
جرت تفسيرات كثيرة، في ظل غياب تفسير رسمي محدد من حماس قيل إن حركة حماس لم تكن تريد إشعال معركة كبرى في هذا التوقيت وإن الحركة رأت أن العدو الصهيوني هو من حدد توقيت المعركة وفرضها وإن الرد ضروري لكن دون الانجرار لمعركة واسعة في توقيت حدده الخصم ورتب نفسه لخوضها.
وإن حماس رأت ضرورة الحفاظ على مبدأ المباغتة الاستراتيجية والمبادرة بالهجوم الذي حققته المقاومة في آخر معاركها، إذ كانت قد سجلت للمرة الأولى خلال معركة سيف القدس قدرتها على التخطيط والإعداد وبدء المواجهة بالهجوم على الخصم في التوقيت الذي حددته.
وقيل إن حماس وضعت نفسها في موضع الضاغط على العدو، لمنع توسع المواجهة ما جرى هو نمط محدد من الإدارة الاستراتيجية للأزمة، وإن مشاركتها في غرفة العمل المشتركة مع كل الفصائل، مع البقاء خارج دائرة الاشتباك المباشر مثل إشارة واضحة لإمكانية التحول إلى المواجهة عند لحظة ما. وإن وقوف حماس على تلك المسافة، هو ما أجبر قيادة الاحتلال على جعل المعركة جزئية وسريعة، وعلى وقف النار.
وقيل إن حماس تعمل وفق مبدأ المراكمة الاستراتيجية للقوة، وتسعى لتحويل كل مواجهة إلى عملية مخططة تحقق تغييرًا في التوازنات وتدفع المقاومة للأمام وأن المبدأ الأعلى في الاستراتيجية المتعددة المراحل، هو تغيير التوازن من معركة لأخرى.
وإن الظروف والأوضاع الإقليمية والدولية أقل مواتاه لخوض معركة واسعة الآن بسبب اشتعال صراعات عديدة حول العالم، بما يضعف اهتمام الرأي العام بالمواجهة.
وبين هذا وذاك، ترددت أسباب أخرى بعضها تحدث عن نصح تلقته حماس من دول إقليمية طالبتها بعدم توسيع إطار الصراع، وعن تلقيها تأكيدات بأن العدوان سيتوقف خلال ساعات. وكل تلك مظاهر لحدوث تغيير استراتيجي.
وقد ظهرت حماس في وضع القيادة السياسية التي توفر البيئة الاستراتيجية للمقاومة وهو وضع سياسي يمكنها من تقديم نموذج مختلف عن نموذج السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. ففي حين تنسق السلطة أمنيًا مع قوات الاحتلال ضد المقاومة، ظهرت حماس بمن يوفر غطاءً لمصلحة المقاومة. وأنها تمكنت من توفير دلالات على أن تدخلها بالقوة العسكرية سيكون ذا طابع استراتيجي.
وهناك مضمون آخر ظهر خلال المواجهة، وهو أن غزة أظهرت سعيًا لكي تكون القاعدة الاستراتيجية للتحرير. وأنها تستعد منذ فتره لتصبح بديلًا استراتيجيا –وعلى المستوى التكتيكي أيضًا- للسلطة في الضفة.
وفي ذلك يمكن القول، إن عدم المشاركة في القتال لم يأت مفصولًا عما هو جارٍ منذ فتره في عدة اتجاهات، منها، تحرك حماس على المستوى الإقليمي والدولي كقياده لإدارة الصراع الكلي بشأن القضية ومنها أن الحركة صارت مشتبكة مع وضع القدس بشكل مباشر-لا بوضع غزة فقط- وهو ما حدث في معركة سيف القدس.
وظهر أيضًا أن حماس تتجهز سياسيًا وترتب أوراقها لمرحلة ما بعد عباس على الصعيد السياسي والجماهيري المباشر.
وضمن التغيير الاستراتيجي الحادث، يمكن رصد بروز حالة تبادل وتقسيم الأدوار بين مختلف قوى المقاومة في غزة، بما يتيح قدرة أعلى على المناورة ففي إدارة الصراع. وهو ما كان تمناه الكثير في ترتيب العلاقات بين السلطة والمقاومة بعد أوسلو.
لكن كل ذلك يتطلب حوارًا استراتيجيًا رفيع المستوى ليصبح استراتيجية معتمدة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى