أخبار الرافدين
علي شندب

الحرب والاغتيالات التمهيدية

منذ أن أرسل حزب الله مسيّراته الثلاث فوق حقل كاريش، وعزّزها بإعلان حسن نصرالله عن معادلته القائمة على حصول لبنان على حقوقه كاملة تحت طائلة منع “إسرائيل” من استخراج النفط والغاز من “ما بعد بعد كاريش”، وشبح الحرب يخيّم على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة المتوقع اندلاعها اعتباراً من النصف الثاني من شهر أيلول المقبل.
نصرالله وللدقة، لم يهدّد بالحرب على “إسرائيل”، بل هدّد باستهداف منصّات وحقول الغاز والنفط. استهداف اذا ما تعثّرت المفاوضات بسبب التعنّت الإسرائيلي، ربما من شأنه أن يتدحرج باتجاه حرب توافق نصرالله وساسة “إسرائيل” في عدم رغبتهم بحصولها. لكن مع أول صلية صواريخ حزبلّاهية غير صوتية، سينزلق الوضع باتجاه حرب أوسع ليس مطلوباً التكهّن بمآلاتها.
اذن، التهديد بالحرب هو بهدف فرض الشروط وتحسين المواقع. لكن ماذا لو لم يؤد هذا التهديد الى النتائج المتوخاة منها؟ حزب الله وبلسان زعيمه حسن نصرالله، يراهن على رضوخ “إسرائيل” ومن خلفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمطالبه وشروطه. يقودهم لذلك حاجتهم الماسّة لفك حصار فلاديمير بوتين خصوصاً عن أوروبا التي بدأت تستشعر شتاءً جليدياً قاسياً.
في هذا التوقيت الاستراتيجي نصب نصرالله كمينه القاتل، وجهّز منصّات صواريخه قبل رفع مطالبه وشروطه. لأنّ غاز “إسرائيل” يبدو هنا وكأنه “وديعة أمريكية – أوروبية”، أكثر ممّا هو “ثروة إسرائيلية”، ما قد يدفع أصحاب “الوديعة” للضغط على “إسرائيل” للرضوخ لشروط حزب الله، ومنحه نصراً معنوياً يحتاجه أكثر من كل الثروة النفطية الموؤدة، لأنه سيؤبد سلاحه بشرعية ممهورة بتقديم الولايات المتحدة تعهداً خطياً بعدم وضع فيتو على الشركات النفطية التي قد يتعاقد معها لبنان للتنقيب عن الغاز الطاقة واستخراجهما.
قبل تهديدات زعيم حزب الله، وخلافاً لتوصية الوفد العسكري اللبناني، تنازلت الدولة اللبنانية عن الخط 29 ولم يوقّع الرئيس ميشال عون تعديلات المرسوم 6433 التي تنصّ على أن الخط 29 المنطلق براً من رأس الناقورة هو خط الترسيم البحري، ما يعني ضمناً وأساساً أن لبنان تنازل استباقياً عن “حقل كاريش” النفطي، كما تبلّغ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين من “الترويكا الرئاسية” “في الأول من آب الموافق لعيد الجيش اللبناني” اعتمادها الخط 23 الذي يعطي لبنان كامل حقل قانا مع كامل البلوك رقم 8، ما يعني رسمياً وعملياً الالتزام بمعادلة “قانا مقابل كاريش” وهو ما اعتبره هوكشتاين بداية إيجابية لتضييق الفجوة بين “إسرائيل” ولبنان الذي اندفع ساسته للمبالغة في الحديث عن إيجابيات الترسيم ستحسمها عودة هوكشتاين الى المنطقة.
وإذا كان “الغاز الإسرائيلي” واستطراداً غاز شرقي المتوسط حاجة أوروبية – أميركية كتعويض بديل عن الغاز الروسي، فإنّ الغاز اللبناني وبحسب ما يردّد نصرالله ويشاطره في ذلك غالبية اللبنانيين، هو الكفيل بوقف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي، والتوجه نحو التنمية والنهوض والرفاهية. لكن اللبنانيون وقبيل الأزمة الاقتصادية المالية المستجدة، كانوا ينعمون بمعدل وافر من الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، مع ذلك وصلوا الى درك غير مسبوق من الانهيار الدراماتيكي، بفعل الطبقة السياسية وناظمها حزب الله، فضلاً عن شيوع الفساد ونهب المال العام والخاص، والتي فاقمها انفجار مرفأ بيروت وتعطيل التحقيق بكشف حقيقة الانفجار “الذي عادت فرضية استهدافه بصاروخ إسرائيلي الى التداول”، وبات جيشه يتسوّل وجبة طعامه من الخارج الذي انخرط بعضه وبسبب فساد المتنفذين في الدولة، بفرض عقوبات على بعض المصارف والوزراء والنواب وبينهم جبران باسيل المصنّف فاسداً وفق قانون ماغنيتسكي، ما جعل بنيان الدولة أشبه بعمارة من زجاج تنتظر من يرشقها بحجر وليس بصاروخ حتى تنهار.
بمعنى آخر، الظروف الموضوعية اللبنانية، ليست وحدها المؤدية للانهيار الذي حظي بعناية خارجية فائقة هدفها الضغط على حزب الله وتأليب اللبنانيين وخصوصاً بيئته عليه، والنتيجة كما يحلو لنصرالله أن يردّدها على الدوام “جاع اللبنانيون دون حزب الله”. فهل أن الخارج الذي ساهم في تفاقم الوضع حدّ الانهيار، سيسمح للبنان باستخراج غازه ونفطه ببركة صواريخ حزب الله غير الصوتية؟
هذا السؤال الجوهري، هو الذي يرجّح احتمالية اندلاع الحرب، سيّما وأنّ نصرالله رفع شعاره التفاضلي الشهير ” سنختار الموت حرباً، على الموت جوعا”. لكن قرار الحرب هذه المرّة، هو بيد الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي أكثر مما هو بيد “إسرائيل”، سيّما وأن حزب الله في هذه الحرب وبالإضافة للدعم الايراني المعلوم، سيكون معزّزاً للمرة الأولى أقله بفيتو روسي، لأن غاز شرقي المتوسط برمته بات جزءاً من الحرب الأميركية – الأوروبية – الروسية فوق المسرح الأوكراني.
لكنّ الحرب إذا ما وقعت بين “إسرائيل” ولبنان، فيرجّح أنها ستقتبس من الحرب الأخيرة على غزّة، والتي نجحت فيها “إسرائيل” بتحييد حركة حماس واستفرادها بحركة الجهاد واغتيال بعض قادتها، وربما نقلت مسلسل اغتيالاتها الى لبنان الذي لم يتمكن من فك لغز اغتيال المسوؤل الفلسطيني في مخيم عين الحلوة سعيد علاء الدين الملقب بـ “العسوس”، ما يعزّز مناخات اشتعال التوترات الأمنية داخل المخيمات الفلسطينية وفي محيطها. وقد كان لافتاً استشعار نصرالله استنساخ مخاطر اغتيالات محتملة بقوله “أي اعتداء على أي إنسان في لبنان لن يبقى من دون عقاب”.
اذن لبنان دخل مدار الاغتيالات، وربما الاغتيالات الاستباقية ضد شبكات نجحت “إسرائيل” في تركيبها، توازياً مع كلام عن استعدادات عسكرية لبعض الأطراف، ما سيصعّب حركة حزب الله في الحرب المقبلة والتي من أجل تقويض تداعياتها السلبية، استدار وليد جنبلاط مجدّداً للحوار مع حزب الله. مع هذا فسؤال الاغتيالات واندلاع الحرب برسم الأسابيع المقبلة.
لكن ماذا عن محاولات اغتيال جون بولتون ومايك بومبيو، وأخيراً سلمان رشدي؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى