أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ما مصير ثروة البلاد وملايين العراقيين يعيشون تحت خط الفقر؟

الفقر يثقل كاهل الأسر النازحة بالمخيمات المنتشرة في مدن غرب وشمال العراق.

بغداد – الرافدين
يعيش أكثر من ربع العراقيين تحت خط الفقر على الرغم من أن الناتج المحلي للعراق يقدر بأكثر من 12 ألف دولار للفرد الواحد سنويًا بحسب تقرير أصدرته مجلة غلوبال فينانس “global Finance” الأمريكية قبل أيام.
وأكد تقرير المجلة أن العراق جاء في المرتبة 79 دوليًا والمرتبة الثامنة عربيًا بالنسبة للناتج المحلي.
ويواجه العراقيون أوضاعًا إنسانيةً صعبةً وسط غياب فرص العمل للخريجين وتلاشي الخدمات والكهرباء وانعدام الأمن وتهالك القطاع الصحي وتدني مستوى التعليم، بسبب الفساد الذي تنتهجه الميليشيات الولائية والأحزاب المتنفذة.
ولا تشفع للعراقيين ثروات بلادهم ولا الناتج المحلي المقدر بأكثر من ألف دولار أمريكي شهريًا للفرد الواحد، فاليوم يعيش أكثر من 11 مليون عراقي تحت خط الفقر بحسب ما أعلن عنه المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في حوار تلفزيوني.
وأكد الهنداوي أن نسبة الفقر وصلت إلى أكثر من 30 بالمائة عام 2020 بسبب جائحة كورونا وأن المناطق التي شهدت عمليات عسكرية تصل نسبة الفقر فيها حاليا إلى أكثر من 40 بالمائة.
وأشار إلى “أن نسبة الفقر في مدن الجنوب بلغت 32 بالمائة، وأن محافظة المثنى تتربع على عرش أعلى محافظة في نسبة الفقر بواقع 52 بالمائة تليها القادسية بنسبة 49 بالمائة”.
ويؤكد مراقبون أن الأرقام الرسمية حول نسبة الفقر في العراق ليست دقيقة وأن الأرقام الحقيقية أكثر بكثير من المعلنة، وتحرج الجهات الحكومية التي يتبع أغلبها لأحزاب فاسدة تروّج لنفسها على أنها تحظى بشعبية الجماهير، في وقت ضاق العراقيون ذرعًا بهذه الحكومة وأحزابها ولطالما نزلوا إلى الشارع للتعبير عن رفضهم لها.
ويُعرف الفقر بأن مستوى الدخل من التوظيف منخفض جدًّا، بحيث لا يمكن تلبية الاحتياجات البشرية الأساسية وعندما يقال إن 11 مليون عراقي يعيشيون تحت خط الفقر أي إن الفرد الواحد منهم يعيش بأقل من دولارين اثنين في اليوم الواحد.
وليس الفقر المنتشر اليوم في العراق بسبب شح موارده أو قلة ثرواته، فعلى الرغم من الفساد والإهمال من قبل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والتي أثرت على ثروات البلاد وإنتاجها، إلا أن العراق ما يزال يمتلك خامس احتياطي للنفط في العالم ويبلغ ريعه النفطي السنوي نحو 70 مليار دولار، ما يعني أن حصة الفرد الواحد تبلغ أكثر من 1700 دولار سنويًا فيما لو تم توزع هذه الثروة بشكل عادل.
ويمتلك العراق احتياطيًا من الغاز الطبيعي يقدر بـ 132 تريليون قدم مكعب -حسب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)-، أُحرق 700 مليار قدم مكعب منه نتيجة ضعف القدرة على استغلاله، مع بلوغ إنتاجه اليومي من الغاز الطبيعي المصاحب 2.7 مليار قدم مكعبة.
ويعتقد العديد من الباحثين أن آفاق احتياطيات الغاز الطبيعي في العراق قد تصل إلى ضعف التقديرات الحالية.
ويُعد الفساد المنتشر على كافة مستويات الحكومات المتعاقبة والحالية السبب الرئيس لانتشار الفقر وتردي الأوضاع في البلاد، ففي عام 2021 قال الرئيس برهم صالح إن 150 مليار دولار من أموال النفط تمَّ تهريبها من العراق في صفقات فاسدة منذ الاحتلال الأمريكية عام 2003.
ووصف مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية القطاع العام العراقي بـ “فاسد بشكل خطير”.
وليس الفساد في العراق ظاهرة فردية، بل تحول إلى قانون وخطة ممنهجة بُنيت عليه الحكومة وأحزابها وميليشياتها الولائية، حيث تساعد المعاملات الفاسدة والمنافسة بين الكتل السياسية في دفع الفساد داخل الحكومة، وفي كثير من الأحيان تضغط الكتل السياسية العراقية على بعضها البعض لقبول صفقات المصلحة الذاتية أو تقديم تنازلات، والتي تعود بالفائدة على تلك الكتل بغض النظر عن الضرر الذي سينتج عنها بحق العراق وشعبه.
وأثار قرار قضائي تغريم مصرف الرافدين الحكومي بمبلغ 600 مليون دولار أمريكي لصالح شركة بوابة عشتار المملوكة لرجل الأعمال علي غلام استياءًا شعبيًا وكشفت الفضيحة عن ملفات أخرى تؤكد إهدار واختلاس المال العام. الأمر الذي دفع إلى إلغاء القرار في تسوية مع الشركة للتخلص من تداعيات الفضيحة.
وأنفقت على مدار سنوات مليارات الدولارات على قطاع الكهرباء، وكانت كافية لبناء شبكات كهربائية حديثة، لكن الفساد والهدر المالي وسوء الإدارة حالت دون حل هذه المشكلة، إذ بقي المواطنون يعانون من حرارة الصيف دون كهرباء، وهي نتيجة طبيعية لحجم الفساد في وزارة الكهرباء والذي وصل إلى قرابة 41 مليار دولار منذ عام 2003.
وأثر الفساد على كافة قطاعات الدولة من التعليم إلى الصحة وتسبب بارتفاع مستويات البطالة في صفوف الشباب العراقي، كما تسببت الحكومات الفاسدة والأحزاب وميليشياتها بعدم استقرار العراق الأمر الذي شكل تخوفًا لدى الشركات والمستثمرين العرب والأجانب من اختيار العراق للاستثمار خصوصًا بعدما تعرض الكثير منهم للابتزاز أو إجبارهم على القيام بصفقات وهمية.
ويؤثر الفقر على النازحين في المخيمات المنتشرة في مدن غرب وشمال العراق، ولا يمكن للنازحين بمخيمات المدن العراق الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي والكهرباء.
وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، هناك حوالي 100 مليون نازح في العالم بارتفاع من حوالي 39 مليونا عام 2011. يقع العراق في مقدمة قائمة هذه الدول.
ويعيش 43 بالمئة من الأشخاص الذين تخدمهم وكالة اللاجئين في 12 دولة من بينها العراق واليمن ولبنان.
وأفادت الوكالة في حزيران الماضي أنه بدون مليار دولار إضافي هذا العام، سيتم خفض المساعدات النقدية بمقدار النصف تقريبًا، “سيكون عدد الأطفال الذين يحصلون على التعليم أقل بنسبة 12 بالمئة. كما أن النازحين الذين يحصلون على مأوى سيقل بنسبة 25 بالمئة، ويقل الوصول إلى المرافق الصحية بنسبة 23 بالمئة”.
وأكدت منظمة العمل الدولية أن عائلات في محافظة نينوى، اضطرت لعدم إرسال أطفالها إلى المدارس بسبب الفقر.
وقالت المنظمة، إن أهالي الموصل يواجهون حياة صعبة مع ندرة فرص العمل وندرة تأمين الاحتياجات الإنسانية الأمر الذي جعل من إرسال أطفالهم للمدارس أمرًا في غاية التعقيد.
وأشارت المنظمة إلى أن كثيرًا من الأطفال فضلوا أمام وضع عائلاتهم اليائس الذهاب للمدرسة صباحًا والتوجه بعدها لجمع الخردة وبيعها لتأمين مصاريفهم، الأمر الذي يترك آثارًا نفسية وجسدية خطيرة على هؤلاء الأطفال، لافتة إلى أن مستقبل أجيال بأكملها مهدد.
ولا يقتصر الحال على محافظة نينوى فإن مدن جنوب العراق تعاني من فقر مدقع بسبب فساد القوى السياسية والميليشيات المستحوذة على مصدر القرار في تلك المحافظات.
ووصف النائب عن محافظة القادسية عزيز شريف المياحي، نسبة الفقر والبطالة في المحافظة بأنها مرعبة. مشيرًا إلى، أن المحافظة لا تمتلك مشاريع تنموية اقتصادية ونفطية من شأنها تشغيل الشباب العاطلين عن العمل.
وأضاف المياحي، أن ارتفاع في معدلات الفقر والبطالة في القادسية لم يسبق أن شهدته المحافظة، مبينًا أن نحو 60 بالمائة من السكان هم تحت خط الفقر المدقع.
الفقر الناتج عن الفساد أوجد كوارث كثيرة تواجه العراقيين من بينها ارتفاع معدلات الانتحار بسبب سوء الأوضاع المعيشية ففي العام الماضي ارتفعت نسبة الانتحار في العراق إلى 100 حالة عن العام الذي سبقه لتصل إلى أكثر من 770 حالة انتحار.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى