أخبار الرافدين
كرم نعمة

وصية خامنئي لسيرك اتباعه في العراق

جلس نوري المالكي أمام علي خامنئي في أول لقاء “رسمي” له مع المرشد الإيراني، ليس بوصفه رئيس الحكومة آنذاك، بل أشبه بمريد مطيع، خاضع، أصغر من تلميذ طبق التعليمات الإيرانية بدقة وخلع ربطة عنقه وفق الفلسفة الخمينية “المالكي تعلم شد ربطة العنق لأول مرة في حياته عندما أدخل من قبل الامريكان الى المنطقة الخضراء بعد عام 2003”.
تحولت جلسة المالكي حينها إلى ازدراء وسخرية عراقية عن “المالكي الإيراني” المخلص لتعليمات المرشد. ومع انها كانت مناسبة لكشف أوراق رئيس الحكومة القادم الجديد على سيرك العملية السياسية حينها. لكن لا جديد في الأمر على المتابعين، إلا في رسمية اللقاء بين المالكي وخامنئي، فهو قبل ذلك كان جنديا مطيعا لدى إيران مثله مثل البقية المعروفين للعراقيين في المجلس الأعلى وحزب الدعوة، المتقلدين المناصب العليا اليوم.
تحول بعدها اللقاء الى درس لبقية شركاء فعالية السيرك السياسي العراقي، عند ذهابهم للقاء المرشد الإيراني، فلم يفعلها جلال الطالباني ولا عادل عبد المهدي ولا إبراهيم الجعفري، واحتفظوا بربطات عنقهم خشية من التهكم العراقي، إلا محمود المشهداني رئيس مجلس النواب حينها، فكان يريد أن يبدو أكثر إخلاصا لإيران من غيره!
تعلم المالكي بعدها ما يمكن تسميته بـ “درس الخضوع المفرط” عندما احتفظ بربطة عنقه في اللقاءات اللاحقة مع خامنئي. في كل تلك اللقاءات وما بعدها كان خامنئي يركز على وصيته التاريخية لأتباعه في العراق “وحدة الطائفة فوق أي اعتبار وطني عراقي”!
كان من المفيد بالنسبة لي، في هذا المقال على الأقل، أن أؤرخ لعلاقة الهيمنة الإيرانية على العراق من لقاء خامنئي بالمالكي الذي أرغم على خلع ربطة عنقه قبل السماح له بالدخول على المرشد، بوصف اللقاء المعبر الرسمي عن الخضوع للهيمنة الإيرانية. بالتأكيد ثمة الكثير قبله ومنذ الأسابيع الأولى لاحتلال العراق، لكن تلك اللحظة تبدو مفصلية للعودة اليها اليوم مع تصاعد التقارير الصحفية والتحليلات التي جهدت من أجل جمع المؤشرات عن تراجع الدور الإيراني في العراق، وخصوصا بعد احتجاجات أتباع التيار الصدري.
بل أن وسائل الاعلام الغربية، وجدت في قصة التظاهرات الصدرية ما يثيرها في الشأن العراقي المتعلق بإيران، وبنت عليها استنتاجات مفرطة في التفاؤل، وكأن الطبقة السياسية الفاسدة في العراق والتي وصلت إلى ماهي عليه اليوم بالحصول قبلها على عضوية نادي الخضوع إلى إيران كشرط مسبق، تبدو وكأنها تروج لمشروع وطني عراقي رافض للهيمنة الإيرانية.
إن لم يكن ذلك مجرد ضحك سياسي على الذقون، فأن الدافعين لهذا الاحتمال وكأنه حقيقة في فعالية السيرك السياسي الخاوي، أنما يمنحون شرعية للصوص الدولة بوصفهم أصحاب مشاريع وطنية!
لا يمكن التعويل بأي حال من الأحوال على من أسهم في تأسيس العملية السياسية، بأنه يمتلك الرغبة والقدرة على الخروج من مأزقها، وتخليص البلاد من الهيمنة الإيرانية، لأنه ببساطة متناهية سيعود للعبة الباب الدوار، فبينما يزعم بأنه يريد انقاذ البلاد، سيدوّر نفس الوجوه وأدوات الفساد السياسي، بوصفها أفضل حلول الإنقاذ.
بالأمس، مثّلَ تقرير وكالة رويترز للأنباء وكأنه فتحا إخباريا طال انتظاره من قبل العراقيين، عندما قدم لنا مقتدى الصدر بالعراقي المخلص الواقف بوجه الهيمنة الإيرانية.
وبحسب التقرير فأن مقابلة الصدر لإسماعيل قاآني رئيس فيلق القدس الإيراني، لم تستغرق أكثر من نصف ساعة، استقبل الصدر فيها المسؤول الإيراني بجفاء واضح.
وأضفت الوكالة على المقابلة لمسة عاطفية ومبالغة روائية، كانت بمثابة خدمات صحفية مدفوعة الثمن! فكتبت “كان يضع على كتفيه كوفية الجنوب العراقي بلونيها الأبيض والأسود ويضع عباءة بنيّة، في هيئة محلية متعمدة تتناقض مع الثياب السوداء بالكامل والعمامة الشيعية التي يعتمرها عادة في المناسبات العامة”.
كان ملبس الصدر، وفق وصف رويترز المفرط في شعريته! الذي نسبته إلى مسؤولين “لم تذكر مسؤوليتهم”، ينقل رسالة سياسية قومية خلاصتها: العراق، كدولة عربية ذات سيادة، سيشق طريقه بنفسه، دون تدخلات من جارته الفارسية، على الرغم من الروابط الطائفية بين البلدين.”
بل وصل الحال بتقرير الوكالة الإخبارية الدولية إلى مزاعم أن الصدر تحدى القائد الإيراني وقال “ما علاقة السياسة العراقية بكم؟… لا نريدكم أن تتدخلوا”.
سنكون سعداء، كعراقيين، أن حدث هذا الأمر فعلا، لكننا كصحفيين بحاجة إلى أن نكون أكثر حذرا في التعامل مع هذه التقارير، مثله مثل تقرير صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية الذي قدم صورة مفرطة في التفاؤل عن فقدان إيران سيطرتها على إدارة ميليشياتها وأحزابها في العراق.
كان الصدر، كلما ينزعج ويغتاظ! يذهب مباشرة إلى إيران. في أوج الكلام عن غضب الصدر واختفاءه قبل سنوات، كان الجميع يبحث عنه، فظهر لنا في صورة المريد الجالس تحت كرسي خامنئي وبجوار القتيل قاسم سليماني.
وقبلها عندما استاء من اتباعه، غادر غاضبا إلى قم بذريعة استكمال الدراسة الحوزوية “منذ أكثر من أربعين سنة يدرس الصدر ولا نعرف هل أنهى أي مرحلة في دراسته أم لا؟”. ظهر بعدها أتباعه يحيطون به في جلسة غناء متوسل يحثونه على العودة من قم إلى الحنانة.
مهما يكن من أمر، أنا مثل أي عراقي أرحب باستعادة البلاد المخطوفة من قبل الميليشيات الولائية، لكنني بحاجة إلى أن أكون حذرا عندما يناط هذا الدور بالصدر مؤسس ميليشيا جيش المهدي وبعدها سرايا السلام، بينما خرجت من رحمها ميليشيا العصائب.
صحيح جدا، هناك صراع بين الصدر والمالكي، لكن أيا منهما لم يستطع إقناع المحيطين به، بأنه صراع على مشروع وطني، بقدر ماهو صراع على الاستحواذ على السلطة، فكيف بهما بعدها إقناع العراقيين.
لا يشك العراقيون، بأن خصم الصدر نوري المالكي يمثل أكبر تفاهة سياسية وطائفية في التاريخ السياسي العراقي المعاصر، ويدعمون الصدر للتخلص منه ومحاكمته على جرائم القتل على الهوية وتبديد ثروة العراق، لكنهم يتراجعون خطوات إلى الوراء لمجرد أنهم يعرفون أن الصدر يعول على لورد القتل هادي العامري كبديل للمالكي، مع أنه في نهاية الأمر لا يقل تفاهة سياسية وطائفية وعمالة إلى إيران من المالكي! فهل بعدها مطلوب منا تصديق ان التيار الصدري يمتلك مشروعا وطنيا لإنقاذ العراق من إيران؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى