أخبار الرافدين
كرم نعمة

الصدر ينصت للمزحة الديمقراطية بين بايدن والكاظمي

جو بايدن مريض سياسيًا، بلا أدنى شك، فكيف له أن يقدم علاج الشفاء للخواء السياسي في العراق، مع أن إدارته تدرك أن المجاميع الذين استقدمتهم إلى المنطقة الخضراء منذ عام 2003 فاقدو الصلاحية بالنسبة للعراقيين المطالبين باستعادة وطنهم المخطوف.
الأمريكيون أنفسهم يتساءلون، إن كان الرئيس بايدن على ما يرام، أم بحاجة إلى طبيب سياسي يعالجه من الفشل. لقد حصل الرئيس الأمريكي على شهادة الفشل منذ اللحظات الأولى لدخول عامه الثاني في البيت الأبيض. هناك قائمة طويلة من فقدان الصبر الاستراتيجي بعد الهزيمة الشنيعة في أفغانستان، إلى التواطؤ الرخو مع النظام الثيوقراطي المارق في إيران.
كذلك بدأت “المزحة الديمقراطية الفجة” باتصال بايدن برئيس الحكومة الافتراضية في المنطقة الخضراء مصطفى الكاظمي، بعد ساعات من سحب مقتدى الصدر أنصاره من ميدان الاحتجاج.
استمر بايدن بالمزاح الديمقراطي عندما دعا إلى الانخراط في حوار “وطني” في سبيل صياغة خارطة طريق من أجل الخروج من الأزمة الحالية بما يتوافق مع دستور العراق وقوانينه.
كم يبدو هذا الكلام، مبتذلا حد الازدراء، فبايدن يدرك أن الدستور لا يمثل إلا من كتبه، بما فيه القلم الأمريكي، وأن لا قانون في بلد مختطف من قبل ميليشيات اللادولة.
وعندما رحب الرئيس الأمريكي بـ “جهود الكاظمي من أجل خفض حدة التوترات” كان يمارس خديعة معلنة لنفسه، ولو كان أحد مستشاريه مخلصًا في مهامه لنبهه أن في الثقافة الشعبية العراقية هناك ما يسمى بمفهوم “الطرطور” انتقل لأروقة السياسة منذ عام 2003. وذلك لا يتطلب من بايدن الثناء على الكاظمي بقدر الشفقة عليه.
ولو كان هذا المستشار مخلصًا أكثر لنقل إليه تصريح مسؤول في حكومة الكاظمي لوكالة رويترز الذي اعترف أن السلطات ليست في وضع يسمح لها بفرض سيطرتها.
وقال المسؤول في حكومة الكاظمي وفق نص وكالة رويترز “أن الحكومة لا حول لها ولا قوة لوقف الاشتباك لأن الجيش منقسم بين موالين لإيران وأتباع الصدر”.
فأي أهمية سياسية بعدها لاتصال بايدن بالكاظمي، ومن ثم تعهده بدعم الولايات المتحدة لعراق “مستقل وذو سيادة”.
ذلك ما يذكّر بجملة سيء الذكر بوش الإبن ومن بعده دونالد رامسفيلد وكولن باول “سنجعل من العراق واحة ديمقراطية في المنطقة” “الحرب تجلب الحرية” “قسّم كي تسيطر”!
في كل الذي حصل وما يحصل لا يوجد ما يدعو إلى الثقة من قبل العراقيين بإدارة البيت الأبيض، إنها مصدر مأساتهم، وهي مسؤولة عن استمرارها أيضَا.
فجو بايدن الذي يتعهد بالمحافظة على مزحة الديمقراطية الرثة في العراق، يدرك أن ديمقراطية بلده مريضة، إن لم تكن مصابة بالوهن. منذ أن مزقت الديمقراطية نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي خطاب دونالد ترامب علنًا أمام الملأ وحتى اقتحام مبنى الكونغرس. كان الجمهوري دونالد ترامب قد رفض الأخلاق الديمقراطية برفضه الاستجابة لمصافحتها!
الديمقراطية مريضة، لكنّ السياسيين الأمريكيين يرفضون إدخالها إلى غرفة العناية المركزة، منذ أن غابت الحقيقة بشأن الهزيمة المريعة للقوات الأمريكية في أفغانستان. وهي أكثر مرضًا ومسببة للإحباط عند دول العالم التواقة لها، عندما يعول الرئيس الديمقراطي جو بايدن على ملالي إيران بوصفهم نظامًا مقبولًا للتحاور معهم وليس دولة مارقة. لذلك لا يتردد خبراء العلوم السياسية في إطلاق وصفة لتجنب الديمقراطية الأمريكية كي لا يصابون بأمراض أفغانستان والعراق.
لقد مارس بايدن نوعًا من اللغو الديمقراطي في “القمة من أجل الديمقراطية” التي أقامها نهاية العام الماضي عندما تم اعتبار العراق دولة ديمقراطية مفترضة، وهو سخف يفوق سخف الوعد السياسي الذي أطلقه جورج بوش بتحويل العراق إلى واحة ديمقراطية في المنطقة، بيد أنه سرعان ما تحولت تلك الواحة إلى وصفة أمريكية صريحة للظلم والفشل.
أعاد وجود العراق في مؤتمر بايدن للديمقراطية إلى الذاكرة صلف ووضاعة سيء الذكر أحمد الجلبي عندما أعلن مبكرًا بعد قيادة الترويج لاحتلال بلده والقضاء على مؤسساته الوطنية عام 2003 بأن دول المنطقة لن تسمح بقيام عراق ديمقراطي!
الأمر الذي دفع إيمي هوثورن مديرة أبحاث مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى اعتبار دعوة العراق إلى قمة بايدن للديمقراطية بالمعيبة بدرجة كبيرة.
الديمقراطية بنت نفسها عبر التاريخ على أكثر الألوان وضوحًا وتضادًا، بينما ديمقراطية الوعود الأمريكية مجمدة في مكاتب البيت الأبيض. ماذا عن الشعوب التي وعدت بأنها ستسقى عصير الديمقراطية المنعش والصحي. إنها تعيش اليوم محبطة جراء أشد أمراض الديمقراطية المقترحة من بوش إلى بايدن!
من الواضح أن الإهمال والانطواء الأوروبي الأمريكي بشأن جريمة الديمقراطية التي ارتكبت في أفغانستان والعراق، ويتم الإعداد لها في إيران هذه الأيام للقبول بها كعضو في المجتمع الدولي، يكشفان للعالم أن مبادرة بايدن مثيرة للسخرية عندما يسمح للراديكاليين بالوقوف أمام التاريخ والصراخ عن القيم المثالية، وهكذا لم يكن ينقص بايدن إلا القبول بإبراهيم رئيسي ممثلًا ديمقراطيًا من بلاد فارس في قمة الديمقراطية. بالضرورة ووفقًا للأبجدية الإنجليزية كان سيجلس جوار الممثل العراقي للديمقراطية الوليدة في بلاد الرافدين!
فشلت الولايات المتحدة في اختراع دول على شاكلتها، ويحاول بايدن اليوم زرق حقنة في جسد الديمقراطية العليل، فالحرب على الإرهاب حولت حياة شعوب دول إلى مجرد علف لإنتاج عناوين عريضة في الصحف الأمريكية تحيي قوة القادة الغربيين وعملهم السريع وعزمهم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى