أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

العراق يسير نحو تفشي الأمية بدلًا من محوها

أرقام صادمة تعصف بقطاع التعليم في البلاد لأعداد الأميين وسط تحذيرات من تداعياتها الكارثية على مختلف مناحي الحياة.

بغداد – الرافدين

يمر اليوم العالمي لمحو الأمية على العراق وهو يعاني من ارتفاع كبير بنسب الأمية بعد أن قدرت الأمم المتحدة أعداد الأميين في البلاد بـ 12 مليون شخص أمي أي ما يعادل 25 بالمائة من نسبة السكان.
وقد تجاوزت هذه التقديرات التي أكدتها مصادر من نقابة المعلمين الأرقام السابقة المعلنة من قبل وزارة التربية في العراق، والتي قدرت أعداد الأميين بنحو 5 ملايين شخص لا يجيدون القراءة والكتابة.
ويحتفل العالم، في الثامن من أيلول، من كل عام باليوم العالمي لمحو الأمية؛ الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 1966 لتذكير المجتمع الدولي بأهمية محو الأمية وتوكيد الحاجة إلى تكثيف الجهود المبذولة نحو الوصول إلى مجتمعات أكثر إلمامًا بمهارات القراءة والكتابة.
وقال نقيب المعلمين عباس كاظم السوداني إن “نسبة الأمية في العراق ترتفع بشكل مهول سنويًا، بفعل عدم معالجة هذه الظاهرة السلبية وتراكم مفاعيلها، فالعراق الذي غادر الأمية سابقًا، ها هو يتقهقر ويعود إليها وبقوة، حيث تتجاوز أعداد الأميين الآن على أقل تقدير 8 ملايين أمي وهذا رقم مهول ومحزن”.
وأضاف “ثمة جملة أسباب تقف وراء تفشي الأمية بهذا الشكل المخيف، أهمها عدم استقرار البلد واضطراب أوضاعه السياسية والأمنية والاقتصادية، واتساع نطاق الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع العراقي وشرائحه، وعدم تفعيل قانون إلزامية التعليم النافذ لحد الآن، وبالتالي عدم كبح نزيف التسرب من المدارس العراقية”.
وعبر عن أسفه بانتشار ظاهرة الأمية الخطيرة التي ستطال تداعياتها الكارثية مختلف مناحي الحياة والإنتاج في العراق، وتنعكس كارثيًا على أمنه واستقراره.
وكانت الباحثة العراقية رلى عبد السلام الآلوسي قد نجحت في تثبيت كلمة “إبادة التعليم” في الدراسات والبحوث الأكاديمية باللغة الإنجليزية. بعد وضع تعريف قاموسي وأكاديمي للكلمة استنادًا لما حدث في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003.
وتم اعتماد بحث الآلوسي خلال مشاركتها في المؤتمر الدولي الحادي عشر حول إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي الذي أقيم بجامعة أكسفورد ما بين الثامن والتاسع من آب الماضي.
واشتقت الباحثة العراقية كلمة “إبادة التعليم” (EDUCIDE) “أجيسايد” من جمع مقطعين لغويين من كلمتي التعليم والإبادة (EDUCATION AND GENOCIDE) لتضاف إلى القاموس اللغوي الإنجليزي وبتعريف يعتمد على إبادة التعليم في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003.
ودافعت الآلوسي في بحثها “التدريس والتعلم من أجل التعلم مدى الحياة” خلال مؤتمر إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، متخذه من واقع التعليم في العراق بعد الاحتلال الأمريكي مثالا للدراسة، أمام نخبة من الجامعيين خلال المؤتمر الذي أعتمد الكلمة الجديدة ومنح الباحثة العراقية جائزة أفضل نشر أكاديمي لعام 2022.
وترد الباحثة العراقية التي سبق وأن قدمت مجموعة من البحوث المعنية بشؤون التعليم والسبل الاقتصادية لإدارة عمليات التدريس في الجامعات البريطانية، اشتقاقها لكلمة (EDUCIDE) “إبادة التعليم” من تهالك النظام التعليمي في العراق منذ الاحتلال الامريكي عام 2003.
ويرى عضو نقابة المعلمين العراقيين، ناصر الكعبي، أن الارتفاع في نسب الأمية يرجع إلى “عدم وجود تخصيصات مالية لجهاز محو الأمية التنفيذي وأن العراق متجه نحو الأمية وليس محو الأمية”.
ويدق مدير قسم محو الأمية في النجف أحمد الموسوي، ناقوس الخطر إذ يؤكد هو الآخر أن “عدد الأميين في العراق بلغ 12 مليون مواطن، وهذا الرقم يعد كبيرًا جدًا”، لافتًا إلى أن “مشروع محو الأمية الذي انطلق العام الماضي، يعد فاشلًا ويسير بشكل خاطئ”.
وعزا الموسوي هذا الرقم إلى “الدعم الحكومي المحدود، فيما علل قلة إقبال المواطنين، لأسباب مختلفة تعود للوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي وغيرها من المعرقلات”.
وتعود أسباب ارتفاع نسبة الأمية وفقًا لخبراء تربويون إلى “نحو عقدين من الفوضى التي خلفها الاحتلال، متمثلة بالانفلات الأمني، ومن ثم النزوح وانتشار الفساد، واتساع الفجوة الطبقية بين فئات المجتمع العراقي وشرائحه، وإغفال تفعيل قانون “إلزامية التعليم” النافذ لحد الآن، وعدم كبح نزيف التسرب من المدارس العراقية”.

تسرب الأطفال من المدارس يفاقم من ظاهرة تفشي الأمية وتبعاتها الخطيرة

وينسب خبير التدريب التربوي شاكر عبد الكريم تفشي الأمية إلى الفساد المتغول في مؤسسات الدولة، وهشاشة الدور الرقابي والتربوي مما خلف جيوشًا من الأميين يُغض الطرف عنهم فلا يذكرون إلا في الإحصاءات الرسمية وعناوين الصحف.
ويضيف عبد الكريم إلى العوائق السابقة المحاصصة والتحزب ضمن مؤسسات التعليم والنقص الحاد في المدارس وفي الريف وأطراف المدن وضعف الرقابة وعدم تطبيق إلزامية التعليم إلى جانب موجات الهجرة والنزوح الأمر الذي “عكس واقعًا مؤلمًا لما آل إليه التعليم وضاعف من أعداد العازفين عنه”.
وتتفق الناشطة الحقوقية هناء الهاشمي، مع ما ذهب إليه عبد الكريم وتؤكد، أنّ هناك عوامل كثيرة تسبّبت بزيادة معدلات الأمية في البلاد، أبرزها العامل الأمني بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، وتردي الوضع الاقتصادي، وضعف التوعية والاهتمام الحكومي، وآخرها كانت جائحة كورونا.
ووفقًا للهاشمي، فإن “هناك أكثر من مليون طفل دون سن السادسة عشرة هم إمّا نازحون أو انخرطوا في سوق العمل في العراق، ويمكن للحكومة لو كانت جادة أن تعيدهم لمقاعد الدراسة، وتوفر مدخولًا ماليًا يغنيهم عن العمل”.
كما تحدثت عن “غياب الترغيب الحكومي للفئات غير المتعلمة لإكمال تعليمها والدراسة، ما فاقم المشكلة، لتضاف إلى باقي أسباب ارتفاع نسب الأمية في العراق”.
وتقارن الدكتورة في جامعة بغداد، ريا قحطان الوضع الحالي مع الوضع السابق إذ تؤكد أن العراق حصل على جائزة اليونسكو في العام 1979، كونه نجح في برامج محو الأمية والآن وبعد مرور أكثر من 40 عامًا نطلع على بعض التقارير الدولية التي تشير إلى أن نسبة الأمية في العراق قد وصل إلى نحو 25 بالمائة من السكان بمعنى تراجع خطير، وهو ضمن موجة التراجع في الكثير من مقومات الحياة الأساسية الأخرى”.
وتؤكد قحطان “مما لا شك فيه أن هذا التراجع بدأ بعد فرض الحصار الاقتصادي على البلد عام 1990، والاحتلال الأمريكي عام 2003، وأن الأمر لا يتطلب أكثر من بناء مدارس جديدة، وتعيين المعلمين والإداريين فيها، وتوفير المستلزمات المادية للمدرسة من أثاث وغيرها، في ظل الميزانيات الانفجارية”.

الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين لا يفهمون ما يقرأون وفقًا للبنك الدولي

وتتعدد أسباب تفشي الأمية لتشمل النظام التعليمي نفسه ومخرجاته بعدما انعكست عليه حالة الفشل التي خلفها الاحتلال وهذا ما أكده البنك الدولي هذا العام.
وتبين إحصاءات البنك الدولي ان 90 بالمائة من الطلاب العراقيين لا يفهمون ما يقرأونه، بسبب الصراع الذي عاشه العراق وأوجه القصور فيه وضعف نواتج التعليم الذي “يعجز عن تقديم المهارات الأساسية إلى الطلاب والتي تشكل أساس التعلم وتنمية المهارات”.
وأظهرت نتائج تقييم لمهارات القراءة ومهارات الرياضيات للصفوف الأولى كان قد أجراه البنك الدولي أنه “بحلول الصف الثالث لم تكن الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين الذين تم تقييمهم قد اكتسبوا بعد المهارات الأساسية الكافية”.
ولم يتمكن “ما يقرب من ثلث طلاب الصف الثالث من الإجابة بشكل صحيح على سؤال واحد حول أحد النصوص المناسبة لأعمارهم قرأوها لتوهم”، بينما “لم يتمكن 41 بالمائة من طلاب الصف الثالث من حل مسألة طرح حسابية واحدة بشكل صحيح”.
ويرى البنك الدولي أنه جراء نواتج التعلم المتدنية “تبرز الحاجة الماسة إلى التركيز على الطلاب من الفئات الأكثر احتياجًا والمعرضين لخطر التخلف عن الركب والتسرب من نظام التعليم”.
ويذهب بعض الاختصاصيين في مجال التربية والتعليم إلى أن اتساع الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع العراقي وشرائحه أدى الى عدم كبح نزيف التسرب من المدارس وبالتالي صب هذا التسرب في ارتفاع نسب الأمية ووصولها لهذه الأرقام الخطيرة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى