أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

باحثون يدقون ناقوس الخطر من عملية تجهيل متعمدة في العراق

قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين: حكومات الاحتلال حاربت العلم وأشاعت التخلف والفساد لتغييب الوعي.

عمان- الرافدين
دق خبراء وأخصائيون عراقيون في التعليم وحقوق الإنسان ناقوس الخطر من عملية تجهيل لأجيال من العراقيين، بعد انتشار الأمية بأرقام مخيفة منذ عام 2003.
وأجمع الخبراء في ندوة نظّمها قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأميّة، بعنوان “تفشي الأمّية في مهد الحضارات: الجهل السلاح الصامت الذي يهدد العراق”، على أن الحكومات المتعاقبة منذ احتلال العراق عام 2003 تتحمل مسؤولية انهيار التعليم، كما أسهمت بطريقة أو بأخرى بما صار يطلق عليه إبادة التعليم.
وذكر قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، على هاش الندوة، أن نسبة الأمية المتصاعدة في العراق تشير بوضوح إلى نتائج حتمية الجهل التي فرضها الاحتلال واتبعتها حكوماته المتعاقبة التي تهدف إلى محاربة العلم وفرض التخلف واستشراء الفساد وتغييب الوعي وإحداث حالة الاستنزاف الفكري والانحلال الأخلاقي ونسف مقومات المجتمع المدني كافة في سبيل تسهيل بث التفرقة بين مكونات الشعب الواحد وصناعة العنف وافتعال الأزمات والصراعات وتفكيك آليات التغيير الجماهيري والتفرد بالسلطة.
وكشف المشاركون في الندوة عن معدلات مخيفة من الأمية في عموم العراق، وصلت إلى 50 بالمائة في عام 2021 بالتزامن مع ما تشهده البلاد من انهيار واسع لكافة المؤسسات في المجالات الخدمية والبنى التحتية.
وقال الباحث الدكتور صباح علّو في ورقته المعنونة بـ “اليوم العالمي لمحو الأمية، تراجع نظام التعليم في العراق عبر السنين” إن العراق يعاني من ارتفاع مستمر بنسب الأميّة تعود لأسباب عديدة في مقدمتها الوضع الأمني والفقر والنزوح، مع عدم وجود إحصاءات دقيقة عن النسب الحقيقية للأميّة، مشيرًا إلى أن التوقعات تؤكد أن العراق يشهد وجود ما يزيد عن خمسة ملايين أمي على الأقل ممن تتراوح أعمارهم بين “15 – 45” عامًا.
وأشار الدكتور علّو إلى أن العزوف عن المدارس والتعليم وزيادة أعداد الأمية في العراق بدأت منذ سنة 2003، حيث كان للحروب والأوضاع الاقتصادية التي مرّ بها، الدور البارز في تراجع التعليم، في حين أوضحت تقارير دولية عدة أن أبنية المدارس لم تعد صالحة للتعليم، وأن الكثير منها لا تحتوي على المقاعد والكراسي المدرسية، بينما بات ربع المدارس الابتدائية يعمل بنظام الوجبتين أو الثلاث وجبات في اليوم، الأمر الذي خفض مدة الحصة الدراسية في كل وجبة.
ولفت إلى أنه في العام 1979 حاز العراق على جائزة منظمة اليونسكو في القضاء على الأمية والذي جرى ضمن حملة وطنية شاملة، بينما باتت البلاد بعد عقود من الصراع وغياب الاستثمارات ودمار نظامه التعليمي؛ تعاني من معوقات عديدة تواجه القطاع التعليمي من مظاهرها وجود ثلاثة ملايين طفل خارج المدارس وفق إحصاءات تقديرية صدرت عام 2021.
من جهته؛ تناول الدكتور أيمن العاني مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين واقع التعليم في العراق في ظل حتمية الجهل التي فرضها الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، مسلطًا الضوء على محاربة التعليم بأساليب خبيثة غير مسبوقة والتي تمت في ظل النظام السياسي القائم في العراق ما بعد 2003؛ حيث ألغيت إلزامية التعليم ضمنيًا مع إشاعة الفوضى وضياع هيبة الدولة، وتفاقم موجات النزوح القسري والتهجير التي طالت ملايين الأطفال العراقيين مع عائلاتهم.
ولفت إلى أن عبارة “نظام تعليمي مجاني في جميع مراحله من المستوى الابتدائي إلى المستوى التعليمي العالي” المشهورة في العراق؛ صارت بعد الاحتلال مجرد حبر على ورق، بالتزامن مع شح المقاعد الدراسية من جراء التدمير الممنهج والإهمال المتعمد لأكثر من 90 بالمائة من الأبنية المدرسية، وتجذر الفساد والمحسوبية في هذا القطاع الحيوي، وتغييب الخبراء والأساتذة والأكاديميين والكوادر التدريسية المهنية والكفؤة، وركاكة المناهج الدراسية وتخلفها.
وأكد مسؤول قسم حقوق الإنسان على أن الأمية ليست مجرد مشكلة تعليمية واجتماعية واقتصادية، وإنما هي قضية سياسية لها تداعيات خطيرة بعيدة المدى، مبينًا أن القضاء على الجهل لم يكن أولوية لدى أي من الحكومات المتعاقبة التي عملت على تفشيه لضمان خفض الوعي الشعبي وقتل روح التضحية والتفاني بين أبناء الوطن الواحد ونسف مقتضيات العمل الجماعي لبناء وطن غني بثرواته ينعم أبناؤه بالعيش الرغيد.
بدوره؛ استعرض الدكتور نصير صفاء أستاذ طرق التعليم ومناهجه في الجامعة المستنصرية سابقًا في الورقة الثالثة من الندوة؛ وقائع وحقائق تعنى بالمنهاج والأساليب التعليمية في العراق في المدة بين عامي (2006 – 2011)، موضحًا أهم الأسباب التي تقف وراء انحدار التعليم في البلاد والتي تؤول بدورها إلى زيادة نسب الأميّة والتجهيل في أوساط المجتمع العراقي.
وأكّد على أن الأميّة لا تنحصر في عدم المقدرة على القراءة والكتابة، بل تتعدى إلى معرفة التطورات التقنية واستخدام الأجهزة الحديثة في الدراسة والتواصل وفق شروط وضوابط معتبرة، لافتًا إلى أن الأفكار والمسالك السياسية التي جاءت بها أحزاب السلطة بعد احتلال العراق أسهمت بشكل كبير جدًا في تفشي الأمية والجهل بين العراقيين، محذرًا من محاولات هذه الأحزاب فرض قوانين بدوافع سياسية تزيد من تفاقم هذه المشكلة وتقطع طرق معالجتها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى