أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

التهاون الحكومي حيال انتشار المخدرات يمعن في تفكيك المجتمع العراقي

قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق: وزارة الداخلية تلاحق تجار المخدرات الصغار وليست لديها أي رقابة على كبار التجار.

عمان- الرافدين

حذر قسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين في العراق من إن الفساد الحكومي المتجذر وضعف النظام الأمني الممنهج في العراق يحولان دون معالجة مشكلة المخدرات المتنامية في البلاد.
وذكر تقرير للهيئة بعنوان “المخدرات تهديد جاري التنفيذ للإمعان في تفكيك المجتمع العراقي” أن
محاولات الحد من تهريب المخدرات وتوزيعها محدودة وغير هادفة إن وجدت.
وأوضح التقرير المطول الذي صدر الاثنين “تشن القوات الأمنية في محافظة ميسان حملات دهم شبه يومية لأوكار المخدرات في المحافظة، لكن مصالح المتاجرين بالمخدرات والميليشيات الموالية لإيران التي تقف وراءهم تعيق تلك الحملات وتهدد أهالي الضباط الذين يحاولون معالجة قضية المخدرات”. وأشار تقرير قسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين إلى أن وزارة الداخلية تلاحق فقط تجار المخدرات الصغار وليست لديها أي رقابة على كبار تجار المخدرات. كما يدفع المهربون رشى باهظة لقوات الأمن والميليشيات التي تسيطر على الحدود وتغض الطرف عن تدفق المخدرات.
وأشار إلى استخدام عدة معابر غير رسمية للتهريب التي تديرها الميليشيات في الجنوب على طول الحدود مع إيران وفي الغرب على الحدود مع سوريا.
وأوضح التقرير أن معظم المخدرات المهربة إلى العراق تأتي من إيران، لكن دولاً أخرى بدأت في تصدير المخدرات إلى العراق ليتم نقلها إلى الدول المجاورة.
وبحسب تصريح لقائد شرطة البصرة عام 2021، فإن 85 بالمائة من المخدرات التي تدفقت إلى المدينة جاءت من إيران، بالإضافة إلى ذلك، تستخدم العديد من الميليشيات المواسم الدينية التي تتخللها زيارة محافظتي النجف وكربلاء لتهريب أنواع مختلفة من المخدرات.
وأشار التقرير المفصل بالمعلومات عن ظاهرة انتشار المخدرات في العراق بعد عام 2003، إلى انه في السنوات القليلة الماضية، أصبحت سوريا مصدرًا آخر لتهريب المخدرات إلى العراق.
وكان لارتفاع مستوى إنتاج الأمفيتامين في لبنان وسوريا تأثير غير مباشر على العراق، حيث تمكن تجار المخدرات بالتواطؤ مع الميليشيات المسيطرة على الحدود من تهريب ملايين حبوب الأمفيتامين والكبتاغون التي تسبب الإدمان إلى محافظات العراق.
ولم يصبح طريق التهريب هذا قناة إقليمية رئيسية لتهريب المخدرات فحسب، بل أصبح أيضًا سوقًا رائجًا لأن الكبتاغون عقار رخيص نسبيًا.
وأضاف “في حين أن إيران وسوريا هما مصدر المخدرات المهربة، فإن بعض الدول الخليجية هي وجهة التهريب من العراق؛ فالكويت والمملكة العربية السعودية من الدول المتضررة من تجارة المخدرات من العراق”.
وسبق أن صادرت الجمارك الكويتية مخدرات كانت قادمة من العراق بما يقرب من 600 كيس من الكبتاغون. وبالمثل، كانت هناك حالات في المملكة العربية السعودية تم فيها تهريب الكبتاغون من العراق عبر طريق لتهريب المخدرات يبدأ من إيران عبر العراق وينتهي في المملكة العربية السعودية.
وتم اعتقال وإدانة عدة مئات من العراقيين في جرائم مخدرات في المملكة العربية السعودية. وفي الآونة الأخيرة، لاحظت الأمم المتحدة زيادة في الهيروين الذي يصل إلى تركيا من العراق وليس فقط من إيران.
وتشير المعطيات الحالية إلى أن مأزق المخدرات في العراق سيزداد سوءًا؛ فلا نهاية تلوح في الأفق لكبح الفساد، وسيظل معدل البطالة مرتفعا، واستمرار التواطؤ الممنهج في إضعاف إنفاذ القانون لمنعه من التصدي لتهريب المخدرات والاتجار بها.
واختتم تقرير قسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين في العراق بالقول “كون العراق ما بعد الغزو الأمريكي مركزًا للمخدرات فإن هذا لن يؤثر بشكل مستمر على المجتمع العراقي فحسب، بل يؤثر أيضًا على جيران العراق. ومع استمرار الظروف الاقتصادية السيئة وانعدام مخطط له لسيادة القانون في العراق، سيستغل الأحزاب المشاركة في العملية السياسية والميليشيات الموالية لإيران نقاط الضعف هذه للوصول إلى أسواق مربحة في دول المنطقة”.
وكان العراق قبل العام 2003 دولة شبه خالية من المخدرات، ولكن بعد الغزو الأمريكي أصبح ممرا لعبور عصابات المخدرات وبلدًا مستهلكًا للمخدرات.
ونظرًا للأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعصف بالبلاد وانعدام الأمن الغذائي منذ ذلك الحين، يعاني الشباب من فقدان الأمل في مستقبل أفضل، الأمر الذي يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تفشي تعاطي المخدرات في أوساطهم.
ولم يصبح العراق هدفاً لنقل المخدرات من إيران فحسب، بل أصبح أيضاً نقطة انطلاق لتهريب المخدرات إلى بعض دول الجوار. والحكومات المتعاقبة في العراق ما بعد الغزو الأمريكي لا تبذل الجهود اللازمة للحد من تعاطي وتهريب المخدرات، وأنها في كل الأحوال متقاعسة عن التصدي لهذا التهديد المخطط له والجاري تنفيذه للإمعان في تفكيك المجتمع العراقي.
وهيأت الفوضى التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، المناخ المناسب لتهريب المخدرات عبر الحدود التي باتت مليئة بالثغرات، في حين كانت حيازة المخدرات قبل 2003 تقابل بعقوبة الإعدام، لذا فقد ظل تعاطي المخدرات خلال السنين الأولى التي أعقبت الاحتلال محدودا بسبب التداعيات القانونية العالقة في الأذهان ولأن تعاطي المخدرات ظل غير مقبول اجتماعيا.
وبحلول عام 2005، كان العراق يستخدم كنقطة انطلاق لتهريب المخدرات. وأعربت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، عن قلقها من أن العراق، بسبب حالة الاحتلال، أصبح بلد عبور للمخدرات القادمة من إيران.
ومع تدهور الأوضاع الاجتماعية يشكل عام في العراق، ازداد معدل إدمان المخدرات بين العراقيين. إذ أدت معدلات البطالة المرتفعة والزيادات المرعبة في نسب الأمية إلى حالة غير مسبوقة من الاستنزاف الفكري والانحلال الأخلاقي، وخاصة في أوساط الشباب، الأمر الذي دفع أعداد كبيرة من العراقيين للبدء في استخدام الكريستال ميث، الذي يصفه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأنه “العقار الرئيسي المثير للقلق” في العراق.
وفاقمت جائحة كورونا المشكلة وكشفت النقاب عن حقيقة الاقتصاد العراقي الهش وقللت من فرص العمل في الوقت نفسه.
ويربط بعض المراقبين في العراق بشكل مباشر بين معدل البطالة المرتفع بين الشباب وزيادة الإدمان.
وما تزال الأرقام الرسمية بشأن قاعدة بيانات هذا الملف غير متوفرة، لكن تصريحات المسؤولين تشير إلى أن مشكلة المخدرات حادة للغاية في بعض المدن؛ على سبيل المثال، صرح محافظ الديوانية أن نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب وصلت إلى 45 بالمائة بحسب بعض تقديرات المنظمات غير الحكومية.
في غضون ذلك؛ تلقى العديد من القضاة الذين يتعاملون مع قضايا متعلقة بالمخدرات تهديدات بالقتل، دون أي استجابة من الحكومة.
ومنذ عام 2003، قُتل 74 قاضياً في العراق، كان معظمهم يتعاملون مع قضايا تتعلق بالمخدرات أو بالفساد، ليس آخرها مقتل القاضي المختص بقضايا المخدرات في محكمة استئناف محافظة ميسان، الأمر الذي يثير مخاوف من أن يتولى القضاة مثل هذه القضايا.
وحتى بعد القبض على بعض تجار المخدرات، يتوسط السياسيون ويتم إطلاق سراح المتورطين. وقد تم القبض على نجل محافظ النجف واثنين من أصدقائه وهم في طريقهم إلى بغداد ومعهم 6 كيلوغرامات من الحشيش و7000 حبة.
وحكم عليه بالسجن 15 عاما، لكن الرئيس الحالي برهم صالح أصدر عفوا عنه بعد تدخل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وتم إلغاء العفو بعد انتقادات لاذعة وجهت إلى الرئاسة، ولكن تم ذلك بعد تأمين هروب المستفيد منه إلى خارج العراق.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى