أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

صراع الميليشيات على السلطة ينعش تجارة السلاح في العراق

الميليشيات والأحزاب والعشائر المتنفذة تقف خلف شبكات المتاجرة بالسلاح وتوفر الغطاء لعمليات البيع والشراء دون إجراءات حكومية رادعة للحد من هذه الظاهرة.

بغداد – الرافدين
انتعش سوق بيع السلاح في العراق بشكل لافت في الفترة الأخيرة بعد اتساع حدة الصراع بين الميليشيات وأحزابها لاسيما التيار الصدري وميليشيا السرايا من جهة وميليشيات الإطار التنسيقي الموالي لإيران من جهة أخرى عقب الاقتتال بينهما في بغداد والبصرة ومحافظات أخرى.
وأظهرت مقاطع مصورة جرى تداولها بشكل لافت خلال الساعات الماضية حركة تبضع كبيرة في سوق مريدي لبيع السلاح في مدينة الصدر شرقي بغداد في ظل غياب تام للمظاهر الأمنية.
وأعادت المتاجرة بالأسلحة بهذا الشكل العلني الحديث عن جدوى الخطط الأمنية وشعارات حصر السلاح بيد الدولة التي لطالما تبجحت بها الحكومات المتعاقبة كما يقول مراقبون وسط مخاوف حقيقية في الشارع العراقي من تأثيرات هذا السلاح على السلم الأهلي.
ويعد سوق مريدي، وهو أكبر الأسواق الشعبية في بغداد لبيع المواد المستخدمة ويقع في مدينة الصدر شرقي العاصمة بغداد، من أكثر الأسواق العراقية التي توفر الأسلحة للمواطنين العاديين.
وتتوفر في السوق جميع أصناف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة مع أعتدة متنوعة في مؤشر واضح على استيراد تجار السلاح لأسلحة جديدة.
ويفسر خبراء عسكريون هذا الأمر بوجود تواطؤ في عملية إدخال الأسلحة من خارج الحدود إلى داخل المدن، فضلًا عن عمليات تسريب السلاح من مخازن وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية الأخرى.
وبحسب دراسة أعدتها الأمم المتحدة عن مقاييس الدول العربية في ظاهرة انتشار السلاح بين عامة الناس، كان للعراق حصة الأسد في تخطيه مقاييس دولية حول أعداد وأشكال السلاح المتاح وبأسعار قياسية.

انهيار الأمن يزيد من الإقبال على شراء السلاح في سوق مريدي شرقي بغداد

وعلى الرغم من حالات الركود والانكماش التي تشهدها الكثير من السلع والمواد الغذائية والمنزلية طبقًا للوضع الاقتصادي في البلاد، إلا إن تجارة السلاح لا تبدو مشمولة بذلك.
وتتحكم بأسعار الأسلحة، عدة عوامل وهي نوع السلاح وتاريخ صناعته والمنشأ، وتتراوح من 600 دولار إلى 3 آلاف دولار للمسدسات أما الأسلحة الرشاشة فتتراوح أسعارها بين 800 دولار و4 آلاف دولار كما يؤكد مطلعون على هذا النوع من التجارة في بغداد.
ويشير هؤلاء المطلعون إلى أن “معظم المحال التجارية التي كانت تبيع الأسلحة في سوق مريدي، باتت حاليًا تبيع التجهيزات العسكرية مثل الملابس والخوذ وغيرها، لكن في حقيقة الأمر تبيع الأسلحة بالخفاء”.
وشهدت تجارة السلاح في الأعوام الأخيرة تطورًا ملحوظًا، إذ صار يباع في مواقع التواصل الاجتماعي في خطوة لتسهيل عملية “إيجاد” الزبائن، وفقًا لخبراء في القطاع الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
وخلصت دراسة أجراها “معهد الحوار الاستراتيجي” البريطاني، إلى إن “بيع الأسلحة في العراق منتشر عبر منصة فيسبوك”، مشيرةً إلى أن “شركات وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة؛ اتهمت كثيرًا بفشلها في تعديل المحتوى الضار والخطير بشكل فعال، خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط”.
وأشارت الدراسة إلى أن “(ميتا)، الشركة الأم لفيسبوك، تمتلك موارد أقل للتعامل مع المحتوى بلغات ولهجات مختلفة مقارنة باللغة الإنجليزية”.
ونقل التقرير عن المدير التنفيذي في “معهد الحوار الإستراتيجي” لإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا؛ مصطفى عياد، قوله إن “الإفتقار إلى تطبيق الضوابط في اللغتين العربية والكُردية، تسبب في فتح سوق للأسلحة في العراق من خلال فيسبوك”.
وأوضح عياد، إنه “كان من السهل نسبيًا العثور على اسلحة للبيع في اقسام التعليقات لصفحات فيسبوك الكبيرة جدًا، والصفحات التي يزيد عدد المتابعين فيها عن مليوني شخص”.
وبين التقرير، وجود “أسباب كثيرة تجعل من شبكات بيع الأسلحة في العراق مُثّيرة للقلق، أهمها أن اللغة العربية هي أحد أسرع اللغات نموًا على فيسبوك وعلى منصات أخرى مملوكة مثل واتسآب”.
وعد الناشط في مجال حقوق الإنسان جلال السلطاني أن مجرد عرض الأسلحة والترويج لها عبر مواقع التواصل هو نشر لثقافة العنف في المجتمع، محملًا الأجهزة الأمنية مسؤولية ذلك.
وقال “أتابع تلك المجموعات الخاصة، وكيف تحولت إلى سوق رائجة لبيع وشراء الأسلحة، وأغلب العراقيين حاليًا يحصلون على السلاح عبر تلك المجموعات”.
وأشار إلى أن هناك ترويج للسلاح وترغيب في شرائه، وهذه الأساليب في الدعاية تغري الشباب بشكل كبير للحصول على السلاح، وهذا خطر يهدد الجميع.
وأضاف أن “أغلب المتاجرين بالسلاح لهم ارتباطات بأحزاب متنفذة وميليشيات مسلحة، ما يمنحهم القدرة على ممارسة العمل والترويج للأسلحة”، محملًا الأجهزة الأمنية “مسؤولية هذا الإخفاق”.

انتشار المتاجر الافتراضية لبيع السلاح على فيسبوك يعقد من مشكلة تجارة السلاح

وبحسب خبراء في السلك الأمني والاستخباراتي فإن 60 بالمائة من تجارة السلاح تقف خلفها جماعات وميليشيات وأحزاب متنفذة، وتستخدم بطاقاتها التعريفية في نقل السلاح وبيعه، كما أن التقديرات تشير إلى ارتفاع معدلات تجارة السلاح والتي تصل إلى نحو مليوني دولار في العام الواحد.
وقال مسؤول رفيع في وزارة الداخلية طلب عدم الكشف عن هويته، إن أحد الأسباب الرئيسة لازدياد الجرائم في بغداد وجنوب العراق هو أن الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الايراني “تغرق تلك المناطق بالسلاح القذر وما حصلت عليه خلال الحرب مع داعش”
وأضاف المسؤول أن الميليشيات نقلت الأسلحة المصادرة من المدن المنكوبة إلى المحافظات الجنوبية وبغداد، وباعتها بأسعار منخفضة جدا.
وتابع أن الأسلحة بيعت للعشائر وعصابات الجريمة المنظمة وشبكات تجارة المخدرات المشتبه بها مؤكدًا أن التحقيقات الجنائية بينت أن المشتبه بارتكابهم جرائم قتل وسرقة وسطو مسلح قد حصلوا على الأسلحة من عناصر ميليشيات يعرف ارتباطها بإيران.
وذكر أن عناصر الميليشيات يستعملون بطاقات هويات ميليشيا الحشد الخاصة بهم لنقل الأسلحة والعتاد وبيعها في بغداد وجنوبي العراق.
وبالتوازي مع ذلك يبرز السلاح المنتشر لدى العشائر العراقية كأحد أهم أسباب تداعي الوضع الأمني داخل البلاد، إذ ما انفكت هذه الأسلحة تستخدم في النزاعات العشائرية وما يعرف محليًا بـ”الدكات العشائرية” التي تسببت في مئات الأحداث الدامية طيلة السنوات الماضية.
وتعرف الدكة العشائرية على أنها ظاهرة قبلية تتمسك بها قبائل وسط وجنوب العراق من أجل استرجاع الحقوق دون تدخل حكومي أو قضائي، ولا يكاد يمر أسبوع واحد دون تسجيل وزارة الداخلية عدة وقائع منها.
ولا تزال الدكة العشائرية منتشرة في مدن وسط وجنوب العراق، على الرغم من أن القضاء بات يعتبرها من ضمن جرائم الإرهاب في البلاد.

سلاح العشائر المتنفذة وعلاقاتها بالميليشيات يهددان السلم المجتمعي وأمن العراق

ويرى الخبير بالشؤون الأمنية والاستراتيجية أحمد الشريفي أن “الحكومة الحالية غير قادرة على ضبط السلاح المنفلت ومعاقبة المتاجرين به، لا سيما أن عملية بيع وشراء واستخدام السلاح لا تقتصر على العشائر، التي لا تزال تتمسك بعاداتها البدوية، بل تدخل على هذا الخط جهات حزبية وأخرى سياسية تسعى إلى تنفيذ مشاريعها”.
ويؤكد الشريفي أن العشائر والجهات المسلحة في وسط وجنوب العراق لا تمتلك المسدسات والرشاشات فقط، إنما هناك من يمتلك الصواريخ والمدافع والآليات، لافتًا إلى أن هذه العشائر قادرة على احتلال المدن، لامتلاكها الخبرة العسكرية في المواجهة.
ويجمل الخبير في علم الاجتماع مصطفى العبيدي أسباب تغول هذه العشائر وزيادة نفوذها بالقول إن “هذه العشائر استغلت ضعف الدولة وتراجع التعليم وانتشار البطالة والفقر وانتماء كثير من أفرادها للقوات الأمنية، إذ باتت محصنة من المساءلة والقوانين والقضاء، مع الأخذ بالاعتبار أن كثيرًا من عشائر وسط وجنوب البلاد باتت تمتلك مصالح اقتصادية من خلال عمليات تهريب النفط أو البضائع عبر الحدود، وبالتالي زاد امتلاكها للسلاح وازدادت مشاكلها”.
وأضاف العبيدي أن ظاهرة الدكة العشائرية لم تكن معروفة في العراق قبل الغزو الأمريكي عام 2003، وكانت النزاعات العشائرية نادرة جدًا، فكانت العشائر تقتصر على أخذ الثأر الذي دائمًا ما كان يجابه بالقوانين والمحاكمات والسجن أو الإعدام إن تسبب الحادث بالقتل.
وقدمت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال وعودًا مستمرة وتعهدات بحصر السلاح بيد الدولة وإخضاع المخالفين إلى سلطة القانون، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، خاصة أن الإجراءات الأمنية بهذا الجانب تعد ضعيفة جدًا مقارنة بنشاط تجار الأسلحة ومن يقف خلفهم من ميليشيات وأحزاب وعشائر متنفذة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى