أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

القوى السياسية تتذرع بمصطلح الانسداد السياسي البائس لتبرير فشلها

الدكتور مثنى الضاري: لا توجد مشكلة بين أبناء الشعب العراقي، وإنما المشكلة تكمن في نظام سياسي لا يمكن إصلاحه إلا بتغييره.

بغداد– الرافدين
تتذرع القوى والأحزاب السياسية بمصطلح الانسداد السياسي الذي يُجمع مراقبون سياسيون على وصفه بـ “البائس” لتبرير فشلها السياسي وصراعها على توزيع مغانم تشكيل الحكومة وبعد سنة من إجراء انتخابات قاطعها الغالبية العظمى من العراقيين
ويكمل العراق في العاشر من تشرين الأوّل عاماً كاملاً منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، في غياب حكومة جديدة أو موازنة جراء شلل سياسي يهدّد بحرمان البلاد من مشاريع بنى تحتية وفرص إصلاح هي بأمس الحاجة إليها.
ويجمع العراقيون على فشل العملية السياسية برمتها ويدفعون باتجاه حلول جذرية تطيح بالعملية السياسية بعد عشرين عاما من إدارة أكبر عملية فساد في التاريخ السياسي المعاصر شرعها الاحتلال الأمريكي واكملتها استراتيجية إيرانية في الهيمنة على مقدرات العراق عبر أحزاب وميليشيات تدار من الحرس الثوري الإيراني.
وكان مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور مثنى حارث الضاري، قد شدد على عدم وجود مشكلة بين أبناء الشعب العراقي، وإنما المشكلة هي في النظام السياسي الذي فرّق بين العراقيين، وهو نظام لا يمكن إصلاحه، والحل يكون في تغييره.
ورفع الدكتور الضاري من منسوب الأمل الوطني في إنقاذ البلاد خلال مشاركته في جلسات المؤتمر الثالث للميثاق الوطني العراقي الذي عقد في إسطنبول الأسبوع الماضي، بقوله “وقفتنا هنا على الرغم من كل ما مر في العراق على مدى عشرين سنة من الاحتلال، أقول رغم تداول المصطلح البائس (الانسداد السياسي) هناك أمل، ولولا الأمل ما اجتمعنا في هذا المكان، ولولا الأمل ما تشكل الميثاق الوطني العراقي، ولولا الأمل ما قطع المؤتمر ثلاث سنوات بهذا الحضور الكبير وهذا التفاعل العراقي والعربي”.
وحقق العراق، البلد الغني بالنفط والمنهك بعقود من النزاعات، إيرادات نفطية هائلة خلال العام 2022. وتقبع هذه الأموال في البنك المركزي، الذي بلغت احتياطاته من العملة الأجنبية 87 مليار دولار.
لكنّ الاستفادة من هذه الأموال في مشاريع يحتاج إليها العراق مرهون بتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة وموازنة تضبط إيقاع الإنفاق، فالحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي تتولى منذ عام تصريف الأعمال ولا تملك صلاحية طرح مشروع الموازنة على البرلمان.
ويشرح يسار المالكي الخبير الاقتصادي في “ميدل إيست إيكونوميك سيرفي” أن “مشاريع البنى التحتية تحتاج إلى سنوات من التمويل الثابت من الحكومة”، مضيفاً أن “الوضع السياسي تسبب باضطراب كبير زاد في إضعاف موقف العراق، الهش أصلا، أمام مستثمريه”.
ويوضح أن “الأزمة السياسية أضيفت إلى مخاوف أخرى قائمة منذ زمن، لا سيما الأمنية والفساد”.
ولا تزال الخلافات السياسية متواصلة بين التيار الصدري برئاسة مقتدى الصدر من جهة والإطار التنسيقي، الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية في الحشد الشعبي، من جهة ثانية، بعد عام على انتخابات شهدت تردداً أصلاً من الناخبين العراقيين. ومع عجز طرفي الأزمة السياسية عن حلّ خلافاتهما، لم تتشكّل بعد حكومة جديدة.
واندلعت أعمال عنف في بغداد، في التاسع والعشرين من آب، بين مقاتلين من التيار الصدري من جهة، والقوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي من جهة ثانية، راح ضحيتها نحو ثلاثين من مناصري الصدر.
واعتبرت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت أمام جلسة لمجلس الأمن مؤخراً أن تلك الأحداث كان يفترض أن تمثّل “جرس إنذار”، مضيفةً أن “الوضع لا يزال شديد التقلب”.
وتابعت “فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه”.
وفي حين قدّر البنك الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 5.4 بالمائة في المتوسط سنوياً بين عامي 2022 و2024، إلا أن “توقعات الاقتصاد الكلي تحيطها درجة كبيرة من المخاطر نظراً للاعتماد الكبير على النفط، واستمرار أوجه الجمود في الموازنة، والتأخير في تشكيل الحكومة الجديدة”، كما ورد في تقرير في حزيران.
ونتيجة غياب موازنة، ينفق العراق اليوم على أساس قانون الإدارة المالية الاتحادي أي ما أنفق في الموازنة السابقة مقسّماً على 12 شهراً، وهو ما لا يعكس واقع الايرادات التي حققتها البلاد في 2022.
لكن “هذه ميزانيات الحدّ الأدنى… تماثل الماضي وليس الحاضر أو المستقبل وتنعدم فيها فرص النمو الاقتصادي، وتحرم العراق من مشاريع استراتيجية كبيرة”، وفق المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر صالح.
وأضاف صالح لوكالة الصحافة الفرنسية “نضيّع فرصًا كبيرة، فرص الاستثمار بمشاريع مهمة واستراتيجية ومخطط لها”.
وعلى سبيل المثال، وقّع العراق عقداً الصيف الماضي مع شركة “توتال إنرجي” الفرنسية، ينضوي على مشاريع عديدة لا سيما في مجال استغلال الغاز المصاحب والطاقة الشمسية، بقيمة عشرة مليارات دولار يموّل جزئياً من الحكومة العراقية، لا يزال في بداياته.
وتسير مشاريع أخرى “بوتيرة بطيئة” في قطاع النفط، ومع “غياب حكومة بصلاحيات كاملة، وزارة النفط لا تستطيع أن تموّل وتوقّع وتمنح عقوداً لهذه المشاريع الأساسية”، كما يشرح يسار المالكي.
ومع اقتراب العام 2023 بدون موازنة، سيكون على السلطات إما تشريع قانون جديد مماثل للأمن الغذائي أو الاستمرار بالصرف على أساس الـ12 شهراً، أي “تقليص الإنفاق مرة جديدة”، كما يشرح يسار المالكي.
وعند استقالته من منصبه كوزير مالية في آب، لم يتوان علي علاوي، عن تحديد المشكلة بصراحة تامة والتي كان شريكا مؤسسا فاعلا فيها منذ احتلال العراق عام 2003.
وكتب في رسالة استقالته “كل خطط وبرامج الحكومة مقيّدة دائماً بالحاجة إلى الحصول على اتفاق واسع من طبقة سياسية ممزقة”.
وأضاف “كل دعوات الإصلاح جرى إعاقتها بسبب الإطار السياسي لهذا البلد”.
ومن بين كل عشرة شباب، يوجد أربعة عاطلون عن العمل، وفق الأمم المتحدة، فيما ثلث السكان الـ42 مليوناً، هم تحت خط الفقر.
رغم العائدات النفطية الهائلة، لم تتحسّن كثيراً حياة أمين سلمان الستيني المتقاعد من الجيش العراقي الذي كان بين المتظاهرين في الذكرى الثالثة لثورة تشرين 2019 غير المسبوقة، التي خرجت ضدّ النظام والفساد.
يقول الرجل من ساحة التحرير في وسط بغداد “البلد يمرّ بأزمة سياسية وهذه الأزمة السياسية تؤثر على الناس. الناس كلها متعبة”.
لا يتقاضى الرجل سوى 400 ألف دينار (274 دولارًا)، وهو مبلغ بالكاد يغطي قوته اليومي، أما ولداه، فعاطلان عن العمل.
ويضيف “العراق فيه مليارات، فيه أموال وفيه ذهب، لكن السياسيين لا تهمهم سوى أحزابهم وجيوبهم”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى