أخبار الرافدين
د. سعاد ناجي العزاوي

سدود تركيا وإيران وضرر سوريا والعراق

في كل ما ذكرناه في الأجزاء السابقة من هذا البحث بشأن تأثيرات سدود منابع النهرين على تصحر الأراضي في العراق، نستنتج أن:
مشروع جنوب شرق الاناضول هو مشروع مائي قائم على منابع نهري دجلة والفرات الدوليين في تركيا واللذين تشترك في حوضيهما أربع دول متشاطئة. وقد تم التخطيط للمشروع وإنشاؤه خلال فترة الحرب الباردة بين الكتلتين الرأسمالية “متمثلة بأمريكا ودول حلف الناتو” والاشتراكية والشيوعية “المتمثلة بالاتحاد السوفياتي” والصراع بينهما على توسيع وتثبيت مناطق النفوذ وفتح الأسواق الاستهلاكية والاستحواذ على الموارد. وتم التخطيط وتنفيذ مشاريع السدود والانفاق المائية العملاقة لمشاريع جنوب شرق الاناضول دون التشاور أو التفاوض مع دول مجرى النهر والمصب “سوريا والعراق”.
وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بدعم المشروع ماليًا وفنيًا وسياسيا على الرغم من تعارضه مع المبادئ الأساسية لقوانين التحكم بمياه للأنهار الدولية وصيانة والحفاظ على احواض الأنهار وتنوعها الاحيائي بموجب قرارات مؤتمرات قمم الأرض المتتابعة.
ان انشاء أكثر من أربعين سد ومحطات توليد طاقة كهرومائية وشبكات ارواء الأراضي الزراعية خلال فترة قصيرة نسبيا جاء ليخدم المصالح السياسية والاستثمارية المحلية والإقليمية لتركيا، بما في ذلك صياغة حل متوسط إلى طويل الأجل للنزعة الانفصالية العرقية للأقلية الكردية في هذه المنطقة، وكذلك ليحقق المشروع سياسة حلف الناتو في زعزعة استقرار الأنظمة في الدول المتشاطئة في حوضي النهرين “العراق وسوريا” من خلال السيطرة على المياه وبالتالي زعزعة الأمن الغذائي والمائي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه الدول.
منذ أوائل السبعينيات تم إنشاء أكثر من 40 سدًا ومحطة توليد طاقة كهرومائية وأنفاق مائية ويقترب الرقم المستهدف للمشروع لحوالي 90 سدًا و60 ومحطة.
ويقوم المشروع حالياً بخفض ما يصل إلى 60 بالمائة من معدل الوارد المائي الطبيعي لنهر الفرات في العراق، و50 بالمائة من التدفق الطبيعي لنهر دجلة.
ومن المتوقع ان يؤدي التشغيل الكامل للمشروع الى خفض ما يقرب من 80 بالمائة من الوارد المائي الطبيعي لنهر الفرات و60 بالمائة لنهر دجلة في العراق.
عند تخطيط وبناء سدود مشروع جنوب شرق الاناضول العملاقة، لم تأخذ تركيا بعين الاعتبار حقيقة أن الأراضي الرطبة “الاهوار” في جنوب العراق هي جزء مهم ومكمل لحوضي نهري دجلة والفرات في الدول المتشاطئة كافة، شأنها شأن أي أراضي رطبة أخرى داخل الأراضي التركية. وان الحفاظ على الانظمة الهيدرولوجية والإيكولوجية والجيومرفولوجية للأراضي الرطبة المتصلة بنهري دجلة والفرات في العراق مطلوب من تركيا حمايتها بموجب بروتوكول رامسار (RAMSAR) الذي وقعته تركيا عام 1994 والذي يعتبر أن دول الحوض كافة لديها مسؤولية مشتركة لحماية الأراضي الرطبة في حوضي النهرين.
ان الاستحواذ على حوالي ثلثي الوارد المائي الطبيعي لمنابع النهرين الذي كان يجري في قنوات وروافد النهرين والمصبات الطبيعية في الأراضي العراقية أدى إلى تقلص المساحة الإجمالية للأهوار جنوب العراق بنسبة مساوية لخفض الوارد المائي بالسدود والخزانات التركية.
إن مجمل الأوضاع المتعلقة بجفاف الأهوار في جنوب العراق خلال تسعينيات القرن الماضي تم تقديمها للعالم بأسره بأكبر قدر من التضليل الإعلامي والتلاعب بالبيانات من قبل وسائل الإعلام الأمريكية والغربية وباحثيهم. والحقيقة ان هذه الانظمة نفسها ساهمت في وضع والتخطيط والدعم المالي والفني لبناء السدود العملاقة لمشروع جنوب شرق الاناضول المسؤولة عن تجفيف حوالي 65 بالمائة من مناطق الأهوار في جنوب العراق منذ السبعينيات ولغاية الآن.
لا زالت كل من تركيا وإيران تتوسعان في بناء المزيد من السدود على منابع النهرين والتركيز على كميات المياه في قنوات النهرين وروافدهما مع اهمال متعمد لتأثيرات هذا التوسع على بيئة وهيدرولوجية وجيومرفولوجية وايكولوجية حوضي النهرين اللذين تبلغ مساحتهما حوالي (661000) كيلومتر مربع في اربع دول منها بحدود (178.126) كيلومتر مربع في تركيا أي بحدود27 بالمائة فقط من مجموع مساحة الحوض وبذلك فان الاستحواذ على مياه منابع النهرين يقضي على مكونات وحياة ثلثي مساحة الحوضين في كل من سوريا والعراق.
——————————————-
الجزء الأخير من بحث مطول بعنوان “تأثيرات سدود منابع النهرين على تصحر الأراضي في العراق” نشرته الرافدين على حلقات.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى