أخبار الرافدين
كرم نعمة

عمار يحتفل بهزيمة مقتدى

إذا أردت أن تعرف شكل حكومة محمد شياع السوداني، فعليك أن تعرف طريقة تفكير عمار الحكيم عندما تلتقي مع طريقة تفكير نوري المالكي “ومتى اختلفا؟”. بدأت بهاجس أن خلف كل شجرة في العراق يقف بعثيا ووصلت إلى نتيجة خلف كل شجرة يتربص بنا جندي من جيش يزيد! تلك حقيقة عمار التي يصعب عليه اخفائها مهما مارس من أنواع النفاق الديني والاجتماعي والسياسي.
بدت الصورة التي تم تداولها خلال الأيام الماضية وعمار يستقبل السوداني بوصفه المنقذ والوطني الحكيم الحريص على تشكيل الحكومة، لكن في حقيقة الأمر أن الصورة في المنزل الذي استولى عليه والد عمار من دون وجه حق من أسرة نائب رئيس الوزراء العراقي الراحل طارق عزيز “يزعم الحكيم أنه لم يستول عليه، بل استأجره من وزارة المالية وتلك مزحة سمجة لا يقترفها حتى أغبى اللصوص”.
أقول صورة عمار مع السوداني تحمل رسالة مقصودة إلى مقتدى الصدر، بأن عليك أن تتعلم منا “الصبر الاستراتيجي” كما عليك أن تتعلم من غبائك السياسي، وأخيرا الإقرار بأنك أجهل من أن تتنافس معنا.
هكذا لسان عمار يقول في رسالته للصدر “ها أنا أشكل الحكومة مع أنني أسوأ المهزومين في الانتخابات، وها أنت تتوارى مع أنك أول الفائزين في الانتخابات، لقد فشل أبوك وعمك وجدك من آل الصدر في لعبة التنافس مع اسرة الحكيم الطباطبائي، فكيف لك أن تفوز اليوم”.
دعك من البيان السطحي والتقليدي الذي زعم فيه عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة، بعد استقبال محمد شياع السوداني رئيس الوزراء المكلف بـ “ضرورة استيزار وزراء أكفاء ممن يشهد لهم بالمهنية والكفاءة والنزاهة وحسن الإدارة” ذلك كلام لا يعتد به “لص سرقة البيوت نفسه” “لا أود هنا استخدام الصفة الوضيعة التي أطلقها العراقيون على عمار”، وانما يهدف بيان كوميديا استقبال السوداني الهزيلة، إلى تأكيد نصره على مقتدى “دعونا نترقب بعدها طريقة احتفال المالكي بكسر غطرسة الصدر”.
مع ذلك تعد قصة الكراهية بين الصدر والحكيم حكاية تحذيرية لدول المنطقة لمعرفة ما يجري في “العملية الديمقراطية البائسة”. حكاية تلخص كيف يمكن أن يتحول الفساد بسرعة إلى آفة من الصراع، وكيف يصعب إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
واقع الحال يقول من حق عمار الاحتفال بانتصاره على مقتدى، فالتنافس بين أسرتي الحكيم والصدر لا يعود إلى اليوم، بل إلى عقود مضت. كان من أجل مجد طائفي وتحول بعدها إلى مغانم سياسية ومالية، وشهد معارك صوتية وخطابات مكتوبة وتهديدات مسجلة، حتى وصل الحال إلى اتهام المجلس الأعلى برئاسة محمد باقر الحكيم “عم عمار” بتدبير عملية قتل محمد صادق الصدر والد مقتدى في منتصف تسعينات القرن الماضي.
مقتدى لا يخفي كراهيته لعمار مطلقا في مجالسه الخاصة، بينما عمار يساير هذا “الجاهل” وفق تعبيره، لأن المصالح تتطلب ذلك في العراق المباحة ثروته.
وبلا أدنى شك سيشعر مقتدى بالغيض عندما يرى خصمه اللدود وحفيد خصوم أجداده يحتفل بانتصاره المفترض في الاستحواذ على الحصة الأكبر من غنيمة الحكومة. لكن كيف له أن يرد؟ ذلك ما يدخل المراقبون في دائرة المفاجأة المنتظرة من مقتدى. على مستوى مقابل لا يمثل ما ينتظره المراقبون، أي أهمية سياسية بعد كل الأفعال البهلوانية التي اقترفها الصدر خلال السنوات الماضية.
واقترح على هؤلاء المراقبين ترقب ما سيؤول إليه الحال تحت حكومة الميليشيات الولائية، بعد أن عاد الفاسدون للاحتفال بفسادهم وإدارة أكبر عملية سرقة بلد في التاريخ السياسي. سيكون هذه المرة المالكي وعمار والعامري والخزعلي سادة جوقة الدولة الطائفية الجديدة وبذرائع مكررة. لكن من سيكون كبش الفداء في عملية الانتقام المنتظرة!
بمجرد العودة الى تصريحات عمار قبل وبعد الانتخابات التي تلقى فيها صفعة العراقيين، فسنكتشف شكل الحكومة التي يريدها والتي كررها على مسامع محمد شياع السوداني صنيعة نوري المالكي، مع أن السوداني يعرفها جيدا وتعهد بتنفيذ تفاصيلها، ليكون من نفس الخواء الذي مثله المالكي خلال حقبتين حكوميتين.
أحد أهم تصريحات عمار الأخيرة تعبر بامتياز عن طريقة تفكيره الطائفي، عندما فند كل مزاعمه الانتخابية السابقة عن “عبور الطائفية” و”محاربة اللاّدولة” التي تمثّلها الميليشيات، بيد أنه دافع عما سمّاه الأغلبية الشيعية. تأمل في أي هامش وضع الوطنية العراقية!
وقال “الشيعة أينما كانوا أغلبية فعليهم احتواء شركائهم الآخرين على اختلاف تنوعهم”، معتبرا أنّ “العراق هو موطن التشيع الأصيل”.
وعزا سر قوة الشيعة إلى التركيز على المرجعية، والشعائر الحسينية، والتماسك الداخلي والتعايش.
بالنسبة لغير العراقيين، قد تبدو الحياة السياسية في المنطقة الخضراء مثل حرب العصابات، لكنها في معظم الأوقات تتم تحت غطاء هذا الصراع سرقات بمنتهى الهدوء. ففي كل وزارة حكومية يكمن الفساد في اتفاقيات غير مكتوبة مع أحد الفصائل. لكن على الجانب الآخر هناك تنافس تحت لافتة أخرى هي الدفاع عن المذهب وحصته من ثروة العراق، وكل واحد منهم يزعم أنه يمتلك تخويلا مقدسا لاستحصال هذا الحق المزعوم!
تحت هذا العنوان الطائفي الفارغ سياسيا تكمن الكراهية المستمرة بين عمار ومقتدى، لكن هل حقا انتهت المعركة باحتفال الأول بنصره؟
دعونا نترقب لأن الكراهية لا يمكن اطفائها بالأموال والمناصب وحدها، هناك ما يبقى عالقا بالأنفس المريضة كما هو عالق في… عمار ومقتدى.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى