أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

لصوص الدولة يتبادلون الاتهامات بعد أن قسموا السرقة

الكاظمي يتبرأ والعبادي يستذكر شكوكه وعلاوي يزعم انه هرب من وزارة المالية التي سيطر عليها الحمقى من أتباع الأحزاب.

بغداد- الرافدين
تصاعد تبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات بين لصوص الدولة في العراق بعد تقسيم أكبر سرقة فيما بينهم من أموال هيئة الضرائب.
ورفع كبار المسؤولين في الحكومة الحالية والحكومات السابقة من منسوب الاتهامات وتحميل بعضهم البعض مسؤولية ما تم سرقته من أموال الدولة، بينما واقع الحال يؤكد أنهم جميعا شركاء في عملية السرقة.
وكان وزير المالية بالوكالة إحسان عبد الجبار قد أعلن، يوم السبت الماضي، عن سرقة تُقدر بمليارين ونصف المليار دولار من أموال الضريبة في مصرف الرافدين الحكومي.
وأعلنت لجنة النزاهة النيابية، الأربعاء، أنها ستقوم بإعداد تقرير مفصل يتناول سرقة مليارين ونصف المليار دولار من مبالغ الامانات الضريبية.
وحمل وزیر المالیة المستقيل علي علاوي، اللجنة المالية في البرلمان السابق مسؤولية الغاء ديوان الرقابة والذي أدى بـ”السرقة الترليونية الكبرى”، وفيما أكد أن عملية السرقة تم تنفیذھا “داخل أروقة هيئة الضرائب ومصرف الرافدين”، ولفت إلى صرف 247 صكاً إلى “جھات سیاسیة متنفذة” تسترزق من “حيتان الفساد” وتوفر “الحصانة” للفاسدين.
وأكد أنه أبلغ مكتب رئيس الوزراء عدة مرات عن المخاطر المثیرة في السماح باستمرار ھذا الوضع.
وقال “أنهم یتنقلون ویعینون الحمقى الذین عليّ أن أزیل فوضاھم لاحقًا. لا يمكنني الاستمرار على ھذا النحو عندما أعلم أن الوزارة تلتھم من الداخل ولا يمكنني فعل أي شيء حيال ذلك. كل الدوائر مخترقة من الأحزاب والمتنفذين ولا يوجد أي شخص ذو قدرة وقابلية مستعد أن یعمل في ھذه الأجواء”.
في غضون ذلك قالت مصادر سياسية عراقية ان رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي يعد لخطط انتقام من خصومه بينهم مصطفى الكاظمي وتحميله مسؤولية سرقة أموال هيئة الضرائب بمجرد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني.
وشددت المصادر المقربة من الكاظمي على أنه على علم بما يعد له المالكي وبدعم من قادة ميليشيات في الإطار التنسيقي، ووصلته رسائل واضحة عن منعه من السفر قبل الانتهاء من قضية سرقة أموال هيئة الضرائب.
على جانب آخر طالب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، بضرورة الرد على “السرقة المخزية” لأمانات هيئة الضرائب بـ “المحاسبة والردع”، كاشفاً عن شكوك كانت تحوم حول أداء الهيئة منذ عهد حكومته عام 2017.
وقال إن “هذه السرقة المكشوفة ما كانت لتتم لولا التآمر والتخادم الرخيص بين مسؤولي العديد من مؤسسات الدولة، وغياب المسؤولية والحرص والمتابعة كعنصر أساس بإدارة الحكم”.
وأضاف “كانت هناك شكوكاً تحوم حول أداء الهيئة العامة للضرائب إبان رئاستي للحكومة 2014-2018، ولقطع الطريق على أي تلاعب محتمل، أصدرت أمرا بتكليف ديوان الرقابة المالية بتدقيق جميع معاملات إعادة مبالغ الأمانات الضريبية والجمركية”.
ويرى مراقبون أنه من السهولة بمكان أن يدافع لصوص الدولة عن سرقتهم ويتهم أحدهم الآخر، فجميع الذين يتبرؤون اليوم من أكبر سرقة في التاريخ المعاصر، كانوا شركاء وأخذوا حصتهم من تلك السرقة.
ودافع الكاظمي المنتهية ولايته عن نفسه مؤكدا أن الحكومة مضت بالإجراءات القانونية عبر هيئة النزاهة والقضاء المختص وقدمت كل الوثائق والأدلة والقرائن التي تساهم في كشف حقيقة قيام خمس شركات عراقية باختلاس ملياري و500 مليون دولار من أمانات هيئة الضرائب في مصرف الرافدين الحكومي.
وقال “حكومتي سبق أن اكتشفت هذا الخرق بناءً على معطياتٍ ومؤشرات تدل عليه فسارعت إلى فتح تحقيقات، والمضي قدماً بالإجراءات القانونية اللازمة، وبالتعاون مع القضاء وقد تم تسليم جميع الأدلة والوثائق للقضاء منذ أشهر والذي يمضي بدوره بمهنية عالية وهدوء بعيداً عن لغة الابتزاز والخطاب المضلل”.
وجاء في بيان وزير المالية السابق علاوي، أنه “قدم في السادس عشر من آب الماضي استقالته من الحكومة، وأوضح حينها اضمحلال مؤسسات الدولة وتدھورھا، وخاصة في القطاع المالي والمصرفي، وانتشار التدخلات من خارج الوزارة غير المشروعة في إدارة الدولة”، موضحاً “بعد شھرین من الاستقالة واجهتنا ربما واحدة من أكبر الفضائح المالية في العصر الحدیث”.
وأشار إلى أن “الضجة من الرأي العام الغاضب كانت صحيحة تماما لأن من غیر المعقول أن یتم سرقة ھذا الكم الهائل من الأموال بوقاحة مع الإفلات التام من الرقابة والمحاسبة والعقاب”.
ويكشف تبادل الاتهامات بين لصوص الدولة أنفسهم أن الفساد يمتلك سلطة تفوق أي سلطة موجودة منذ عام 2003، وأنه قادر على اختراق الوزارات وسرقة أموال الشعب العراقي.
وسبق وأن أكدت مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية فشل النظام التوافقي القائم منذ احتلال العراق عام 2003 على تقاسم أموال النفط وهيمنة الاوليغارشية “حكم الأقلية” والميليشيات التي تحميهم.
وقالت المجلة في مقال مطول للصحفي روبرت وورث المهتم بما يطلق عليه حكومة اللصوص والفساد في العراق “عندما يكتب المؤرخون في المستقبل عن جهود العراق المضطربة من اجل إقامة ديمقراطية على الطراز الأمريكي خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، فإن رسالة استقالة وزير المالية علي عبد الأمير علاوي ستوفر لهم نظرة تتسم بالندرة عن الوضع الداخلي في دولة فاشلة”.
وبنى وورث فكرة مقاله على استقالة علاوي التي كشف فيها سلسلة من نشاطات الاحتيال التي جرت بموافقة أو ترويج من جانب بعض الرجال المحيطين به، والذين ساعدوا في خلق اخطبوط واسع من الفساد والخداع يسمم البلد كله.
وقال ان الفشل واقع حتما ليس فقط بسبب السياسيين الفاسدين، وانما أيضا بسبب “الإطار السياسي لهذا البلد”، مشيرا بذلك الى النظام الذي تم وضعه خلال فترة الاحتلال الأمريكي والذي يساهم في تعزيز المنافسة السياسية وتقاسم السلطة والذي تحول الى عملية توافقية يتم من خلالها تقاسم أموال النفط، عبر الوزارات من جانب الاوليغارشية والميليشيات التي تحميها.
غير أن وورث نقل عن محامين ونشطاء عراقيين وصفهم استقالة علاوي بـ “الخدمة السياسية لنفسه” لحماية إرثه أو تبرير عدم رغبته في الاستمرار بالقتال.
ويجمع غالبية العراقيين على أن علاوي أحد أهم مؤسسي نظام لصوص الدولة في العراق، كما يسميه وورث، منذ الساعات الأولى للاحتلال الأمريكي، وأن استقالته جزء من عملية دوران ماكنة الفساد وفق التوافقات المستمرة في العراق.
وتهكم عراقيون على ذريعة علاوي بقوله إن الوضع الحالي بأنه “غير معقول ولا مقبول”، متسائلين عن أي احباط يتحدث بعد 19 عامًا من مشاركته في سلطة الفساد والفشل، فهل “احساسه” متأخر إلى هذا الحد ليشعر بالإحباط بعد كل تلك السنين من مشاركته تقسيم الحصص في حكومات “لصوص الدولة”.
وكان الصحفي روبرت وورث قد فتح نافذة أمام الرأي العام العالمي تكشف عن العناوين الكبيرة في الفساد الجاثم على صدر العراق بتقرير مطول في صحيفة نيويورك تايمز شرح فيه تفاصيل استحواذ قادة الميليشيات على نسبة من كل عقود المقاولات التي توقع مع الحكومة. إلى درجة أصبح ما سرق من ثروة العراق منذ عام 2003 يصعب عده.
وكتب وورث بعد أن ذكر أسماء قادة الميليشيات الفاسدة مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، فهم ليسوا فقط عملاء لإيران بالوكالة، بل هم أيضا الوجه الجديد لحكم اللصوص البيروقراطي، وإن من دعم ومكن هذه الميليشيات هي الطبقة السياسية العراقية الجديدة التي لا تسعى إلا إلى الثراء.
وقال “لقد قامت هذه العصابات متعددة الطوائف لسنوات عديدة بممارسة الاحتيال على كافة المستويات ومن ضمنها السيطرة المستمرة على نقاط التفتيش، والاحتيال المصرفي، والتحايل على نظام الرواتب الحكومي”.
وكتب أنّ الميليشيات أصبحت تشكّل طبقة جديدة، أخلاقياتها الوحيدة هي إثراء الذات. وعلى مرّ السنين أتقنت هذه العصابة العابرة للطوائف الحيل على جميع المستويات من الاحتيال المصرفي إلى الاختلاس من الرواتب الحكومية.
ويشبّه التقرير الحياة السياسية في العراق بحرب عصابات قائلا إنّ سطحها المضطرب يخفي عملا هادئا للنهب، ففي كل وزارة يتم تخصيص أكبر الغنائم بالاتفاق غير المكتوب لفصيل أو لآخر. فلدى الصدريين وزارة الصحة، ولدى منظمة بدر منذ فترة طويلة وزارة الداخلية، ووزارة النفط تابعة لتيار الحكمة.
ولا يخلي الصحافي وورث الولايات المتّحدة من المسؤولية عما آل إليه العراق من فساد عظيم، قائلا في تقريره إن واشنطن متورطة بشدة في كل هذا، ليس فقط لأن غزوها دمر البلاد، بل لأنها تقدّم الأموال التي يستفيد منها الفاسدون، إذ لا يزال الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك يمد العراق بما لا يقل عن 10 مليارات دولار سنويا بالعملة الصعبة من مبيعات النفط. وقد تم تمرير الكثير من ذلك إلى البنوك التجارية ظاهريا لتغطية الواردات لكنّ العملية اختطفتها منذ فترة طويلة عصابات غسل الأموال.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى