أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

ميليشيات من الحشد الشعبي تشارك في قمع التظاهرات الإيرانية

صمت حكومي في العراق إزاء التقارير التي كشفت مشاركة مجاميع من الحشد في قمع الاحتجاجات الإيرانية.

بغداد – الرافدين
فتح تداول تقارير إعلامية عن انخراط ميليشيات الحشد التي تضم مجاميع ولائية في العراق، في قمع المتظاهرين الإيرانيين، الباب للحديث عن تماهي هذه الميليشيات مع مصالح المرشد الإيراني وتحولها لبندقية مأجورة للقتال في الوقت والمكان الذي يختاره النظام في إيران خدمة لمصالحه العابرة لحدود الأوطان.
ولم يصدر أي تعليق حكومي ولا من قيادة الحشد الشعبي على التقارير التي كشفت استعانة فيلق القدس الإيراني بمجاميع من الحشد لقمع التظاهرات المتصاعدة في المدن الإيرانية، فيما تركت مهمة النفي إلى عناصر ثانوية غير مسؤولة.
وأكد موقع “إيران إنترناشونال” المعارض نقلًا عن مصادر صحفية اشتراك فصائل من ميليشيات الحشد من العراق إلى جانب ميليشيا حزب الله اللبناني في عمليات القمع للتظاهرات التي تجتاح عشرات المدن الإيرانية على خلفية وفاة فتاة في العقد الثاني من عمرها بعد ثلاثة أيام من اعتقالها من قبل شرطة “الآداب”.
واستندت المصادر إلى معلومات موثقة عبر تسجيلات مصورة لرجال ينطقون العربية وهم يضربون المتظاهرين المشاركين في التظاهرات التي انتشرت في مختلف أرجاء إيران، بما في ذلك العاصمة طهران.
وبينت تلك المصادر أن لكنة المتحدثين بالعربية كانت لبنانية وعراقية، وقد لعب هؤلاء دورًا محوريًا في عمليات القمع أسوة بالدور المناط للقوات التابعة للشرطة و“الباسيج” و“الحرس الثوري” الإيراني.
وأعاد ناشطون ومدونون التذكير بأدوار مشابهة نفذتها ميليشيا الحشد في السنوات الأخيرة لإنقاذ النظام الإيراني ومد يد العون له لا سيما خلال التظاهرات الشعبية التي تصل فيها قواته حد الإنهاك وفقًا لتصريحات لمسؤولي النظام بسبب حدّة المواجهة.
ففي تموز من العام الماضي، ومع تصاعد شرارة التظاهرات داخل مدن الأحواز العربية المحتلة وقتئذ، وامتدادها إلى العاصمة طهران ومدن كأصفهان وكرج، أكدت مصادر متطابقة اشتراك ميليشيا الحشد في قمع تلك التظاهرات.
وأكدت المصادر على أن السلطات الإيرانية استقدمت 1500 عنصر من الميليشيات الموالية لها في العراق لقمع ثورة الأحواز، مع تمدد التظاهرات إلى مناطق أخرى، وهو ما كان يشكل تهديدًا كبيرًا لطهران، مع اقتراب تسلم الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، السلطة التنفيذية في البلاد خلفًا لحسن روحاني قبل أن تعبر تلك الميليشيات الولائية المنتمية للحشد الحدود الإيرانية العراقية بكامل معداتها العسكرية إلى الأحواز لقمع الثورة.

تقارير تؤكد اشتراك ميلشيا الحشد في قمع تظاهرات الأحوزا المحتلة في السنوات الماضية

وكان قرار الاستعانة بمليشيات الحشد قد قوبل بغضب على المستوى السياسي والاجتماعي داخل العراق، رفضًا لإقحام العراق في أمور ليس له صلة بها في ظل أزمات البلد الداخلية.
وتساءل الكاتب السياسي سعيد القحطاني حينها عن “التكييف القانوني لمشاركة قطعات الحشد الشعبي في إخماد الانتفاضة العربستانية في إيران في حين أن الدستور العراقي يحرم ذلك وفق المادة 8 منه”.
وعبر القحطاني عن استغرابه من صمت القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من إقحام ميليشيا الحشد التي يفترض أن تأتمر بأمرته في مواجهات داخل إيران ليس للعراق أي صلة بها.
ووفقًا لمراقبين فإن استعانة إيران بميليشياتها في العراق ولبنان لاتقتصر على العام الحالي والعام الماضي فحسب، بل ترجع للعام 2019 حينما استعانت طهران بتلك الميليشيات بقيادة نائب ميليشيا الحشد آنذاك أبو مهدي المهندس الذي قتل في غارة أمريكية ببغداد مطلع كانون الثاني 2020 مع قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري، كخطة استباقية لأي تظاهرات في الأحواز بعد فشل الحكومة في مواجهة تظاهرات نيسان 2019.
بينما يؤكد ناشطون أن تاريخ انخراط الميليشيات الموالية لإيران في قمع التظاهرات المنددة بولاية الفقيه داخل إيران يعود لسنوات سبقت تأسيس ميليشيا الحشد حينما كانت تقاتل الفصائل المنتمية له بمسميات أخرى.
ويستند هؤلاء النشطاء إلى تقرير بثته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” باللغة الفارسية عام 2009، وشوهدت فيه شرطة مكافحة الشغب وضباط يرتدون ملابس مدنية بلهجات عربية وهم يشاركون في قمع الإيرانيين الذين كانوا يتظاهرون ضد نتائج الانتخابات الرئاسية حينها.
في المقابل، نفى القيادي في ميليشيا الحشد معين الكاظمي مشاركة هذه الميليشيات بقمع التظاهرات في إيران، مضيفًا “الحشد ينفي جملة وتفصيلًا تلك الاتهامات” بالتزامن مع نفي المكتب الإعلامي لميليشيا “حزب الله” في بيروت، صحة المعلومات المتداولة، بخاصة أن إيران تضم 85 مليون نسمة، “فما حاجتها إلى عناصر الحزب هناك”.
وكشف نفي مسؤول ثانوي في الحشد، الصمت الحكومي وقيادة الحشد الذي يرأسه فالح الفياض، عندما لم يصدر النفي من جهة سيادية على اعتبار أن المشاركة في قمع الاحتجاجات الإيرانية تأتي خارج الحدود الوطنية العراقية.
ويفند مراقبون هذا النفي بالقول إن إيران وجهت أدواتها بتفادي التطرق لهذا الملف الحساس خشية من تأثيرات ذلك على الجبهة الداخلية التي تشهد غليانًا شعبيًا ترجمته هتافات المتظاهرين الذين أكدوا أن بلادهم أهم من لبنان وغيرها في إشارة إلى الأموال الضخمة المرصودة لدعم الميليشيات في الخارج.

إيران تستغل الفقر وتفشي البطالة في تجنيد الشباب العراقي وزجهم في محرقة معاركها

ويكتنف الغموض الكثير من الملفات المتعلقة بطبيعة الدور الإقليمي لميليشيا الحشد، بعد أن تحولت الميليشيا إلى قوة دفع كبيرة للطموحات الأمنية الإيرانية في الشرق الأوسط في سياق عدم اقتصار نطاق ناشطها المسلح على الساحة العراقية فحسب، وتجاوزه ليشمل مناطق أخرى خارج العراق أيضًا، والحديث هنا عن الجوار العراقي وتخومه، لاسيما سوريا.
ولم تتوفر إحصائيات دقيقة لعدد المقاتلين العراقيين في سوريا، لكن مصادر عديدة تقول إنهم بالآلاف، في بعض الأحيان.
وتقوم الخطة التي أدارها الحرس الثوري على نقل المقاتلين العراقيين إلى إيران لتدريبهم، ثم نقلهم مباشرة إلى سوريا، وتوزيعهم على الجبهات حسب الحاجة، لقاء مرتب شهري يتراوح بين 500 و1000 دولار لكل منهم، مع التكفل بمأكلهم ومشربهم وتنقلهم وتجهيزاتهم العسكرية.
وبسبب انتشار البطالة وارتفاع معدلاتها في العراق، تحول القتال في سوريا إلى نوع من فرصة العمل بالنسبة للكثير من العاطلين، فيما فتحت بعض الميليشيات مقرات تطوع علنية في بغداد ومحافظات أخرى، تحت لافتة “الدفاع عن المذهب الشيعي” في سوريا.
وبالرغم من أن انتشار هؤلاء المقاتلين تركز بادئ الأمر في محيط مقام السيدة زينب في دمشق بزعم حمايته، إلا أن ظروف المعارك وحاجة الحرب قادتهم إلى الانتشار في مناطق عديدة من سوريا لاحقًا، ما حوّل الميليشيات القادمة من العراق إلى قوة رئيسة في هذا النزاع.
وتبين شهادات لمقاتلين شاركوا بمعارك سوريا ضمن الفصائل الموالية لإيران، إن رحلتهم بدأت من منفذ الشلامجة الحدودي بمحافظة البصرة الذي يربط العراق بإيران، وتلقوا، بعد عبورهم إلى الجانب الإيراني، تدريبات عسكرية في “معسكر سري بمنطقة عبادان تابع للحرس الثوري”، تعلموا خلالها استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
ويضيف المقاتلون “بعد اكتمال التدريبات، جرى إرسالنا بطائرات إيرانية تقلع من مطار في عبادان الذي يديره الحرس الثوري أيضًا، بعد أن زودنا بهويات إيرانية وأسماء مختلفة بعد التلاعب بها”.
ويؤكد علي محمد، (24عامًا)، والذي قاتل في سوريا، ضمن ميليشيا بدر التي يتزعمها هادي العامري، الملقب بشيخ الإطار التنسيقي، أن “هذه الهويات تُسحب منهم فور وصولهم إلى سوريا”.
وفي السنوات الأولى للحرب السورية، انتشرت في المناطق الوسطى والجنوبية في العراق وأزقتها لافتات نعي لمقاتلين قضوا بمعارك سوريا.
وللحرس الثوري “سلطة مطلقة” على كافة الميليشيات التي تقاتل في سوريا، فهو “يقسم محاور القتال فيما بينها، ويتكفل بإعادة جثث القتلى لبلدانهم”، حسب مقاتلين عراقيين.
وكان مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية السابق، دان كوتس قد أكد، أن إيران لديها 10 آلاف عنصر من الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية، دربتهم وسلحتهم للقتال في العراق وسوريا، وأن طهران باتت قوة تهدد الأمن الدولي.

مساع إيرانية لنقل مقاتلين من ميليشياتها الولائية لدعم ميليشيا الحوثي في اليمن

ولايقتصر الدور الإيراني على سوريا فحسب، بل يتعداه إلى باقي الدول التي باتت عواصمها تخضع للاحتلال الإيراني وفقًا لتصريحات قياداتها العسكرية ومن بينها اليمن.
إذ كشفت صحيفة إنتليجنس أونلاين في تقرير نشر في شباط الماضي أن الحرس الثوري يخطط لإرسال قوة كبيرة من عناصر الميليشيات العراقية الموالية لإيران لدعم الحوثيين في اليمن.
وقالت الصحيفة إن القوة ستضم مقاتلين من ميليشيا العصائب وميليشيا حركة النجباء، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تأتي إثر خسائر ضخمة تكبدها الحوثيون في معارك شبوة ومأرب.
ونقل الصحفي السوري أحمد زيدان عن تقرير الصحيفة في حسابه الموثق على تويتر، أن الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري ‎إسماعيل قاآني في الربع الأول من العام الحالي إلى‎ بغداد ركزت على عقد لقاءات مع الميليشيات بمشاركة القيادي البارز في حزب الله اللبناني، محمد الكوثراني.
وعلق المحلل السياسي اليمني فيصل أحمد على خطة إيران لإرسال عناصر ميليشيات عراقية إلى اليمن، أن طهران تعد الحوثيين ورقة يمكن أن تلعب بها في سعيها للمضي قدما بأجندتها الإقليمية.
وأضاف أن هذا الأمر يشير إلى أهمية معركة اليمن لدى إيران “وإلى حجم التوغل الإيراني في دول عديدة في المنطقة، منها اليمن والعراق ولبنان وسوريا، ما يجعل دول المنطقة في خطر”.
وعن كيفية نقلهم إلى اليمن أكد قائد ميداني في ميليشيا العصائب، في تصريحات صحفية بعد أن تحفظ على ذكر إسمه لدواع أمنية، أن الانتقال يجري بـ “واسطة غواصات إيرانية تمر عبر سلطنة عمان”، كما يقول.
وأشار هذا القائد الذي اشترك بمعارك سوريا والعراق، وكان مسؤولا عن أحد قواطع بيجي في صلاح الدين ضمن ميليشيا العصائب، إلى أن “حركتي عصائب أهل الحق والنجباء أرسلتا في 2017 مجموعتين من مقاتليها عبر الغواصات الايرانية إلى اليمن”، للقتال بجانب ميليشيا الحوثي، مبينًا إنه “كان من المقرر أن تبقى تلك المجموعتين 3 أشهر في اليمن، وعند عودتها يتسلم كل عنصر فيها مبلغ 9 آلاف دولار”.

ميليشيا الحشد تنفذ هجمات بالطائرات المسيرة ضد دول خليجية انطلاقًا من العراق

وتعاني البحرين هي الأخرى من المخططات الإيرانية الهادفة لزعزعة أمنها عبر مجاميع موالية لإيران تتلقى التدريبات في العراق على يد ميليشيات تدين بالولاء للمرشد الإيراني علي خامنئي وتصنفها المنامة على قوائم الإرهاب.
وفي استعراض لنشاطات تلك المجاميع فإن الوقائع تقود إلى إعلان السلطات البحرينية في السابع والعشرين من أذار من 2017 عن اعتقال خلية مسلحة كانت تروم القيام بعمليات مسلحة في العاصمة المنامة.
وأشار التقرير الصادر عن وزارة الداخلية البحرينية أن أغلب أعضاء الخلية تلقوا تدريبًا عسكريًا على يد مليشيا حزب الله العراقي الموالي لإيران.
وجاء هذا الإعلان بعد سنتين على استدعاء الخارجية البحرينية لسفير العراق لديها وتحديدًا في العام 2015، وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية على خلفية اعتقال عدد ممن وصفتهم بالإرهابيين بعد اعترافهم بتلقيهم تدريبات في العراق، بحسب الوزارة.
وعلى الصعيد الميداني ومع تقادم الزمن وجد الإيرانيون أن جنوب العراق المجاور للسعودية منطقة حيوية للعمل العسكري ضد المملكة، ويمكن استغلاله لفتح جبهة جديدة ضدها.
وقد نجح الحرس الثوري الإيراني في جعل مدينة السماوة العراقية قاعدة دعم لوجستي واستخباراتي إلى داخل الأراضي السعودية عبر الحدود العراقية – السعودية، تحديدًا في مناطق السلمان وأم العشوش فضلًا عن الإيعاز لميليشيا حزب الله بإطلاق الصواريخ على الأراضي السعودية.
وكان مسؤول كبير في الميليشيات المدعومة من إيران في بغداد، ومسؤول أمريكي قد أكدا لوكالة أسوشييد برس، إن طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات، استهدفت قصرًا ملكيًا سعوديًا في الرياض مطلع العام 2021، انطلاقًا من داخل العراق.
وفي حديثه إلى الوكالة، قال مسؤول الميليشيا إن ثلاث طائرات مسيرة أطلقت من مناطق حدودية عراقية – سعودية من قبل فصيل تدعمه إيران في العراق، وتحطمت في المجمع الملكي في الرياض في الثالث والعشرين من كانون الثاني عام 2021، ما أدى إلى تفاقم التوترات الإقليمية حينها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى