أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

انهيار معايير التعليم في العراق يخرج معلمين يفتقرون إلى المهارات الأساسية

حادثة الاعتداء بالضرب على والدة تلميذ داخل مدرسة بكربلاء يكشف تردي المستوى التربوي.

بغداد – الرافدين
كشف فيديو تم تداوله خلال اليومين الماضين عن قيام أحد أعضاء الهيئة التأسيسية لمدرسة خاصة في محافظة كربلاء، بدفع والدة أحد الطلاب في المدرسة وإسقاطها على الأرض، جانبًا من الانهيار المريع في المعايير التعليمية في العراق.
ووضع التداول الكبير للفيديو وزارة التربية أمام مأزق إيجاد الذرائع المناسبة لإقناع الرأي العام عن المستوى التي وصلت له العملية التعليمية، سواء بتردي نوعية التعليم أو بمستوى الكادر التعليمي الذي يفتقد أبسط مقاومات المعايير التربوية.
وتمثل الحادثة مشهدًا موثقًا من ظاهرة عمت المؤسسات التعليمية في العراق بعد انهيارها بشكل خطير.
وأعلنت وزارة التربية استبعاد أحد أعضاء الهيئة التأسيسية ووضع المدرسة تحت إشراف الوزارة لحين استكمال التحقيق في القضية. واصفة التصرفات التي قام بها أحد مؤسسي المدرسة الأهلية في كربلاء لا تليق بالتربويين.
فيما تذرعت إدارة المدرسة بأن “مقطع الفيديو مستقطع وغير كامل لغرض تسقيط المؤسسة والنيل من كوادرها التعليمية”.
ولا يمثل الاعتداء على والدة أحد التلاميذ في المدرسة حادثًا منفصلًا، بل شاهدًا موثقًا على انهيار العملية التربوية في العراق.
ويمثل العراق أنموذجًا لعدم حماية التعليم، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة بحماية التعليم في العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وحتى اليوم.
وسبق وأن اعتبر البنك الدولي أن 90 بالمائة من الطلاب العراقيين لا يفهمون ما يقرأون، بسبب الصراع الذي عاشه العراق وأوجه القصور فيه، في فضيحة مدوية لم يستطع الساسة في الحكومة ولا مسؤولو وزارة التربية تلافيها.
وصنف البنك رأس المال البشري في العراق بأنه “يمثل 15 بالمائة فقط من إجمالي الثروة، وهو أحد أدنى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
وعزا ذلك التراجع المريع في التعليم إلى ضعف نواتج التعليم، والصراع الذي عاشه العراق وأوجه القصور التي قادت البلد إلى نظام تعليمي “يعجز عن تقديم المهارات الأساسية إلى الطلاب، والتي تشكل أساس التعلم وتنمية المهارات”.
ولم يشر تقرير البنك الدولي إلى عمليات الفساد الكبرى التي شهدها واقع التعليم في العراق منذ عام 2003، فضلًا عن عمليات تجهيل متعمدة وتغيير المناهج وفرض طقوس طارئة على التلاميذ.
وكانت قد جرت عملية تجهيل متعمدة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، وسيطرة أحزاب طائفية على الحكم تعمدت تغيير المناهج وبث أفكار تقسيمية وطائفية، وفرض تقاليد على المدارس لإضعاف الروح الوطنية لحسابات حزبية.
وجرت أكبر عملية فساد في تاريخ العراق بالاستيلاء على مخصصات ضخمة من الأموال لبناء المدارس من قبل شركات وهمية مرتبطة بميليشيات متنفذة وأحزاب حاكمة.
وعلى الرغم من أن العراق يتبنّى منذ عقود سياسة إلزامية التعليم الابتدائي وأن الدستور في مادته 34 نصّ على حماية الطفولة وتكفل الدولة بالتعليم ومحو الأمية، إلا أن المشكلة تكمن في التطبيق، وتصطدم بصخرة الفساد وتحكم الجهات المتنفذة في البلاد في المدارس الخاصة وجعلها أحد موارد تمويلها، إلى جانب الكم الهائل من مشاكل المجتمع التي جعلت كثيرًا من الطلبة وأولياء الأمور يتمردون على الأنظمة التربوية، وذلك أدى إلى تراجع أداء المعلم في دوره التربوي الإرشادي والتعليمي، يضاف إلى كل ذلك عدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي رقم 118 لعام 1976 بحق أولياء الأمور الذين لم يلحقوا أبناءهم بالمدارس، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة إعادة هيكلة وزارة التربية والاستعانة بالكوادر التعليمية التخصصية لسد الحاجة الملحّة لدى وزارة التربية لآلاف المدرّسين والمعلمين، وإلى ضرورة تبنّي سياسات جديدة لاستهداف الأطفال خارج المدارس.
وأجمل الدكتور محمد الربيعي المستشار الفخري لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق؛ المشاكل المرتبطة بنظام التعليم في العراق بأنها: الفساد الإداري، وانعدام الكفاءة والافتقار إلى الموارد الكافية، والسياسات التربوية والتعليمية الخاطئة، ونظام الجودة الضعيف، وسوء المرافق التعليمية، ونقص كفاءة المدرس، وعدم تنفيذ سياسات التعليم، والتعليم بلا فلسفة أو اتجاه، وانخفاض معدلات الالتحاق، والتسرب على نطاق واسع، والتدخل السياسي السلبي، والمناهج القديمة وغير الملائمة للتعلم الحقيقي، وسوء الإدارة والإشراف، ونقص البحث التربوي والإداري والأكاديمي.
ووصف الربيعي في دراسة تفصيلية لواقع التعليم في العراق، وصف حال المدارس بأنها تعاني من تدهور مبانيها التي تهدد صحة الطلاب وسلامتهم وفرص تعلمهم، ولا سيما تلك الموجودة في المناطق الريفية والمناطق الفقيرة.
وسبق أن حذرت تقارير مفصلة لهيئة علماء المسلمين في العراق، من أن حال التعليم سيبقى على ما هو عليه، وربما يزداد سوءًا سنة بعد سنة، طالما بقيت المحاصصة والحزبية والتجارة تسيطر على التعليم، وسيخرج لنا جيل من أنصاف المتعلمين في كافة التخصصات على مدى السنوات الماضية والمقبلة، وبالتالي سيكون تأثير هذا سلبيًا على المجتمع، وكل نواحي الحياة في البلاد من صحة وتعليم وصناعة.
وذكر تقرير قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، أن تطور التعليم في العراق وانتشاله من واقعه الحالي يحتاج أولًا إلى علاج الفساد الإداري المستشري في دوائر الدولة عمومًا والتعليم على وجه الخصوص، فضلًا عن الاعتماد على أصحاب الكفاءة والنزاهة من ذوي الخبرة في مجال التعليم والإدارة.
وذكر قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين، في ندوة نظّمها بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأميّة، بعنوان “تفشي الأمّية في مهد الحضارات: الجهل السلاح الصامت الذي يهدد العراق”، أن نسبة الأمية المتصاعدة في العراق تشير بوضوح إلى نتائج حتمية الجهل التي فرضها الاحتلال واتبعتها حكوماته المتعاقبة.
وأكد القسم على أن، عملية التجهيل تهدف إلى محاربة العلم وفرض التخلف واستشراء الفساد وتغييب الوعي وإحداث حالة الاستنزاف الفكري والانحلال الأخلاقي ونسف مقومات المجتمع المدني كافة في سبيل تسهيل بث التفرقة بين مكونات الشعب الواحد وصناعة العنف وافتعال الأزمات والصراعات وتفكيك آليات التغيير الجماهيري والتفرد بالسلطة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى