أخبار الرافدين
د. رلى عبد السلام الآلوسي

إبادة التعليم في العراق

قال تعالى “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ”. جاءت الدراسات والبحوث الكثيرة لتؤكّد أهمية التعليم ودوره كرافعة لإحداث نقلة نوعيّة في حياة الأفراد والشعوب، ففي أي مجتمع متمدن نرى أنّ التعليم هو الآليّة الرئيسة لصنع ثقافة التغيير وغاية أساسيّة في بناء مجتمع مثقف ومتعلم.
لا يمكن المبالغة في التأكيد على أهمية التعليم للتنمية الاقتصادية ورفاهية الفرد فالتعليم يعد كمحرك للنمو طويل الأمد. تشير الأدلة التجريبية الحالية إلى أن تأثيرات الحروب والصراعات العنيفة على التعليم غير متجانسة إلى حد كبير.
ولو نلقي النظر في شأن العراق والحادثة الأخيرة التي أجبرت البروفيسور سعد عجيل الدراجي الأستاذ في جامعة بغداد إلى حرق شهاداته ومؤلفاته، فهذه الحالة أن لم تكن الأولى من نوعها في العراق فبالتأكيد لن تكون الأخيرة. فليس من الأمر الهين على أي مؤلف أن يحرق مؤلفاته أو أي إنسان مثقف أن يتلف شهاداته ويشاهد مجهود عمره يتحول إلى رماد. فهل كان تصرفا صحيحا؟
واقع الحال يفرض أن كل فرد يعبر عن ازدرائه من وضع التعليم العالي العراقي بطريقته الخاصة فكثير من الأساتذة والأكاديميين لجأوا إلى الهجرة وترك البلد بحثًا عن أماكن ومدن للعيش حيث الإنسان يحترم لإنسانيته والعقول تقيم وتستثمر. أن مهنة التعليم مهنة ورسالة سامية إلا في العراق. فأن ما يحدث الآن في العراق هو حقا مرحلة الصراع من أجل البقاء في زمن تمت به إبادة التعليم واستهدف فيه المعلمون والمتعلمون، فكم من دكتور سعد صامتا؟ كم أستاذ يعاني من التهميش والاجحاف بالتعامل سواء كان بتأجيل واستقطاع الرواتب أو في عدم توفير مستلزمات التدريس الحديث أو ما شابه؟ هذه الحادثة ما هي إلا واحدة من محاولات المنبوذين من أصحاب القرار لتدمير التعليم، محاولات واضحة لتحجيم حملة الشهادات والتقليل من دورهم بلا مبرر يُذكر، أو كان لا يسمح للأفراد بإكمال دراساتهم العليا إلا بشروط تعجيزية وعدم الاستثمار بالمخترعين والطلبة والمتميزين أو توجيه الكوادر العاملة في دورات تدريبية داخل وخارج القطر بهدف التطوير وليس للحصول على ترقية إدارية فقط أو كالمشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية المبنية على الفائدة العلمية وليس لأهداف السفر والسياحة او لارتباطهم بصلة من اشخاص معينين. ان ما حدث وما يزال يحدث هو دفع النخبة المفكرة تجاه الهاوية فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر كما في قضية الدكتور سعد عجيل. هذه العملية ما هي إلا أجندة خفية اعتمدت في اساليبها على الفساد الإداري والمحسوبية، فهذه الآلية تهدف لتفكيك البنية التحتية لنظام التعليم العراقي والتي لا يمكن تعويضها وإعادة بنائها مستقبلاً إلا بحملة جادة بالقضاء على الفساد الإداري، الاستثمار بالكوادر الموجودة، تعزيز الثقة بالقانون والنظام، وبالتأكيد تعديل القوانين التي لا تصب بمصلحة المجتمع بشكل عام والأكاديميين بشكل خاص لأنهم قاعدة البلد وأساسه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى