أخبار الرافدين
طلعت رميح

نجاح لولا مفارقات داخلية وإجماع دولي!

فاز لولا دا سيلفا، مرشح حزب العمال اليساري برئاسة البرازيل. كان فوزًا متوقعًا وفق استطلاعات الرأي، إلا أن المعركة الانتخابية كانت شديدة الشراسة، بسبب ارتباط خصمه في الانتخابات، الضابط السابق واليميني المتطرف جايير بولسونارو، بلوبي السلاح، ونيله المساندة من رجال الأعمال، وحصوله على دعم علني من الكنيسة الإنجيلية، وكذلك على دعم المؤسسة العسكرية تحت عنوان العسكريين المتقاعدين التي حكمت البلاد من قبل، بانقلابات عسكرية، والتي تعتبر لولا دا سيلفا خصمًا لها بحكم دوره التاريخي في إنهاء الحكم العسكري.
عاد لولا دا سيلفا ليحكم البلاد للمرة الثالثة. وفي عودته مفارقات داخلية وخارجية، ومخاطر متجددة أيضًا.
على الصعيد الداخلي، فالرجل حكم البرازيل لدورتين رئاسيتين متتاليتين بين 2002 و2010 وقبل أن يغادر أظهرت استطلاعات الرأي رضا نحو 80 بالمائة من المستطلعة آراؤهم عن أدائه وفجأة أتهم في قضايا فساد ورشى والزج به في السجن، ليقضى 19 شهرًا خلف القضبان، إذ أفرج عنه بحكم قضائي، عام 2019. وها هو يعود ليصبح رئيسًا لدورة ثالثة، ويلحق الهزيمة بخصمه الذي كان، ومن خلفه، وراء الزج به ففي السجن، ويجعله أول رئيس برازيلي لا يكمل دورة ثانية في الحكم.
وعلى الصعيد الدولي أحدث فوزه مفارقة تأريخية في هذه اللحظة الخطيرة التي يمر بها العالم. فلأول مرة منذ شهور يجتمع أضداد العالم المتصارعون، على موقف واحد هو دعم نتائج الانتخابات البرازيلية.
إجماع دولي، توحدت فيه مواقف كل من إدارة جو بايدن والصين وأوروبا ومعظم دول أمريكا الجنوبية والدول العربية، ويمكن القول روسيا أيضًا، على إبداء الارتياح لنجاح لولا.
وفي المقابل، انحصر الشعور بالهزيمة والغضب بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وتجار السلاح والكيان الصهيوني!
كان خصم لولا وجايير بولسونارو الحليف الأول للرئيس الأمريكي السابق ترامب، وحدث له ما حدث لترامب بالضبط.
كان يوصف في بلاده خارجها بترامب البرازيل، وهو اقتدى بترامب بكل شيء، حتى في رفض ارتداء الكمامة خلال أزمة فيروس كورونا، ولم تكن مصادفة أن جاءت بلاده في الترتيب الثاني في أعداد الوفيات، بعد الولايات المتحدة.
وإن كان ترامب قد اصطدم بالحلفاء والأعداء معًا، أو مع أوروبا والصين ومعظم دول أمريكا الجنوبية، فقد فعل بولسونارو الأمر نفسه. إذ كان ترامب من أقوى الداعمين للكيان الصهيوني، فقد اتخذ بولسونارو الموقف نفسه. ولذلك رحبت دول العالم بإنهاء حكمه ولكل منها سببها الخاص.
كان يوصف بعدو الصين الأول، فيما هي الشريك التجاري الأول للبرازيل. وكان في حالة صدام مع أوروبا، وهو لم يترك حتى زوجة الرئيس الفرنسي من بذاءاته، ورفض المصادقة على الاتفاق الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والسوق الجنوبية المشتركة لدول أمريكا الجنوبية. وكان في صدام مع معظم دول أمريكا اللاتينية إلى درجة التحريض العلني على شن الحرب على فنزويلا. وكان بمثابة الكابوس لإدارة بايدن، بحكم ارتباطه وتحالفه وتقليده لترامب، فيما البلاد على بعد خطوة واحدة من انتخابات الكونغرس. وهو اقتدى بترامب في التعامل مع نتائج الانتخابات، فلم يعترف بالهزيمة وتحدث فقط عن احترامه للدستور. وهو نفس ما فعله ترامب بعد هزيمته في انتخاباته عام 2020 .
ولولا دا سيلفا هو مهندس تطور العلاقات الدولية للبرازيل. وهو مهندس العلاقات مع أوروبا والصين، بل حتى مع الولايات المتحدة. وهو من أدخل البرازيل ضمن مجموعة بريكس التي تضم الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والهند.
وإذ سجل لولا دا سيلفا، قصة كفاح في الانتخابات، فهو صاحب سجل تأريخي في حياته الشخصية والنقابية وعلى الصعيد الاقتصادي والسياسي لبلاده.
عمل ماسحًا للأحذية، وأصبح نقابيًا من طراز فريد، وبدأ نشاطه السياسي من الصفر، حتى وصل لموقع الرئاسة، لينتشل بلاده من التردي الاقتصادي إلى القوة الاقتصادية، إذ سدد كل ديون بلاده لصندوق النقد الدولي، واندفع بها لتقفز إلى المرتبة السادسة، بدلًا من بريطانيا، في ترتيب اقتصادات العالم. كما أوصل بلاده إلى المرتبة التاسعة عسكريًا على الصعيد الدولي. لكن طريقه الآن هو الأصعب.
لقد أثبت الرجل قدرة الإدارات السياسية المخلصة في البلاد الفقيرة على تحقيق التنمية بمعدلات سريعة، وهو أفصح عن قدرة الشعوب على مواجهة الطغم التي تسطو على الحكم. لكن تجربته السابقة أثبتت كذلك قدرة خصومه على الانقلاب عليه، كما تكشف تجربته الحالية عن شدة الانقسام في المجتمع البرازيلي، بما يهيئ الفرصة لاضطرابات عميقة.
لم يكن اتهامه بالفساد وسجنه سوى عملية إقصاء لدوره بأدوات ناعمه ومنافسه الذي هزم الآن، كان قد وصل للحكم بدعم من الجيش وشركات السلاح، ولا يتوقع أن يسلم بإرادة الشعب، وسيسعى للانقلاب على حكم لولا. وقد شهدت البلاد محاولة أولية واختبار عملي فور إعلان النتائج، إذ أثار أنصاره الاضطرابات في الشوارع وعملوا على شل الحركة الاقتصادية، وكان هدفهم أن يلجأ لولا لطلب عون الجيش، فيحدث الانقلاب.
عمومًا، ففوز لولا دا سيلفا، سيحدث تغييرات على الصعيد الإقليمي والدولي. إذ كانت البرازيل قد تحولت إلى دولة معزولة في عهد بولسونارو، فهي ستعود مجددًا لأداء دور فاعل على الصعيد الدولي، كما ستعود لدورها كقاطرة دفع لأمريكا اللاتينية، نحو توحد مواقفها لتحقيق مصالحها المستقلة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى