أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ذاكرة ساحة التحرير ترفض مهادنة لصوص الدولة والميليشيات القاتلة

معهد تشاتام هاوس: العوامل التي ساعدت على اندلاع ثورة تشرين في العراق ما زالت قائمة بعد ثلاث سنوات على اندلاعها.

بغداد – الرافدين
يرفض عراقيون مصادرة التاريخ الثائر لساحة التحرير وسط العاصمة بغداد وتحويل ذاكرتها من تاريخ مفصلي ثار العراقيون برمتهم فيها على لصوص الدولة وتجار الطائفية، إلى مجرد ميدان احتفالي كما تريد حكومة المنطقة الخضراء.
وشهدت ساحة التحرير سقوط الطائفية التي رفعت شعارها الأحزاب والميليشيات التي استحوذت على السلطة بعد احتلال العراق عام 2003، كما رفعت في الساحة الشعار التاريخي الرافض للتدخل الإيراني في العراق.
وأوصل ثوار تشرين أقسى الرسائل الى طهران عندما مزقوا صور خامنئي وقاسم سليماني هاتفين “إيران برا برا”.
وتحولت تقارير إعلامية وخدمات صحفية مدفوعة الثمن من قبل وكالات انباء ووسائل اعلام، باتجاه تغيير دلالة ساحة التحرير بوصفها منطلق ثورة تشرين لاستعادة البلاد المخطوفة من قبل الميليشيات الطائفية، إلى مجرد ميدان ترفيهي للنزهة في محاولة للتعتيم على تاريخ ثورة تشرين.
الا أن معهد “تشاتام هاوس” البريطاني قد أكد ان العوامل التي ساعدت على اندلاع ثورة تشرين في العراق ما زالت قائمة بعد ثلاث سنوات على اندلاعها.
وذكر المعهد البريطاني الملكي في تقرير نشر بالتزامن مع ذكرى ثورة تشرين، أن الفساد في العراق متفشٍ في جميع مفاصل الدولة، وسط ارتفاع نسب الفقر ومعدلات البطالة وانهيار قطاعات التعليم والصحة وغيرها، مشيرا الى ان السياسيين في البلاد نهبو ثروات البلاد وأضر النظام الفاسد بالعراقيين وزاد من معاناتهم.
وأوضح أن التغييرات التي حلم بها المتظاهرون العراقيون وطالبوا بها لم تتحقق وان حياتهم المعيشية اليومية لم تتحسن.
وذكر تقرير آخر للمعهد كتبه الباحث المقيم في ريناد منصور، إن النظام السياسي في العراق يرهن على قدرته على مقاومة الاحتجاجات الثورية الشعبية.
ونبه الى ان مثل هذه التسوية لن تعالج الصراع اليومي الذي يستنزف العراقيين، وانما ستعزز الوضع القائم من خلال تجاهلها مجددا لديناميكيات العنف، الذي سيستمر في حصد خسائر أكبر بالأرواح.
وقال “أن شباب العراق قبل الانتخابات بعامين حيث قاموا بثورة ضد النظام، وان النخبة السياسية، المفلسة في ايديولوجيتها وادائها الاقتصادي، سعت للرد على التشرينيين، وانتقلت الى ممارسة العنف المباشر من اجل قمع التحركات الشعبية، مما أسفر عن مقتل مئات المتظاهرين واصابة الاف اخرين، وانه منذ ذلك الوقت، واصل النظام استخدام العنف للحد من حرية التعبير والاحتجاج”.
ويجمع عراقيون على أن دماء شباب تشرين التي سالت على أرصفة وشوارع ساحة التحرير ستلاحق لصوص الدولة والميليشيات الطائفية، لا يمكن للعراقيين التفريط بها وإزالتها من ذاكرة التاريخ المعاصر.
وقبل ثلاث سنوات كان فاضل عباس يتظاهر ضد السلطة مطالباً بالتغيير في ساحة التحرير في بغداد،
ويحمل فاضل البالغ من العمر 21 عاماً دِلال القهوة العربية التقليدية، والفناجين البيضاء المرقّطة بيده اليسرى التي لا تزال تحمل ندب جرح أصيب به خلال قمع تظاهرات ثورة تشرين 2019، في المكان نفسه الذي يتجوّل فيه الآن ويبيع القهوة.
وقال فاضل لوكالة الصحافة الفرنسية “لدي الكثير من الذكريات هنا… هنا ظلم الكثير من الناس، وقمعت التظاهرات، وقتل كثير من شباب وشابات وأطباء. كنا نطالب الحكومة بحقوقنا”.
وقتل أكثر من 600 شخص وأصيب آلاف آخرون بجروح برصاص القوات الحكومية والميليشيات المدعومة من إيران خلال الاحتجاجات غير المسبوقة التي ندّد خلالها المتظاهرون بالفساد والتدخل الإيراني وسوء الإدارة.
وأضاف فاضل الذي كان في الخط الأول في التظاهرات “الساحة كانت ممتلئة بخيم المتظاهرين”.
ويشير علي رياض، وهو ناشط يبلغ من العمر 29 عاماً شارك في التظاهرات أيضا قبل ثلاث سنوات، بيده إلى دجلة، قائلا “كلّ جسر من الجسور المحيطة شهد دماً: الجمهورية والشهداء والسنك والساحات، ساحة التحرير وساحة الطيران والوثبة والخلاني”.
ولعلّ أبرز معلم في ساحة التحرير، نصب الحرية للنحات العراقي الراحل جواد سليم الذي شيّد في أعقاب ثورة 14 تموز 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي، ويحمل النصب الذي يبلغ طوله 50 متراً، 25 تمثالاً نحاسياً تمثّل محطات بارزة في تاريخ العراق.
ويذكّر مبنى المطعم التركي قرب الساحة بمرحلة الاحتجاجات. فهناك، كان المقرّ الرئيسي للمحتجين قبل ثلاث سنوات. مذّاك، لم يتم ترميم المبنى، وتراقب قوات الأمن أي شخص يدخل إليه. أما جدرانه، فلا تزال مغطاةً برسوم تذكّر بالثورة.
ولا تزال الساحة تشهد من وقت لآخر احتجاجات متفرقة، أحياناً لشباب خريجين يطالبون بفرص عمل، وينددون بالفساد وتغول الميليشيات.
واستذكر ثوار تشرين دماء زملائهم الذين سقطوا برصاص القوات الحكومية والميليشيات التابعة للأحزاب في تظاهرة عارمة الشهر الماضي، جوبهت بالقمع واغلاق الجسور من قبل القوات الحكومية.
وذكر بيان ضمّ توقيع مئات الناشطين في بغداد ومدن أخرى، أن “سلطة الإجرام والفساد تعود مجددًا بكل صلافة إلى المحاصصة والتوافق وتمكين القتلة والفاسدين من القرار، بعد ثلاث سنوات من الدم والتضحيات التي عرّفتهم بأحجامهم الحقيقية إلى العالم، أمام رفض الأغلبية العظمى لنظامهم الفاسد”.
وطالب البيان بتشكيل حكومة مستقلة بعيدة عن أيدي الزعامات والأحزاب السلطوية، من كفاءات عراقية مخلصة تأخذ على عاتقها التمهيد لعقد اجتماعي وسياسي يفرض شروط التغيير الجذري لهذا النظام والتأسيس لمرحلة جديدة تمنع الأحزاب المسلحة والفاسدة من المشاركة في صنع القرار السياسي بجميع مسمياتها وصنوفها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى