أخبار الرافدين
طلعت رميح

البعد الغائب في تغطية الانتخابات الأمريكية

تعددت التوجهات في تناول الإعلام العربي لقضايا انتخابات المؤسسات التشريعية الأمريكية. وقد مالت كثير من أجهزة الإعلام العربية لمراعاة مصالح الدول الناطقة باسمها أو المرتبطة بها في تعاملها مع الانتخابات. انحاز بعضها لرواية الديموقراطيين، وتفاعلت أخرى، وإن على خجل أو بقلق سياسي، مع رواية الجمهوريين، وبشكل خاص مع التيار الذي يقوده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
بدا مشهد أجهزة الإعلام العربية، جزءًا من المشهد الداخلي الأمريكي، وصارت في وضع الملحقة بطرفي الصراع.
ظهر بعضها أقرب إلى تغطيات “سي أن أن” وبعضها الآخر، أقرب إلى تغطيات فوكس نيوز.
قليل من المتابعات تطرقت لتأثيرات نتائج الانتخابات على الأزمات العربية والإسلامية واكتفى بعض آخر بالتطرق لتأثيرها على استمرار تقديم الدعم لأوكرانيا.
وكان البعد الغائب في التغطيات، التقارير ورؤى المحللين والخبراء، هو تأثير الانتخابات والتحركات الجارية خلالها على التعادي المجتمعي –الجغرافي داخل الولايات المتحدة. بالدقة لم يجر البحث في التغييرات الكبرى الجارية في توجهات الحزبين المتصارعين.
جرى ذكر الأجواء المشحونة، لكن دون التطرق للتغييرات الخطيرة في الفكر والسياسة والمفاهيم على ضفتي الصراع.
لقد ركزت أجهزة الإعلام العربية في متابعاتها على القضايا المؤثرة على تصويت الناخبين، مثل قضايا الإجهاض والتضخم وغيرها، ولا بأس في ذلك، لكنها تحاشت الذهاب إلى عمق التغييرات الجارية في المجتمع الأمريكي وداخل الحزبين، فيما هي الأكثر استدامة، وما ستحدث زلزالًا في العلاقات والتوازنات الدولية، وما سيكون لها من تأثيرات كبرى على مواقف الولايات المتحدة من أزمات منطقتنا.
وكان اللافت التركيز على فشل الرئيس الأمريكي السابق ترامب، سواءً على صعيد من رشحهم ووقف خلفهم ،أو من خلال التأكيد على أن النتائج ستضعف احتمالات خوضه الانتخابات الرئاسية القادمة.
لقد جرى تحديد معيار نجاح ترامب، بالتركيز على توقعات أجهزة الإعلام الأمريكية الموالية لترامب، وجعلها معيارًا ومقياسًا للمحاسبة على مدى نجاحه وفشله، تارة تحت عنوان التوقع بحدوث موجة حمراء وتارة تحت عنوان القياس على نتائج الانتخابات النصفية السابقة، التي عادة ما يخسر فيها الحزب الحاكم. وهي حركه إعلامية يجرى اعتمادها للتعمية، في كل الصراعات.
لقد رأينا الولايات المتحدة تلعب نفس اللعبة في الحرب الروسية الأوكرانية. حددت الدعاية الأمريكية أهدافًا لروسيا ولمسار حركة القوات والتوقيتات التي ستستغرقها لاحتلال أوكرانيا، ثم صار الإعلام يستخدم ما رسمه هو، لقياس الفشل والنجاح الروسي الأمر واضح بشكل خاص بشأن حركة القوات الروسية باتجاه كييف والعودة عنها
في حالة ترامب جرى أخذ شعارات الحشد وتقديرات الإعلام “حسب وصف بايدن” واعتمادها مقياسًا للحكم على فشل ترامب في تحقيق أهدافه.
كل ذلك حال دون الولوج إلى عمق الفهم والرؤية والتحليل.
الأهم فيما جرى في هذه الانتخابات ليس عدد الأصوات والمقاعد، وهو ما لم يحسم بعد بصفة نهائية، بل إن ترامب الذى ظهر كحالة نشاز وبدا كأنه شخص يتحدث بلغه غريبة وسط سوق مكتظة بالأصوات الديموقراطية والجمهورية، خلال انتخابات عام 2016، والذي كان موضع تندر، قبل أن ينجح ويصبح رئيسًا، قد ظهر الآن كقائد تيار متحكم داخل الحزب الجمهوري وفي المجتمع الأمريكي.
لقد أحدث ترامب تغييرًا خطيرًا داخل الحزب الجمهوري. وإذا كان باراك أوباما ومن بعده بايدن قد أحدثا انعطافًا في رؤى الحزب الديموقراطي، فقد أحدث ترامب نقلة في الاتجاه المضاد. وتلك الانتخابات كان معيار الحكم عليها، هو مدى تعمق الرؤى الجديدة، في كلا الحزبين.
وضع أوباما أساس التغيير في الحزب الديموقراطي، فأصبح حزبًا للأقليات بمختلف أنواعها العرقية والدينية، ولم ينس المثليين حتى، عمق بايدن تلك الحالة حتى طغى هذا التمثيل على تشكيل جميع المواقع التنفيذية في الحكومة الفيدرالية، وهو جعل من ذلك نموذجًا في إدارة سياسته الخارجية. أصبح الديموقراطي حزبًا للنخب العولمية.
وفي المقابل مثل ترامب التيار الآخر، الذي يدافع عن العرق الأبيض والبروتستانتية الإنجيلية بشكل خاص ،وعن ازدراء الأقليات- إلا من يسانده -ويقف مع الأسرة ومع حمل السلاح الهجومي ويرفع شعار أمريكا أولًا. أضعف ترامب الحزب الجمهوري التقليدي وحوله إلى حزب النخب الوطنية والدينية
وبهذا المعنى فالأهم الآن، هو مدى تجذر هذا التغيير.
لقد بدأ التحول في الحزب الجمهوري مع سيطرة ما سمى بالمجموعة المسيحية الصهيونية خلال حكم جورج بوش وديك تشيني ورامسفيلد، وكان منظرها ريتشارد بيرل (أمير الظلام). ووقتها جرى اتهام هؤلاء بالسطو على الحزب. وجاء ترامب ليحدث تحولًا في وضعية تلك المجموعة من حالة النخبة المعزولة إلى التيار المسيطر داخل الحزب، مع تغيير في التوجهات هنا أو هناك.
الانتخابات هنا، هي مؤشر على تصاعد صراع مجتمعي، وليست مؤشرًا لتفوق طرف حزبي على آخر في اكتساب مواقع أو مقاعد في الحكم.
وهذا الذي جرى في الإعلام العربي، يذكر بما قيل في بداية ظهور ترامب، إذ جرى النظر له باعتباره مجرد تاجر عقارات يبحث عن المال، فضلًا عن ترديد الألفاظ المتداولة في الإعلام الأمريكي وصفًا لحالة ترامب ،بأنه رئيس أحمق ولا يصلح للحكم وكاذب في تصريحاته…

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى