أخبار الرافدين
كرم نعمة

استعراض السوداني الأجوف

لأنه لا يوجد على الاطلاق ما يثير الاعجاب السياسي يصدر من المنطقة الخضراء منذ عام 2003، فان كل كلام الاعجاب الصادر من العقول القبورية في ميليشيا العصائب بشأن تحركات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يثير الاستهجان ويكشف الأدوات التي تفتقدها تلك العقول مرة بعد أخرى في الضحك المكشوف على الذقون، خصوصا ما يتعلق بكسر أضلع الفساد والذهاب إلى الإصلاح. فآخر ما يمكن أن تهتم به الميليشيات والسوداني على هامشها هو مفهوم الإصلاح والدفع باتجاه الحكم الرشيد.
في الوقت الذي أثار قرار السوداني نقل أطباء من مستشفى الكاظمية تهكما بين العراقيين الذين ما عاد بمقدور أيا من الطبقة الاوليغارشية الفاسدة في المنطقة الخضراء، التذاكي عليهم، فأن هذا القرار الذي يفترض أن يتكفل به مدير عام من الدرجة الثالثة أو الرابعة في وزارة الصحة وليس رئيس حكومة، أثار إعجاب ميليشيا العصائب، باعتباره فتحا إصلاحيا لإنقاذ العراق من الفساد!
وجدت تلك الميليشيا الفاسدة فرصة لأبداء الاعجاب، ورفع منسوب الوعود الفارغة بأن مستشفيات العراق ستكون في غاية النظافة بمكنسة رئيس الحكومة صنيعة الإطار التنسيقي.
أمر طيب أن يزور رئيس الحكومة مستشفى، لكن بمجرد التفكير في نقل الأطباء العاملين ليلا، بانه وسيلة لإنقاذ المستشفى من الرثاثة والانهيار الخدمي، ينم عن سوريالية سياسية لا يمكن أن تحدث إلا في العراق.
من المفيد هنا العودة إلى إبداء نقابة الأطباء العراقيين، استغرابها من قرار السوداني الذي صار موظفا في وزارة الصحة، لأنه في حقيقة الأمر يجهل أساس مهمة رئيس الحكومة، عندما يختزل الفساد المتراكم ومشاكل وزارة الصحة بالطبيب نفسه.
هل السوداني بحاجة أن يتعلم أن الطبيب لا علاقة له بنقص الأدوية أو بنظافة المستشفى وعدم توفر إجراءات السلامة والوقاية من الحرائق؟
وهل بحاجة أن يدرك أن نقل الأطباء الى مستشفى أخرى في أطراف بغداد لا يغير من حقيقة الأمر، إن كان الطبيب يعمل في الكاظمية أو الطارمية فهو يعالج عراقيين ولن يستقبل مرضى من جزر الواق واق!
ثم أي رسالة يبعثها هذا القرار غير تشجيع الأشخاص المتهورين على ارتكاب المزيد من الاعتداءات على الأطباء والإساءة إليهم وخلق بيئة طاردة لهم ولسمعتهم.
سبق أن قال 87 بالمائة من الأطباء في بغداد إنهم تعرضوا للعنف في العمل، في حوادث بعضها ينطوي على أسلحة، ومعظمها على أيدي أقارب المرضى.
وأشارت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير موسع عن أوضاع المستشفيات في العراق إلى دراسة استقصائية حديثة وجدت أن 87 بالمئة من أطباء بغداد تعرضوا للعنف في الأشهر الستة السابقة.
الأطباء العراقيون يتعرضون لمصاعب تفوق النقص في الأدوية والمعدات والأسرة النظيفة في المستشفيات.
ولأن ميليشيا العصائب غير معنية بحقيقة الفساد الحقيقي في وزارة الصحة، فأنها تبدي سعادتها بالاستعراض الأجوف للسوداني في مستشفى الكاظمية، ولأنني أنظر بحذر صحفي لخطوة السوداني، فمن المفيد تذكيره هنا، إن وزارة الصحة لا تعاني نقصا في المال، بحسب ميزانية العراق لعام 2021، فقد تم تخصيص 1.3 مليار دولار على الأقل في السنوات الأخيرة لبناء المستشفيات “الرقم بائس قياسا لثروة العراق ومقارنته بميزانية القطاع الصحي في دول الجوار الأفقر من العراق” لكن لصوص الدولة وقادة الميليشيات يستحوذون على النسبة الأعلى من تلك التخصيصات.
ووفق تصريحات لمسؤولين حاليين وسابقين، تحدثوا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفًا من الانتقام، إن الفساد مستشر وإن “الأموال المخصصة لكل شيء، بدءا من شراء الأدوية إلى بناء المستشفيات، يتم إهدارها من قبل مسؤولين ورجال أعمال، وأفراد من جماعات سياسية أخرى”.
وزارة الصحة متخمة بالفساد ومتورطة بسلسلة من الصفقات المشبوهة والتي يماط عنها اللثام بين الحين والآخر. ذلك ما يدركه السوداني الذي يستحق الشفقة أكثر من أي شيء آخر وهو يذهب إلى الأطباء الخفر في مستشفى الكاظمية بينما يغض الطرف عن لوردات الفساد المحيطين به في الإطار التنسيقي.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى