أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الأمم المتحدة: البيانات الحكومية لا تسمح بقياس حجم جريمة الاختفاء القسري في العراق

لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الاختفاء القسري توثق مئات الشهادات لأسر وأقارب المختفين قسرا بعد زيارة لمدن بغداد والانبار والموصل وأربيل.

بغداد- الرافدين
قالت لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الاختفاء القسري بعد انتهاء زيارة الى مدن العراق المنكوبة “لقد حُكمَ على أسر وأقارب المختفين أن يعيشوا في حزنٍ دائم لعدم معرفة أيّ شيء عن مصيرهم ومكان وجودهم، ويتعيّن عليهم مواجهة إطار روتيني معقّد للغاية في سبع مؤسسات عند تقديم أي شكوى أو مطالبة بحقوقهم”.
وأعربت اللجنة بعد زيارة الى بغداد والانبار والموصل وأربيل ومقابلة أهالي المغيبين في سجون الميليشيات عن قلقها البالغ إزاء الادعاءات العديدة بارتكاب أعمالٍ انتقامية ضدّ أسر وأقارب وممثلي المختفين، وكذلك ضدّ الجهات الفاعلة التي تشارك في عمليات البحث والتحقيق.
وأشارت اللجنة المكونة من الرئيسة فيلا كوينتانا ونائبيها باربرا لوخبيلا ومحمد عياط، ورئيسة أمانة اللجنة ألبان بروفيت بالاسكو، إلى أنّه لا ينبغي أن يتعرّض أيّ شخص من الذين شاركوا في المحادثات أو أسهموا بمعلومات إلى اللجنة لأعمال انتقامية.
وأكدت على أن المعلومات والبيانات المتوفّرة في العراق لا تسمح بقياس حجم هذه الجريمة لكنّ الوفد تلقى خلال الزيارة، التي استغرقت 12 يوماً، المئات من ادعاءات الاختفاء القسري من مختلف المحافظات.
وسبق أن وصفت صحيفة “واشنطن بوست” وعود الحكومات في بغداد فيما يخص إنهاء ظاهرة المختفين قسريًا بمجرد كلام.
وقالت الصحيفة إن رؤساء الحكومات تعهدوا علنًا بالتحقيق في حالات المخفيين قسرًا ومعاقبة مرتكبيها، لكن لم يتحقق شيء يذكر من تلك الوعود، واستمرت حالات الإخفاء القسري لمواطنين عراقيين دون حساب.
وتؤكد بيانات جماعات حقوق الإنسان أن الميليشيات في العراق لا تعمل تحت مظلة قوات الأمن الحكومية وشرعت لنفسها قانونها الخاص حتى باتت تطارد وتستهدف المعارضين وتخفيهم قسرًا.
وارتكبت ميليشيا العصائب برئاسة قيس الخزعلي جرائم التغييب القسري ضد أكثر من 55 ألف شخص، في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى والتأميم وحزام بغداد.
ومن ضمن هؤلاء المغيبين من تمت تصفيتهم أو بيعت أعضائهم البشرية من قبل الميليشيا، وكذلك من ضمنهم من تمت مساومة ذويهم من أجل تسليم جثثهم، بينما السلطات الحكومية مسلوبة الإرادة أمام نفوذ هذه الميليشيات، ولم تقم بأي دورٍ تجاه هذه الأعداد من المغيبين.
ودعت لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الاختفاء القسري (CED) العراق إلى اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لإدراج الاختفاء القسري كجريمةٍ مستقلة في التشريع الوطني، مشدّدة على أنه لا يمكن تأجيل العملية أكثر من ذلك.
وذكر بيانٍ صدر عنها عقب انتهاء زيارة اللجنة الأممية المعنية بالاختفاء القسري للعراق، أنّ الاختفاء القسري يتمثل بالحالات التي يرتكبها وكلاء الدولة أو مجموعات الأشخاص الذين يتصرّفون بتفويضٍ من الدولة أو بدعمها أو قبولها،
وقالت رئيسة اللجنة فيلا كوينتانا “أن هدفنا ليس فقط توثيق الوضع، ولكن أيضا تحديد طرق العمل مع السلطات والضحايا والجهات الفاعلة الأخرى للقضاء على حالات الاختفاء القسري ومنعها”.
وأضافت “إن عدم وجود تعريف صريح للاختفاء القسري في التشريع الوطني كجريمة مستقلة أمر مقلق للغاية، فالعمل على جريمة غير موجودة في الإطار القانوني الوطني هو وهم، بغض النظر عن الأساليب والأهداف الموضوعة”.
وستنشر اللجنة تقريرها النهائي بشأن زيارة المدن العراقية وكشف حقائق المغيبين قسريا في السجون الحكومية وسجون الميليشيات، في آذار 2023.
وكرّرت اللجنة الحاجة إلى “إجراء تحقيق عاجل ومستقل ونزيه في جميع مزاعم الاحتجاز السري”. ومع الأخذ في الاعتبار التحدّيات التي تواجه تحديد مكان مثل هذه الأماكن والوصول إليها، دعت اللجنة إلى إجراء تحقيق تجريه لجنة محايدة ومستقلة يمكن أن تجمع خبراء وطنيين ودوليين. ويمكن لهذه اللجنة أن تُنشئ بعثة لتقصي الحقائق للتحقّق من وجود أماكن احتجاز سرّية في المناطق التي يُزعم وجودها فيها، باستخدام جميع الوسائل التقنية ذات الصلة، مثل صور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار.
وحثّت اللجنة العراق على إنشاء سجلٍّ مركزي ومترابط لتمكين التعرّف على حالات الاختفاء القسري بشكل موثوق والوصول الفعّال إلى المعلومات من قبل جميع المؤسسات المسؤولة عن البحث عن المفقودين والتحقيق في حالات الاختفاء المدّعاة.
وعقد الوفد خلال زيارته اجتماعات في بغداد والأنبار وأربيل والموصل مع مسؤولين حكوميين، وممثلين عن منظمّات المجتمع المدني والضحايا. كما جرى في الزيارة عملية لاستخراج الجثث وزيارة لأربعة أماكن احتجاز.
وأكدت اللجنة في بيانها على ضرورة معالجة معاناة الضحايا اليومية وفق الاتفاقية الدولية التي تنص على أن ضحيّة الاختفاء القسري هو ليس الشخص المختفي فحسب، بل كلّ الذين يتأثرون بهذا الاختفاء وفي مقدّمتهم عائلته.
من جانبه أكدّ مركز جنيف الدولي للعدالة (GICJ) أن زيارة اللجنة هي نقلة نوعية في مستويات التصدّي لملّف الاختفاء القسري في العراق الذي أصبح الآن قضيّة دولية ستناقش على أعلى مستويات صنع القرار في الأمم المتحدّة.
وأشار إلى أنّه عمل بدأب خلال السنوات الماضية على تحقيق هذه الزيارة، وشارك بفاعلية في توفير مستلزمات نجاحها، وسيواصل متابعة نتائجها ومخرجاتها من أجل معرفة مصير المختفين قسرياً في العراق ومحاسبة المتسبّبين في إخفائهم.
وخلال زيارة وفد اللجنة للعراق، قدّم مركز جنيف الدولي للعدالة تدريباً معمّقاً لأكثر من ستين ناشطاً واستاذا جامعياً وعدد من المحامين والإعلاميين من عدّة محافظات عراقية، تركّز على كيفية توثيق حالات الإخفاء القسري وفق المعايير الدولية، وعرضها على اللجنة.
وشمل التدريب مشاركة بعض ضحايا الاختفاء القسري الذين روّوا للجنة شهاداتهم الشخصية الموّثقة وتفاصيل ما حدث لهم ولعوائلهم وأسماء الجهات التي تسبّبت بذلك.
وشارك في اجتماعات اللجنة التي عقدتها في بغداد والأنبار وأربيل والموصل أكثر من 45 من الأشخاص الذين تلقوا تدريباً من المركز ضمن التهيئة لزيارة اللجنة.
وجاءت زيارة اللجنة للعراق طبقاً للمادة 33 من اتفاقية الأمم المتحدّة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي تنصّ على “إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقة تشير إلى أن دولة طرف ما تنتهك بشكل خطير أحكام هذه الاتفاقية، يجوز لها، بعد التشاور مع الدولة الطرف المعنية، أن تطلب من واحدٍ أو أكثر من أعضائها القيام بزيارة وتقديم تقرير دون تأخير”.
وقال مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور أيمن العاني إن “الزيارة الثانية للجنة الأممية المعنية بحالات الاختفاء القسري للعراق، لها دلالة أن الجهات الحكومية لم تلتزم بمخرجات وتوصيات الزيارة الأولى، على الرغم من المجاملات وتخفيف وطأة ما يجري في العراق ويعد أيضًا اعتراف صريح بعدم تحقيق أي تقدم في ملف الاختفاء القسري بالبلاد”.
وأضاف العاني في تصريح لقناة “الرافدين” أن “لا يوجد في العراق منذ عام 2003 وإلى الآن قانون يجرم الاختفاء القسري، وقضايا حقوق الإنسان تتقاطع معها الإرادات السياسية الدولية “.
وأوضح “على الرغم من كثرة المعوقات، ولكن نحن ندعم أي تحرك أو تحقيقات في ملف الاختفاء القسري، والتي لربما تشكل وجهًا من أوجه الضغط على الحكومة وتحدث تحسنًا طفيفًا ينعكس على الضحايا وأسرهم”.
وقالت الناشطة الحقوقية إيناس زايد خلال مشاركتها في برنامج تحت الضوء والذي يبث على قناة “الرافدين” إن “الأعداد الكبيرة للمختفين قسريًا والتي تشير إليها التقارير الدولية بوجود ما يقارب 250 ألف إلى مليون عراقي مغيب، تبين حقيقة أن التغييب في العراق جريمة ممنهجة ولا يمكن أن تكون أبدًا حالات فردية”.
وأشارت إلى أن الجهات الحكومية تقوم بتوفير الغطاء لممارسات الميليشيات وعدم مساءلة المجرمين أو إحالتهم إلى القضاء.
وشددت على ضرورة قيام ذوي المغيبين على تحريك قضاياهم في المحاكم القضائية حتى وإن كنا نعلم مسبقًا بعدم تحقيق أي إجراء قانوني، ولكن من المهم جدًا تثبيت حوادث الاختفاء ومحاولة تدويل قضاياهم من خلال تزويد المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بالوثائق والأدلة اللازمة والإصرار على عرض تلك الملفات للجنة الأممية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى